حل الدولتين للقضية الفلسطينية وارد… لكن، بين مَن ومَن؟

عزت صافي (الحياة)

قد تكون هذه السنة السابعة والستون، من عمر نكبة فلسطين، هي الأخطر من كل ما سبقها. ذلك أن كل ما يجري في العالم العربي الذي يتفجّر ويتبعثر في أقطاره لا يبعث على الأمل بأن الاستقرار سوف يعود إليه قريباً. فالمؤامرة هذه المرة كبرى فعلاً، وخطيرة جداً.

وإذا كانت هذه المقدمة متأتية من رؤية ملبّدة بغيوم سود، فما هو الداعي للاستئناس بالرجاء من خلال الصورة المكبّرة للوضع الراهن، على الأرض في سورية، وفي العراق، واليمن، وليبيا، وفلسطين، وخصوصاً في فلسطين، التي هي، دائماً، البداية، وهي، دائماً، الغاية.

ثمّ، في عقل مَن يمكن أن يدخل الرجاء إذا ما تابع المراقب مسار «المجتمع الدولي» المنهمك منذ خمس سنوات في مؤتمرات ومحادثات على مستوى رؤساء دول، ووزراء، وخبراء، في جنيف، وروما، وباريس، ولندن، وموسكو، وصولاً إلى واشنطن ونيويورك، من أجل التوصل إلى حل بسيط، وقد بات سخيفاً، وهو يتلخص بالاتفاق على صيغة لـ «مرحلة انتقالية» ، يكون من ضمنها بشار الأسد، أو لا يكون؛

وتبلغ الكارثة – المهزلة ذروتها حين تكون في رعاية «تحالف دولي» يضم الدول العظمى، وعشرات الدول الأخرى المشاركة في الأساطيل الجوية والبحرية، ما عدا الجيوش البرية التي تلتزم مبدأ الرئيس الأميركي باراك أوباما على قاعدة «القيادة من الخلف».

وعلى هذه القاعدة تجرى مناورات مشتركة على أطراف الساحة السورية حيث تُدمّر المدن على أهلها وفوق جثث رجالها ونسائها، وأولادها، فوجاً بعد فوج، مع فتح المعابر أمام من يبقى من الأحياء للهروب، فوجاً، بعد فوج، إلى «أرض الميعاد» في البلقان، على الحدود الفاصلة، بين جهنم في الخلف، و»النعيم» الأوروبي على مرمى البصر، ومتناول اليد، بل على مدى النفس الذي يتبخّر في الهواء مع الصوت الآتي من خلف شريط الأسلاك الشائكة: عودوا إلى دياركم.

هناك حالات «إنسانية» تسمح لـ «ذوي الحاجة» بالدخول إلى «النعيم الأوروبي». لكن بعد ما اكتشفت الدول الأوروبية بمن وصل إليها من أفواج الهاربين من النكبة السورية، بدأ الأمر يختلط على ذوي المسؤولية والقرار في تفسير معنى «ذوي الحاجة». هل هم من طالبي اللجوء إلى أوروبا؟ أم أنهم من الأوروبيين «ذوي الحاجة» إلى اليد العاملة الأجنبية؟

إنها الكارثة العظمى، بل هي، حتى اليوم، الأعظم من الكارثة الفلسطينية بين العامين 1947 – 1948. لكن الكارثة الأعظم، بعد، فقد تحل خلال هذه السنة الأخيرة من ولاية باراك أوباما، بعد أن يخلي مقعده في البيت الأبيض، ويمضي، تاركاً عواقب النكبة العظمى لرئيس أميركي جديد لا يكون مسؤولاً عما حصل في عهد سلفه، ولا يكون مستعداً لتحمل مسؤولية النتائج والعواقب المترتبة على ما يكون قد حصل خلال ثماني سنوات من ولاية أوباما التي تنتهي في مطلع السنة الآتية.

وسواء كان الرئيس الأميركي المقبل جمهورياً، أو ديموقراطياً، فلن يعدّل المخطط المرسوم لمستقبل المنطقة العربية، بدءاً من حذف «دولة فلسطين» من روزنامة الوعود الوهمية.

رؤية سوداء؟… لنتذكر عام 1947 حين قامت دولة إسرائيل بموجب قرار التقسيم. لقد أعطى ذلك القرار اليهود المساحة الأكبر من فلسطين الخضراء ذات الموارد المائية والخيرات الزراعية، وترك للفلسطينيين، أهل البلاد، وشعبها، وضميرها، وحماة مقدساتها، مقاطعات موزعة على خرائط جغرافية مرسومة وفق متطلبات خريطة «دولة إسرائيل الكبرى».

ولنتذكر أن هزيمة الجيوش العربية أمام جيش إسرائيل وقعت في العام 1948 في عهد الرئيس الأميركي هاري ترومان، وديفيد بن غوريون، أول رئيس لدولة إسرائيل. وقد سمحت تلك الحرب لإسرائيل باقتطاع مساحات شاسعة من أرض فلسطين فضمتها إلى دولتها التي قامت في ذلك العام على خريطة موسّعة غير الخريطة التي تضمّنها قرار التقسيم.

ولنتذكّر الحرب الإسرائيلية عام 1956 بمشاركة الأساطيل الجوية والبحرية الفرنسية والبريطانية. ولولا الإنذار الذي وجّهه الرئيس الأميركي (دوايت أيزنهاور) إلى لندن وباريس لما كانت توقفت تلك الحرب.

ثم لنتذكّر الهزيمة الثانية للجيوش العربية عام 1967 وسقوط الضفة الغربية من فلسطين حتى القدس، وصولاً إلى نهر الأردن، وسقوط الجولان السوري، أرض الينابيع والخيرات، صعوداً إلى قمة جبل الشيخ الشاهق، الشاهد على الجانبين اللبناني والسوري.

وإذ نستدعي تلك الذكريات السود فلكي نتوقف ونلقي نظرة على واقع العالم العربي في هذه المرحلة، ونتساءل إذا كان هذا «المجتمع الدولي» سيحمي البقية الباقية من الشعب السوري في أرضه (هناك 11 مليون سوري صاروا خارج بلادهم)، ثم إذا كان هذا المجتمع سيعيد تلك الملايين إلى بلادها، ومتى، وكيف؟

لكن، ليس هذا وقت الأجوبة عن تلك التساؤلات الصعبة… إنه وقت الاستعداد للأصعب. فماذا على الجبهات العربية؟… الجواب هو أن قادة الجيوش وأهل الحكم مشغولون بمواجهة «داعش»، بدعم من التحالف الدولي وأساطيله الجوية والبحرية.

بيد أن الخطر ليس هنا حصرياً، إنه في ناحية أخرى من العالم العربي، في فلسطين، هناك حيث «الهبّة» بالحجارة والسكاكين في مواجهة الدبابات والبنادق الموجهّة إلى رؤوس وصدور شبّان فلسطين، فتياتها، وفتيانها، الذين تترصّدهم كاميرات المراقبة من بُعد، ومناظير البنادق من قرب. ومع ذلك تستمرّ الهبّة، ويسقط الشهداء، ليس بالغدر، بل بإطلاق الرصاص على الجبين، فيما الأيدي مقيّدة إلى الخلف، والكاميرا تسجّل ليشهد العالم (الدولي) ويسجّل وقائع وملاحظات.

وفي هذا الوقت تنشغل «دولة رام الله» بمحاورة «دولة غزة» عبر الوسطاء، ويعلن محمود عباس استعداده للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو «لإحياء جهود السلام».

ليست هبّة الضفة حرب تحرير. ما هي إلا عمليات تنفيس احتقان غضب، ويأس، ليشهد العالم على الثأر الفلسطيني بالانتحار. إنها صرخات شهداء أبرياء تلعن هذا العالم الخاوي من الإنسانية، ومن العدل، ومن الشعور برجفة ضمير أمام الوحش الإسرائيلي المتمثل بجسم إنسان آليّ حربيّ يُدعى نتانياهو، ويملك من السلطة والمكانة في الغرب (الديموقراطي) ما يؤهّله لاقتحام قاعة الكونغرس الأميركي بجناحيه (النواب والشيوخ) فيقف هؤلاء «احتراماً» وتأييداً، فيما رئيس الدولة العظمى باراك أوباما معتكفٌ في البيت الأبيض على سبيل تسجيل موقف، ليس إلا… والله أعلم ما هي الأحداث المرتقبة خلال ما تبقى من الأشهر والأيام الباقية من ولاية أوباما. لكن الأكيد أن السيّء سيذهب، وأن الأسوأ سيبقى مع مشروعه «إسرائيل دولة يهودية» تعيد رسم خريطة جديدة لدولة عنصرية أكبر.

… أما إذا كان لا بدّ من دولتين، وفق ما وعد باراك أوباما في بداية ولايته، فلا مانع أن تكون هناك «دولة رام الله» و»دولة غزة» على ما يكون قد بقي من كيان فلسطين التاريخية.

إلى هذا الحد وصل البؤس العربي – الفلسطيني. فما يجري حالياً بين قيادتَي «الضفة» و»القطاع» ليس إلا شكلاً من أشكال النزاع السياسي بين عموم فلسطين وإسرائيل. فرئيس منظمة «فتح» أبو مازن يحاول حماية «شعب الضفة» من الغدر الإسرائيلي المتنقل. ورئيس «حركة حماس» إسماعيل هنية يحرّض «شعب القطاع» على حكومة «رام الله» لتجريدها من شرعيتها ومن ثقة الفلسطينيين بها أينما كانوا، خلف الحدود، وعلى مدار أقطار الشتات، حتى لو تطلّب الأمر الوصول إلى الحل الفلسطيني بدولتين: دولة الضفة، ودولة القطاع.

اقرأ أيضاً بقلم عزت صافي (الحياة)

العهد اللبناني «الجديد» لم يبدأ بعد

«حماس» × «فتح» = إسرائيل «فتح» + «حماس» = فلسطين

وثيقة برنامج رئاسي لبناني للاطلاع

جمهورية سوريّة ديموقراطية تولد في الخارج

لبنان «الطائف» على شبر ماء

فلسطين الثالثة في عالم عربي آخر

هـل أخطأ سعد الحريري؟

الديموقراطية على الطريقة اللبنانية

«حماس» ترمي نكبة غزة في ساحة رام الله والمهمة الأولى إعادة الإعمار

رؤساء الجمهورية اللبنانية وعلاقاتهم بفرنسا منذ الاستقلال

بوتين «القيصر» غير المتوّج على … سورية!

لبنان: لكل عاصمة وَفدٌ … و «دولة» وخطاب!

ما بين جمهورية ماكرون وجمهورية ديغول

هل بدأ ترسيم سورية «المفيدة لإسرائيل» ؟

صيف لبنان من دون عرب… ووعود السياسيين المتوارثة لا تتحقق

أي دور لإيران في المنطقة بعد تغيّـر كل شيء في سورية ؟

كمال جنبلاط مُستعاداً في مئويته

الجزائري حين يكون ناخباً فرنسياً

ترامب على أبواب القدس وعباس على باب البيت الأبيض!

سبعون سنة تحت الحكم العسكري: أي معجزة يمكن أن تنقذ سورية؟