لبنان وازمة النازحين
فيصل مرعي
1 أبريل 2016
ينعم لبنان اليوم، بالأمن، والهدوء، والاستقرار، بجهود ساسته وقادته، حيث ان كلاًّ منهم يحمل شعار التهدئة، والحوار، عاملاً على وأد الفتنة، تعزيزاً للسلم الاهلي في هذا البلد الأمين، انطلاقاً- طبعاً- من مبدأ الالتقاء على قاعدة القضية والمصير. إلا ان ما يثير القلق، ان هنالك عوامل خارجية تطل برأسها بين الحين والآخر، تحدث نوعاً من الارتباك والتوتر، تهب على لبنان بين الفينة والفينة، لها تداعياتها وانعكاساتها على لبنان، سياسياً، واجتماعياً، واقتصادياً- بما يحول دون انجاز الاستقلال التام، واستكمال الوحدة الوطنية، وتمتين المساكنة بين اللبنانيين. فمثلاً مسألة النزوح السوري الى لبنان، مسألة شائكة، قد يعاني منها سنين طوالاً، في لم يكن هناك استراتيجية واضحة تحدّ من تدفق اللاجئين، ومن هذه الموجات المتواصلة الواحدة تلو الاخرى.
هذا النزوح لم يكن متوقعاً في يوم من الايام. غير ان ظروفاً استثنائية قذفت ودفعت بالشعب السوري نحو الشتات في جميع اصقاع الارض، فكان ان لبنان احتمل اكثر مما يحتمل، بسبب انه فتح حدوده على مصراعيها، دون ان يكون هنالك خطة للمراقبة، والتحديد والترسيم، ناهيك عن عدم التزام النظام السوري بالمعاهدات والمواثيق المحلية والدولية، بما فاقم الاوضاع بين البلدين اكثر فأكثر، اضافة الى هذا التراخي في حزم لنبان امره بشأن هذا النزوح الذي من شأنه احداث شرخ قد يودي الى قطيعة، والى ما لا تُحمد عقباه.
ان ترك حبل النزوح على غاربه شكل ثقلاً على الجميع، وبالذات على لبنان على كل الاصعدة والمستويات، بسبب محاذاته لها، بحيث اضحى حمّال اثقال هذا النزوح. ولطالما لم تُسوَّ الأزمة السورية، وترك المجتمع الدولي روسيا تتصرف على هواها، فإن سورية ستبقى شتيتة، وفي عداد الدول المارقة والخارجة على الشرعية القانونية.
وعلى هذا، نؤكد ان تجذير النازحين ومساكنتهم للشعب اللبناني، ليس بممكن، ومستحب، لا في رأي اللبنانيين، ولا في رأي الشعب السوري. فالحل كل الحل في وقف شلال الدم السوري، واقامة التسوية العادلة، بما يحقق العودة المشرّفة لجميع السوريين الى ارضهم وترابهم. فلبنان أعطى ومنح اخواننا السوريين ما يتلائم وامكانياته، ما اغنى وكفى، آملين من المجتمع الدولي، والمؤسسات الدولية الفاعلة، اعادة النظر، بإعطاء لبنان ما يستحقه من دعم حقيقي، يساوي حجم الازمة، المتوقع استمرارها الى امد غير منظور.
وبالرغم من ان لبنان، بذل ما بوسعه نشلاً للنازحين من ازماتهم، وبالرغم من وضعه خطة، ترافقاً مع ما يعتريه من صعوبات، درءاً لمخلفات هذه الازمة، ما يجنب لبنان كوارث فادحة، لا سيما منها، الانسانية والاجتماعية، والاقتصادية، ما يعني اهتزاز الامن، وعدم الاستقرار. لقد ادرجت هذه الخطة، كبرنامج عمل على مراحل، ما جعل الدولة اللبنانية، في مقدمة الدول المستضيفة للنازحين في ادارة هذا الملف بكل حكمة وحنكة. فوضعت الخطة موضع التنفيذ حماية لهم بتوفير اولاً، مقومات العيش الكريم. وهذا، ما يجب ان يعني نتيجة احتضانهم واحترامهم الدعم المستمر مالياً ومعنوياً.. للدول المستضيفة للنازحين، وبما يعني كذلك، استحداث فرص عمل، بحدود ما تسمح القوانين والاعراف، والحرص عليهم مدة بقائهم خارج ديارهم، ريثما تسنح الفرصة للعودة الآمنة.. بهذا، لن ينكسر لبنان، ولن تنكسر الديمقراطية فيه.
وفي هذا الإطار، ما زال لبنان ملتزماً بسياسة الناي بالنفس عن الاحداث الجارية بمحاذاته، مع التأكيد ان لا حل الا بعملية الانتقال السياسي، بما يخفظ وحدة سوريا، وهويتها العربية، مذكرين ان النازحين اجبروا على ترك ديارهم قسراً، وان لا قرار، ولا استقرار لهم الا بالعودة الى مسقط رأسهم. فلا توطين، ولا مساكنة، بل عودة لا غير. فلا ينكسر لبنان، فتنكسر الديمقراطية فيه.