الدلع السياسي … إن لم نقل أكثر!!

محمود الأحمدية

عودة إلى الأمس البعيد… أيام كان للسياسة معنى وقيمة وكان السياسيون رجال دولة…عودة إلى ايام الرئيس ايوب ثابت الزاهد بالمراكز والمتقشف والرجل الحديدي بامتياز…حادثة تظهر معدن الرجال عندما كان وزيراً للداخلية قبل تبوئة الرئاسة، اصدر حكماً بأحد أفراد رجال الدرك بخصم يوم من راتبه… ووصل القرار إلى مخفر رأس بيروت وتبين بعد أن تفاجأ العنصر المعني بهذا الخصم أن من عادة الرئيس أيوب ثابت القيام عند المغيب وقبل حلول الظلام برياضة المشي في شارع البطريرك حويك السياحي فتفاجأ برجل يقود دراجته بدون الضوء وزجاجه مكسور وكانت اللفتة التي سببت قراره القاضي بخصم يوم من راتب الدركي لأنه أخلّ بواجبه ولم يراقب الشارع المسؤول عنه حتى يستطيع ايقاف مخالفة قائد الدراجة… وعندما اصيح رئيساً للجمهورية كان يرفض المرافقة وكان يرفض استقباله بفرقة الموسيقى الترحيبية قائلاً: من المؤسف اضاعة الوقت في النفخ بدل الإستفادة بأمور أكثر فائدة للوطن والنفخ يقصد فيه الآلات الموسيقية النحاسية…

السؤال البديهي: أين نحن من تلك الأيام؟؟ المصداقية، الحزم، النظافة، القرار، الإستقامة، تطبيق الفوانين في أدق التفاصيل حتى تكون عبرة للأخطر منها، أما في هذه الأيام الرمادية بامتياز… آخر مشهد دراماتيكي موقف وزير الخارجية المدلل من استقبال صاحب أعلى مرتبة دولية الأمين العام للأمم المتحدة بحجة أقل ما يقال فيها لا تليق برجل دولة… وفاة خاله رحمه الله… يا أخي يا معالي الوزير حادثة صغيرة أذكرها عن الممثل أنطوان كرباج, ومواقف الرجال الرجال… في إحدى مسرحياته مع الرحابنة وقبل أن تفتح السيارة بربع ساعة جاءه نبأ وفاة أبيه تقبل الخبر برباطة جأش وبمسؤولية تجاه الصالة الممتلئة عن آخرها بالجمهور، وقام بتمثيل دوره بابداع ومن ثمّ ترك الناس والتحق بالمأتم… مأتم أبيه!!

وهذا اليوم بالذات وبكل أسف وعلى لسان أحد زملاء الوزير باسيل في الإصلاح والتغيير يقول حرفياً لإذاعة صوت لبنان: الحقيقة أن المقاطعة حصلت لأننا وبكل صراحة نقول أن الزيارة مريبة عندما يأتي أمين عام الأمم المتحدة ومعه رئيس البنك الدولي ورئيس البنك الإسلامي وكأنها هجمة على لبنان نشتمّ من ورائها رائحة توطين النازحين السوريين؟! مهزلة ما بعدها مهزلة ومزحة من العيار الثقيل. بربكم هل يصدق عاقل هذا التناقض بين رفاق الصف الواحد ولكل واحد منهما عذر أقبح من ذنب… سياسة المخاتير والبلديات اسمى من هكذا مواقف أقولها بكل محبة وخلفية نظيفة.

12

 الشعب اللبناني الذي يتابع مسرحية المقاطعة بألم وبتعجب وبعدم التصديق… هي سياسة اللامنطق بامتياز… نفس الموقف الخطير الذي أخذه على عاتقه معاليه عندما تصرف كقيصري أكثر من قيصر في قضية حرق السفارة السعودية في العاصمة طهران ومدينة مشهد وتفرد بعدم الإستنكار وتجرد لبنان لحظتها من ورقة التوت التي تغطي عورته في أعلى مرتبة دبلوماسية حيث لم يجد معه سوى لسان حاله حتى العراق كما نعلم صوّت مع القرار العربي الجامع المستنكر وحتى الأمام خامنئي وجه كلمات قاسية إلى المتظاهرين قائلاً بأنه عمل لا يقره عقل ولا دين… ولكن عقل وزير خارجيتنا أقره وتفرد به ومن نتائجه الأخيرة قرار البارحة الكويتي ستون لبنانياً على ليستة الترحيل من الكويت، الكويت التي أحبت لبنان وشعب لبنان كما لم يحبه أحد, الكويت وقليلون الذين يعلمون أنها تملك فقط حوالي أربعة آلاف شقة في منطقة المتن الأعلى حيث يحولون صيف بحمدون وعاليه في الصيف إلى مهرجان فرح وإبداع وحركة… أنا لا أريد تسطيح الأمور ولكن ألف باء الدبلوماسية هي فن سياسة الممكن!! وهنا وبعيداً عن كل حركة دبلوماسية عالمية، وزارة الخارجية أصبحت بقدرة قادر مصنعاً لتفريخ آليات الاساءة إلى علاقات لبنان العربية وتدميرها وأخيراً علاقات لبنان الدولية وتدميرها…

إلى متى هذا الدلع السياسي… نعم الفساد قاعدة عامة في البلد… ولكن عندما يقترن الفساد بالكيدية وبالمقاطعة وببيع الأوطان وبالإستفراد فهذه تصبح سياسة انتحار بدون أي تحمّل للمسؤوليّة…

يكفي استعراض قائمة وزراء خارجية لبنان حتى تتوضح مأساتنا وأي مستنقع وصلنا إليه…

جبران باسيل

بدأنا الحديث عن الرئيس أيوب ثابت وننهيه بالسؤال التالي وبكل بساطة وبشكل عام: في ظل هذه العاصفة التي يعيشها الشرق الأوسط والمحيط وفي ظل الأخطار المحدقة من كل حدب وصوب وفي ظل أهمية موقعٍ مسيحيٍ فريد ومتفرد في عالمٍ حدودُهُ أفغانستان في الشرق حتى أغادير في المغرب العربي المركز المسيحي الوحيد لرئاسة الجمهورية هو لبنان والمركز الوحيد الذي يستطيع فرملة المصائب في لبنان هو رئاسة الجمهورية وبعد سنتين ضائعتين ألم يحن الوقت حتى يختفي هذا الدلع وأين منه دلع وزير الخارجية؟؟

بربكم ارحموا شعبكم… ارتفعوا إلى مستوى تحمل مسؤولية شعب لأن التاريخ لن يرحمكم… وسيذكركم بالأسماء… الحل الوحيد الأوحد: جلسة نيسان المقبلة ستحاكم كل من يتغيب عبر محكمة ضمائر اللبنانيين وسقوط الوطن لا سمح الله سيرتبط بهذه الأنانية المفرطة وبهذا التقاعس المفرط وبهذا الدلع المفرط.

اقرأ أيضاً بقلم محمود الأحمدية

القلم الحر والانتصار في زمن القهر

عصام أبو زكي… الرجل الأسطورة… بطل من بلادي

انسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ ونتائجه الكارثية

في الذكرى 43 معلومات جديدة مذهلة عن عالمية فريد الأطرش

كمال جنبلاط البيئي: سابق لعصره

من كمال جنبلاط إلى الربيع الصامت إلى فرنسا

مَنْ أَحقّ من فريد الأطرش بنيل جائزة نوبل للفنون

كمال جنبلاط البيئي سابق لعصره

كيف لوطن أن يشمخ وفيه كل هذا العهر في مسلسلاته

حرش بيروت تحت رحمة اليباس… والتاريخ لن يرحم

مواسم التفاح بين الحاضر والماضي… قصة عزّ وقهر!

مصنع الإسمنت في عين داره ونتائجه الكارثية على البيئة والإنسان

كمال جنبلاط البيئي  وثقافة المواطن الحر والشعب السعيد

أولمبياد الريو والحضارة وعرب ما قبل التاريخ

مصنع الإسمنت في عين دارة: جريمة بيئية موصوفة

هل أحسنت؟ هل أخطأت؟ لا أعرف!!

حكايتي مع كرة القدم وفريق ليستر الانكليزي الذي هز اعتى الامبراطوريات

شكراً مسيو هولاند… أعطيتنا درساً في الحضارة والأخلاق!

غسان سلامة و”اليونسكو” وزواريب السياسة اللبنانية!

أنا علماني ولكني لي ملاحظاتي!