حرب دينية وفوضى

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

عندما حصلت الاعتداءات الإرهابية في باريس العام الماضي قيل: «11 سبتمبر فرنسي». فبعد 11 سبتمبر 2001 الأميركي بات هذا التعبير يستخدم عند وقوع أي عمل إرهابي نوعي بمستوى ما جرى في أميركا وفرنسا، ولتوصيف التفجيرات التي استهدفت بروكسل استخدم بعضهم التعبير ذاته. لكن يبدو أننا أمام مسلسل مفتوح من هذا النوع سنشهد فصوله في أيام وأشهر وسنوات كثيرة مقبلة في عدد من الدول الأوروبية وغيرها. سيؤدي إلى تغييرات سياسية دراماتيكية فيها. اليمين المتطرف سيستغل هذه الأعمال، سترتفع أصوات كثيرة ضد المسلمين وامتداداً ضد الإسلام. ستكون دعوات عنصرية إلى طرد وتهجير وإجراءات أمنية وقانونية لحمـاية «نقاء» أوروبا، كما بدأنا نسمع في عدد من المواقف. والخطورة هي في التعميم، أي في اعتبار الإسلام ديناً وفكراً منبعاً ودافعاً لمثل هذه الأعمال، وهذا يقود إلى حرب مذهبية دينية مفتوحة تمتد إلى سنوات مقبلة. وتزامنت تلك العمليات مع موجات الهجرة من مصادر ومواقع مختلفة نحو أوروبا وخصوصاً من سوريا. وبالتأكيد تسلّل بين المهاجرين عدد من الإرهابيين عادوا إلى جذورهم في دولهم أو تواصلوا مع «إخوة» لهم فيها، ونظموا شبكاتهم وحددوا أهدافهم ونفذوا عملياتهم وسينفذون غيرها. أمام هذا الواقع بدا أن الاتحاد الأوروبي موجود ومؤسساته موجودة لكن التعاون الأمني بين دوله مفقود باعتراف عدد كبير من المسؤولين الأوروبيين، بدءاً من عدم تبادل المعلومات بالمستوى المطلوب مروراً بعدم التنسيق الأمني، وصولاً إلى عدم وجود خطة أمنية متكاملة لمراقبة الحالات والخلايا الإرهابية والتصدي لها ولحماية سيادة الدول وأمنها واستقرارها ومواطنيها، وهذه مسألة غاية في الخطورة. وترافق ذلك مع ضياع وتخبّط كاملين لا يزالان يميّزان السياسة الأوروبية في التعاطي مع مسألة المهاجرين. كل دولة اتخذت الإجراءات التي تلائمها، حتى تمّ التوصل أخيراً إلى صفقة معيبة مع تركيا لتبادل المهاجرين وبأعداد محدودة وكما يقال على «الراس»، تم بموجبها الالتزام بمبلغ مالي معين لتركيا مقابل كل شخص – «راس» – لاجئ يأتي إلى أوروبا ضمن العدد المحدّد، على أن تضبط هي حدودها وتعيد من يريد المرور في أراضيها ومياهها إلى أوروبا أو تستعيد من دول أخرى من ذهب إليها بما يتجاوز العدد. وقدمت لتركيا تسهيلات في ما يخص التأشيرات إلى مواطنيها إلى دول «شنغن» الأوروبية. هذه الصفقة كانت موضع انتقاد من الأمم المتحدة نفسها، ومن دول كثيرة. وهي بطبيعة الحال لا تشكل حلاً ولا يمكن ضبط البر والبحر! والثمن سيدفعه بالتأكيد المهاجرون لاسيما الذين يأتون من سوريا بسبب الحرب. والمشكلة الأساس هي أن أوروبا وأميركا، وما يسمى المجتمع الدولي لا يفعلون شيئاً لمعالجة أسباب اللجوء، وهي الواقع الاقتصادي والاجتماعي في دول تنهب خيراتها وثرواتها، والحرب في سوريا التي تتوسّع دائرتها بسبب صراع الدول ولعبة الأمم. وسبب الحرب النظام ودوره وتقاعس ذلك المجتمع وعدم دعمه للمعارضة، أو على الأقل تدخله للوصول إلى حل سياسي يأخذ بعين الاعتبار استبداد وظلم النظام وخياراته الأمنية، التي دفعت بسوريا إلى ما هي عليه.

اللعبة ذاتها لا تزال مستمرة: الحرب بعيدة عن أميركا، فلتغرق هذه الدول في أوروبا وفي غيرها، ولتستمر الحرب في سوريا. ولتكن سوريا الملعب والساحة. ولتكن أفريقيا مصدر الخطر والحقد على أوروبا واستعمارها. وأميركا تدخل إلى تلك القارة بهدوء. تستخدم ساحات العنف والحروب لإدارة مصالحها في كل العالم. وإسرائيل تستغل ما جرى وما سيجري لتؤكد سعيها لتجميع اليهود في الدولة اليهودية الموعودة عندها، والتي تبنيها بالاستيطان والتهجير والقتل للفلسطينيين ومصادرة المزيد من الأراضي واتخاذ كل الإجراءات لحماية أمنها واستقرارها ومستقبلها تحت عنوان مواجهة الإرهاب، الذي لطالما حذرت منه كما يقول المسؤولون الإسرائيليون، وبات يشكل مصدر رعب للجميع مما يبرر سياستها ومنطقها! وهي في الأيام الأخيرة استغلت ما يجري في اليمن «لإنقاذ» واستعادة 19 يمنياً يهودياً. واعتبرت خطوتها إنجازاً تاريخياً في لحظة سياسية وأمنية صعبة.

والذين يتمسكون بالنظام في سوريا يعتبرون ما يجري اليوم مناسبة للتأكيد أيضاً أن المطلوب مواجهة الإرهاب. والإرهاب هذا هو في بيئة أخرى. وفريق آخر ومذهب آخر وبحضانة دول أخرى تدعم وتموّل تحت عنوان ضرورة التغيير في سوريا!

الخلاصة: مزيد من الفوضى والجنون والإرهاب والتسيّب والفلتان في العالم والعنف والدم في سوريا، وفي منطقتنا عموماً، واستغلال إسرائيلي لكل ذلك، وتوسّع أكثر وأكبر على أرض فلسطين.