سوريا التي نعرفها انتهت

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

أثناء التفاوض الروسي الأميركي للاتفاق على الهدنة في سوريا ثم إقرارها وبعد قرار مجلس الأمن، أطلق وزير الخارجية الأميركي تحذيرات جاءت في سياق ضغوطات للوصول إلى الهدف المذكور ومحاولة إلزام كل الأطراف به، تمهيداً للانتقال إلى البحث في العملية السياسية في جنيف 3. أبرز ما في كلامه الإشارة إلى خطة بديلة هي «الخطة باء» في حال فشلت الهدنة، وقوله إنه في حال الفشل يصعب تصوّر «بقاء سوريا كدولة موحدة»!

السعودية رحبت بالهدنة مشترطة بلسان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وأثناء مكالمته الهاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المبادر إلى الاتصال، أن تكون كل الخطوات مستندة إلى جنيف 1! والمقصود الواضح هنا أن تكون عملية انتقالية في سوريا، وألا يكون للأسد بنتيجتها أي دور في حكم البلاد! فالمملكة مصرة على رحيل الأسد بالحل السياسي أو بالقوة العسكرية. وبالتالي وافقت على الهدنة وفق موقف الملك سلمان.

روسيا رفضت الموقفين السعودي والأميركي لناحية الحديث عن خطة «باء»، فقالت إنها غير موجودة، وأن المسؤولين الأميركيين لم يشيروا إليها خلال اتصالاتهم معهم، واعتبرت أن مثل هذه الاتصالات تشكل تمهيداً لنعي الهدنة والبحث عن حل سياسي. لكنها في الوقت ذاته أشارت إلى فعالية الاتصالات مع أميركا، واعتبرت أن الجو يتحسن بين الدولتين، وأن التعاون القائم قد يمهد لإيجاد حلول كثيرة في سوريا وغيرها! واللافت هنا هو ما أعلنه نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف لجهة «ضرورة وضع معايير محددة للهيكلة السياسية في سوريا في المستقبل تعتمد على الحفاظ على وحدة أراضي البلاد، بما في ذلك إمكانية إنشاء جمهورية فيدرالية خلال المفاوضات السورية – السورية». وتساءل: «إذا تمّ تشكيل معايير بهذه الصورة فمن سيعترض على ذلك؟ وفي حال اعتماد أنموذج آخر فلن تكون تلك قضيتنا شرط ألا يكون مفروضاً من على بعد آلاف الكيلومترات من سوريا وفي حال التوصل إليه من طريق المحادثات». واستبعد أن يكون تطور الأحداث وفق «سيناريو كوسوفو». يعني عملياً لا تقسيم بالمعنى الحصري الدقيق المتعارف عليه للكلمة. لكن، يكون تقسيماً واقعياً على الأرض من خلال مناطق نفوذ تسمى أقاليم أو محافظات وتكون في إطار فيدرالي، تماماً مثل السيناريو الجاري إعداده في العراق، والذي بات الحديث عنه علنياً وواضحاً وضوح خطوات تطبيقه على الأرض: إقليم سُني، إقليم شيعي وإقليم كردي! وفي سوريا، يلفت الانتباه التوافق الأميركي- الروسي على دعم قوات الحماية الكردية، وحق الأكراد في مناطق حكم ذاتي أو إدارة ذاتية أو منطقة نفوذ خاصة بهم. وفي السياق ذاته يرى البعض أن الموقف الروسي المبدئي إلى جانب الأكراد والذي فرضته ظروف الحرب الباردة- حتى الآن- مع تركيا، هو أساس التوجه نحو الفيدرالية وهذا ما يقلق تركيا ليس فقط لأنها تخشى كياناً كردياً أو منطقة نفوذ كردية على حسابها فحسب، بل لأن الأمر سينتقل لاحقاً إلى الداخل التركي ليهدد وحدة البلاد. وهذا يعني أن الحرب لن تتوقف الآن، والهدنة هي مرحلة من مراحلها وتشهد خروقات كثيرة وستنهار في لحظة معينة، وكل التجارب السابقة في سوريا وغيرها تشير إلى ذلك خصوصاً وأن الأسد اعتبر أن الهدنة فرصة لـ«المقاتلين الإرهابيين» لتسليم سلاحهم، والعودة إلى حضن الدولة مع استعداده لإعلان عفو عنهم»! هكذا يعتبر أنه في موقع المنتصر. فإما أن تستفيدوا من هذه الفرصة لتسليم السلاح وإعلان الهزيمة وإلا فإن الحرب ستبقى مستمرة. إذ أن كل من يحمل السلاح هو إرهابي في نظره ونظر حلفائه الإيرانيين خصوصاً الذين بدأوا باستخدام طائرات بدون طيار لقصف مواقع المعارضة، ورفعوا وتيرة تدخلهم إلى جانب قوات النظام، أو في نظر حلفائه الروس وإن كانت لروسيا حساباتها الخاصة في الملعب السوري وهي تتطلع إلى أميركا أولاً والى مصالحها معها في أكثر من منطقة في العالم خصوصاً على حدودها من أوكرانيا إلى بولونيا وغيرها.

في كل الحالات الهدنة محطة ليست ثابتة، وسيعود الوضع إلى الانفجار الشامل ما دام الأسد في السلطة. وخروجه ليس قريباً وليس سهلاً أو متاحاً الآن. مما يعني أن احتمال التقسيم سيتقدم واقعياً على غيره نظراً للوقائع الحالية وما ستشهده سوريا من تطورات، ومع تكرار الإشارة حول هذا الاحتمال من أصحاب الخبرة وآخرها ما أعلنه المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA ) السيد مايكل هايدن عندما قال: «إن السياسة الأميركية الحالية في الشرق الأوسط جيدة في معارك مباشرة ولكنها على مدى ثلاثة أو عشرة أعوام لا تقدر على منع الإرهابيين من إلحاق خسائر بمصالح الولايات المتحدة وبأرواح الأميركيين. تغير العالم كثيراً ونحن هنا في الغرب يجب أن ننتبه إلى ذلك». وأضاف: «لم تعد سوريا موجودة ولم يعد العراق موجوداً. لن يعودا إلى ما كانا عليه. أما لبنان فيتفكك وأما ليبيا فقد انتهت منذ فترة»! وتوقع «استمرار الحروب في الشرق الأوسط عشرة أعوام أخرى» مؤكداً أن بعض الدول الحالية هناك قد تختفي. وفي هذه المنطقة ثلاثة صراعات: «بين الدول السنية، وبين الدول السُنية والشيعية، وبين الدول الإسلامية والدول الغربية». لم يعد أحد يشير إلى الصراع مع إسرائيل وهو أساس تهديد الأمن والاستقرار في المنطقة، كما لم يعد أحد يتكلم عن القضية الفلسطينية!