كيف يستذكر زافين الفورة التلفزيونية في التسعينات؟

شهد العقد الأخير من القرن الفائت فورة تلفزيونية لامست حدّ الفوضى كلّ منطقة، أو كل مدينة، لا بل كل حيّ انفرد بوسائله الإعلامية، وبثَّ آراءه السياسية وغير السياسية لسكانه. لم تغطّ معظم هذه المحطات كافة الأراضي اللبنانية واقتصر إرسال بعضها على بضعة كيلومترات فقط.

   يتذكر كثيرون الـ “آي سي أن” و”سي في أن” و”سيغما” و”كيليكيا” و”التلفزيون الأرمني” و”تلفزيون المشرق” وغيرها من المحطات التي أُقفلت بين العامين  1996 و 1997، مع تطبيق قانون الإعلام المرئي والمسموع الذي أُقرّ عام 1994 وهدف إلى تنظيم القطاع.

   استمرّ تلفزيون “كيليكيا” بالبث لمدّة قاربت الخمس سنوات، كما تقول إحدى مراسلاته إبتسام شديد، وهي اليوم لا تزال تمارس الصحافة تحت راية شارل أيوب (مالك “كيليكيا” آنذاك) ككاتبة في صحيفة “الديار”.

ICN

   انطلقت المحطة من الحازمية، ثم انتقلت باستوديوهاتها إلى مبنى “الديار” في اليرزة، و”كان تركيزها على بث النشرات الإخبارية”. وتوغل شديد في عمق ذاكرتها المهنية، فترتسم أمامها زيارتها مخيمات الأكراد في البقاع لإجراء تحقيق تلفزيوني، واصفةً التجربة بـ”المهمة الخطرة”. كما ذكرت أن الإمكانيات التقنية كانت متواضعة..

  تحول “تلفزيون السلام”، الذي بدأ بثه عام 1992، إلى “تلفزيون بيروت”، وأُقفل عام 1997. وفي حوار هاتفي مع مديره، نقيب الفنيين السينمائيين صبحي سيف الدين اعتبر أن “معدات الاستوديو سوبر في أتش أس” و”يوماتيك” كانت من أفضل التقنيات أوائل التسعينيات، وباعها بأزهد الأثمان بعد ذلك، نظراً لتراجع استعمالها، فصار “حتى مصورو الأعراس يرفضون اقتناءها”.

CVN

   اتخذ “تلفزيون بيروت” من منطقة سليم سلام مقراً له، وأنتج البرامج الفنية والثقافية والسياسية والتربوية. و”لقاء الثلاثاء” برنامج سياسي-حواري قدمه سيف الدين. ولم تكن تلفزيونات تلك الحقبة تبث أربعاً وعشرين ساعة في اليوم، إنما اقتصر بث بعضها على وقت الذروة. لكنّ “بيروت” كان يبثّ أربع عشرة ساعة تقريباً. وغطى إرساله مناطق عدة خارج العاصمة، كجبل لبنان والشمال وصيدا.

   يصدر كتاب الإعلامي زافين قيومجيان الجديد أواخر السنة الراهنة أو أوائل السنة العتيدة، وهو الجزء الثاني من “أسعد الله مساءكم” الذي صدر العام المنصرم وتناول أهم اللحظات التي صنعت للتلفزيون تاريخاً في لبنان. ويتحدث زافين في كتابه الجديد عن أهم لحظات التسعينيات التلفزيونية، ولدى الحديث عن تلك المرحلة، لا بدّ من التطرق إلى فورة المحطات التلفزيونية التي يصفها زافين بـ”المرحلة الانتقالية للميليشيات من الحرب إلى السلم، فكان الإعلام بديلاً عن السلاح”. ويضيف قائلاً إن “قطاع الإعلام استهوى الميليشياويين ورجال الأعمال على حد السواء”، مشيراً إلى ضعف الإمكانيات التقنية لدى المحطات التي يعتبرها “تجارب هجينة” لكنها كانت “مكان اختبار لجيل من الموهوبين”. إلا أنه يصعب إيجاد الأرشيف لمحطات كانت تختبر البث عن طريق عرض الأفلام وبعض البرامج الحوارية، ولم تملك استوديوهات مجهزة بتقنيات متطورة إسوةً بمؤسسات التلفزة من الصف الأول.

IMG-2

 فأرشيف محطة “سيغما”، على سبيل المثال، غير متوفر، يقول زافين. هذا، ووصل عدد المحطات في ذلك الحين إلى “700 محطة تقريباً”، من بينها “16 محطة في بعلبك”. ويعود سبب الفوضى الإعلامية إلى انخفاض تكاليف البث أوائل التسعينيات، فكان يمكن إنشاء محطة بـ 100 ألف دولار بعدما كانت الكلفة مليون دولار خلال السبعينيات”. ويؤيد زافين قرار إقفال المحطات “الهجينة” لأنه يراه “تنظيماً وليس إقفالاً”. كما شبّه فورة المواقع الالكترونية المستجدة اليوم بالفورة التلفزيونية منذ عقدين.

——————————

(*) وائل مراد