عن دور الدبلوماسية اللبنانية

 د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

في أعقاب المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل، مساء الإثنين 22/2/2016، تراجعت أجواء التفاؤل التي ساهم في إضفائها البيان الذي صدر عن الحكومة اللبنانية بالإجماع، بعد إجتماع ماراتوني استمرَّ ما يُناهِز 7 ساعات. البيان لم يكُن على قدر المُرتجى، ولكن شكلية صدوره، أكدت على أهمية دور المملكة العربية السعودية، وعلى تهيُب كل الأطراف اللبنانية لحجم الإنعكاسات السلبية الناتجة عن غضب الدول العربية – لا سيما الخليجية منها – من جراء بعض المواقف الصادرة من لبنان والتي إساءات لها. ذلك أن الترابط السياسي والاقتصادي بين لبنان وهذه الدول الشقيقة، كبيرٌ جداً، ومعظم منافع هذا الترابط تصبُّ في خانة المصلحة اللبنانية.

توضيحات باسيل في مؤتمره الصحافي؛ كانت “فاولاً دبلوماسياً”، بصرف النظر عن مضمونها، لأن الاعراف تقتضي بأن يراعي الوزراء والأطراف المُشاركين في بيان الإجماع الصادر عن الحكومة؛ الموقف الموحَّد، وأن يتجنبوا الكلام المُنفرد، مهما كان نوعه؛ فكيف إذا كان الأمر يتعلق بشروحات تبريرية قالها باسيل بعد صدور البيان، ولم تكُن موفقة على الإطلاق، لأنها اعادت نكء الجراح التي دملتها سطور البيان، وذكَّرت بلزوم ما لا يلزم، من حيث الإشارة لأولوية التضامن الداخلي اللبناني، وكأن الإلتزام بإلإجماع العربي يُهدِد الوحدة الوطنية، وهذا بالتأكيد غير صحيح على الإطلاق.

رغم التنوع السياسي الكبير الموجود في لبنان، وبصرف النظر عن الخلافات – الحالية والسابقة – حول التقييم السياسي للدول العربية والأجنبية من قبل الأطراف اللبنانية؛ كانت الدبلوماسية في لبنان تتجنَب المواقف الحادة، وخصوصاً منها التي قد تُغضِب الدول التي يستفيد منها اللبنانيين، وفي المُقدمة منها دول الخليج العربي التي تستضيف مئات الآلاف من اللبنانيين، وتستورد المُنتجات اللبنانية، وهي تُساعد لبنان مالياً وسياسياً كلما إقتضت الحاجة، وبعد كُلِ عدوانٍ إسرائيلي.

ومنحى المجاملة والاعتدال ومراعاة مصالح المواطنين، لم تخرِقهُ الخارجية اللبنانية حتى أثناء مرحلة الوصاية السورية، تحديداً في إتخاذ موقف لا ينسجم مع الاجماع العربي – كما حصل في مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي انعقد بالقاهرة في 10/1/2016. برُغم أن العراق الذي يعاني تدخلات سافرة في شؤونه أكثر من لبنان، صوَّت إلى جانب الإجماع.

بطبيعة الحال؛ لو كان اليوم في وزارة الخارجية أحد من أركان الدبلوماسية اللبنانية المشهود لهم، مثل فؤاد بطرس أو نسيم مجدلاني أو شارل مالك أو إيلي سالم أو رشيد كرامي أو فؤاد نفاع؛ لتجنَّب بطبيعة الحال وضع لبنان في هذا المأزق، الذي اضرَّ بمصالح الدولة العُليا، وطال مصالح عدد كبير من المواطنين اللبنانيين.

المواقف الحزبية من ملفات خارجية شيء، وموقف الدولة الرسمي شيءٌ آخر. وإذا كانت مُقاربات الاطراف الحزبية في لبنان مُختلفة منذ القِدم حول تأييد هذه الدولة او تلك، او هذا النهج السياسي الدولي أو غيره، إلاَّ ان حدود الإضرار بمصالح المواطنيين كانت تؤخذ على الدوام بعين الاعتبار، وعلى هذا المنوال سلكت الامور عبر 70 حكومة سابقة منذ الاستقلال حتى اليوم، وكان اللبنانيون منتشرين في دول تمثِلُ اقصى اليمين الدولي، وفي دول تمثِلُ اقصى اليسار الشيوعي سابقاً.

الدبلوماسية اللبنانية؛ كان عليها أن تفصل اكثر بين الاهواء والتحالفات الداخلية في لبنان، وبين مصالح لبنان العُليا. والمملكة العربية السعودية، ودول الخليج العربي عامةً؛ يستحقون التقدير والاحترام والمُساندة، ولا يجوز ان يتحوَّل لبنان منصَّة لإطلاق التهم الشائنة بحقهم، وهذا هو موقِف الاغلبية الساحقة من اللبنانيين. على أمل أن تزول سحابة الشتاء الداكِنة.

اقرأ أيضاً بقلم  د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

نظرية العزل السياسي سقطت الى غير رجعة!

الموازنة اللبنانية بين المعلوم والمَخفي!

التعقيدات التطبيقية في قانون الإنتخاب الجديد

عن فترة السماح السياسي للعهد

الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر

عن الانتخابات والاكثرية والنسبية والطائفية وصحة التمثيل

الحكومة اللبنانية بين التكليف والتأليف والميثاقية

السلَّة والدستور اللبناني  

المختارة تُعيدُ التذكير بالفكرةِ اللبنانية

جهل بالتعاملات المصرفية ام قرار بقلب الطاولة؟

عن المزاج الشعبي بعد الانتخابات البلدية في لبنان

الانتخابات البلدية: حسابات القرايا* وحسابات السرايا

كيف تتعطل إنتخابات الرئاسة اللبنانية؟

النازحون السوريون إلى لبنان: مأساة إنسانية متفاقِمة

الإنعطافة القواتية!

2016: زمن الاعتدال ونوافذ الانفراج

الحكومة اللبنانية: إتفاق وإختلاف تحت سقفٍ واحد