مشروعا الأولي وبسري على مشارف التنفيذ: تحول إستثنائي في توفير المياه

يشهد لبنان تراجعاً ملحوظاً في نسبة المتساقطات السنوية خاصةً في السنتين الاخيرتين ويعود ذلك إلى التغيرات المناخية الكبرى التي يشهدها العالم. فبحسب الاحصاءت الحديثة تقلص عدد الأيام الممطرة في لبنان من 90 يوماً إلى 70 يوم، مما إنعكس سلباً على الينابيع والمياه الجوفية وقلص ايضاً من نسبة تغذية هذه المياه من كميات المتساقطات وذلك بسسبب تساقطها بمعدلات سريعة.

مشكلة المياه ليست وليدة اليوم، فلبنان يعاني من هذه المشكلة منذ عقود وقد كلفت الدولة في الخمسينات احدى الشركات الاميركية لدرس إمكانية إقامة سد في منطقة بسري لتغذية بيروت بمياه الشفة، وكانت النتيجة إيجابية، وعاد وأكد ذلك المهندس الكبير ابراهيم عبد العال في دراسته في الستينات من القرن الماضي لمنظومة مياه الأولي والليطاني والتي لحظت مشاريع عديدة منها سد القرعون الذي نفذ في العام ١٩٥٩، ويقوم مجلس الإنماء والإعمار حالياً بتنفيذ مشروع القناة ٨٠٠ ومشروع نقل مياه الأولي الى بيروت ويستعد المجلس حالياً لإطلاق مناقصة مشروع انشاء سد بسري..

وفي مقابلة خاصة مع مفوّض الحكومة لدى مجلس الإنماء والاعمار الدكتور وليد صافي أكد على أهمية إنشاء مشروعي الأولي وسد بسري لجرّ المياه إلى بيروت، لافتاً إلى أن بيروت الإدارية الآن يعيش فيها 1,600,000 مواطن وتحصل يومياً فقط على 50000 متر مكعب من المياه، في حين أنها تحتاج إلى 500,000 متر مكعب يومياً.

 وتابع صافي أن مشروع جرّ مياه الأولي وبسري إلى بيروت سيتم بواسطة نفق يبدأ من منطقة الأوّلي وصولاً إلى بيروت وسيتم إنشاء خزان للمياه في منطقة الحدث ومحطة تكرير في الوردانية على أن يكون هذا المشروع جاهزاً خلال سنتين ونصف بالحد الأقصى، مضيفا أن مشروع جرَ مياه الأوّلي إلى بيروت سيؤمن للعاصمة 250,000 متر مكعب من المياه في اليوم الواحد، أي نصف الحاجة المطلوبة، ولإكمال هذه المنظومة سوف يتم إنشاء سد في بسري لتأمين الحاجة المتبقية من المياه وهي 250,000 متر مكعب، وهكذا تكون بيروت قد حصلت على حاجتها من المياه من خلال هذين المشروعين على مدى الخمسة عشرة سنة القادمة.

د. وليد صافي

اما بالنسبة إلى تمويل هذين المشروعين، اشار صافي إلى أن البنك الدولي سوف يقوم بتمويلهما بواسطة قرضين بحوالي ٨٠٠ مليون دولار ضمنها مبلغ بقيمة 170 مليون دولار مخصص للاستملاكات العائدة للمشروع، وسيؤمن البنك الاسلامي قرضاً بقيمة 170 مليون دولار لمعالجة الصرف الصحي في منطقة حوض بسري.

وأوضح الدكتور صافي أن “مشروع سدّ بسري وجرّ مياه الأولي ملحوظ باستراتجية وزارة الطاقة التي اقرت عام ٢٠١٢ من قبل مجلس الوزراء، وبالتالي فإن مجلس الإنماء والاعمار يقوم بتنفيذ هذه المشاريع وفقاً لهذه الاستراتيجية”.

 وتابع قائلاً: “تم دارسة العديد من الخيارات المتاحة لحل مشكلة  تأمين المياه الى العاصمة، كما تمت دراسة الجدوى الاقتصادية لكل من هذه الخيارات، وذلك بناءً على طلب البنك الدولي، وقد ظهر من خلال النتائج أن إستخدام المياه الجوفية كحل لهذه المشكلة بدلاً من إنشاء السدّ يؤدي الى إستنفاذ المياه الجوفية وبالتالي حرمان الأجيال القادمة من حقّهم بالإستفادة منها، فضلاً عن الكلفة المالية العالية لهذا الخيار”.

 وقال: “درست خيارات اخرى منها بناء سد في منطقة الدامور وغيرها من المناطق شمال العاصمة، ولكن تبين ان خيار بناء سد في منطقة بسري بسعة مئة وأربعة وعشرين مليون متر مكعب من المياه هو الخيار الذي يتمتع بأعلى درجة من درجات الجدوى الاقتصادية، وعليه  فإن مجلس الإنماء والاعمار قد كلّف ائتلاف الاستشاري نزيه طالب  ونوفاك (مكتب استشاري مسجل في المغرب) لإجراء الدراسات اللازمة للمشروع وقام المجلس أيضاً بتعيين هيئة خبراء دولية مستقلة بناءً على طلب البنك الدولي للتدقيق بالدراسات وتقيميها بناء على المعايير المعتمدة لدى اللجنة الدولية للسدود الكبرى التي تعرف بـ:(I.C.O.L.D) والتي تعتمد معايير عالية الدقة لانشاء السدود الكبرى لا سيما من النواحي الجيولوجية والزلزالية والهيدرولوجية…”.

وأكّد الدكتور صافي على “أن مشروع جرّ مياه الأولي إلى بيروت لم يلق معارضة من أية جهة، على عكس مشروع إنشاء سدّ بسري حيث تقدّم بعض الأشخاص  بدعوى لدى مجلس شورى الدولة وطلبوا وقف تنفيذ المشروع لكن مجلس شورى الدولة وبعد ان اطلع على الوثائق كافة إعتبر أن هذا المشروع ذا منفعة عامة وبالتالي رد طلب المدعين مع عدم الموافقة على وقف المشروع”.

وقال: “لدى دراسة الاثر البيئي والاجتماعي لانشاء سدّ بسري التي وافقت عليها وزارة البيئة تم وضع برنامج للإدارة البيئية والاجتماعية لمحيط  المشروع حيث حددت الدراسة ستة أهداف  أساسية يجب أن تنفذ بالتوازي مع عملية تنفيذ المشروع، وهي: معالجة الصرف الصحي في منطقة حوض بسري لكي تكون المياه المستوعبة في السد نظيفة ومطابقة للمعايير البئية العالمية؛ إعتماد الشفافية في تطبيق خطط إعادة الإسكان واستملاك العقارات اللازمة لهذا المشروع وإعطاء المواطنين حقهم من التعويضات؛ الحفاظ على المعالم الأثرية الموجودة في موقع المشروع وقد تم الاتفاق مع كل من مطرانية صيدا ووزارة الثقافة على أن يتم نقل كنيسة مار موسى والأثار الرومانية الموجودة هناك إلى أماكن قريبة من موقع المشروع ؛ معالجة المشاكل التي سوف يولدها المشروع من تلوث وضجيج وغيرها من المسائل وذلك وفقاً للمعايير العالمية لإنشاء السدود؛ قيام مجلس الانماء والاعمار بالتعاون مع البلديات في حوض بسري بإعداد خطة لتطوير المنطقة المحيطة بالسدّ وإنشاء بعض المشاريع التنموية داخلها”.

وختم الدكتور صافي قائلاً: “نحن لا ننكر وجود مخاطر بيئية وإجتماعية لأي مشروع، وخاصةً مشروع بحجم سد بسري، ولكن ما نحاول فعله هو تقليص هذه الاثار والعمل على المحافظة على التنوع البيئي والايكولوجي في محيط المشروع، مؤكداً أن “مجلس الإنماء والاعمار سوف يساهم بإنشاء عدة مشاريع تنموية في محيط منطقة السد وطلب من البلديات المعنية أن تتقدم بإقتراحات للمجلس للاسراع بإعداد هذه الخطة التنموية ولمواجهة الآثار البيئية والإجتماعية لهذا المشروع”.

——————————

 (*) سحر صالحة- “الأنباء”