هل مقاطعة النائب لجلسة انتخاب الرئيس حق دستوري؟

د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في أعقاب إنفراط نصاب الجلسة 35 لإنتخاب رئيس للجمهورية أن مقاطعة النائب للجلسات حق دستوري، يحصل في عدة بلدان، ومنها الولايات المتحدة الاميركية. وتعطيل النصاب للبرلمان اللبناني منذ سنة وثمانية أشهر في الجلسات المُخصَّصة لإنتخاب رئيس البلاد، أصبحت مُعضلة دستورية لها تداعيات سياسية كبيرة، وتكاد تُهدِّد الكيان اللبناني برُمته.

لا تعترف النصوص الدستورية، ولا الأعراف المُتداولة في عدد كبير من الدول، بفتوى الرئيس نبيه بري. ولو كان توصيفه صحيحاً في الفقه الدستوري، لكانت الأنظمة الديمقراطية البرلمانية قابلة للإنفراط، أو التجمُّد، وبالتالي مُعرَّضة لخطر عدم الاستمرارية. والاستمرارية في أعمال المرافق العامة – ومنها التشريعية – مبدأ عام تمَّ الاتفاق عليه كعُرف دستوري منذ مئات السنين، وفي معظم دول العالم.

إجتهد الرئيس بري في موضوع نصاب جلسة إنتخاب الرئيس في “أنها تحتاج إلى حضور ثلثي النواب” وجاراهُ في هذا الاجتهاد الوسط السياسي اللبناني، حرصاً على وحدة البلاد، لكن المرجع الدستوري المشهود له النائب السابق الدكتور حسن الرفاعي لا يعترف بهذا الاجتهاد، لأن نص المادة 49 من الدستور صريحة وتقول: “يُنتخب الرئيس بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب في الدورة الأولى، وبالاغلبية النسبية (51 بالمئة) في الدورة الثانية – أي أن الدورة الثانية لا تحتاج إلى نصاب الثلثين.

لمجلس النواب اللبناني ثلاث صلاحيات دستورية: التشريع والرقابة على أعمال الحكومة والانتخاب (أهمها إنتخاب رئيس الجمهورية). قد يجوز غياب النائب من دون عذر، أو لأسباب تعطيل النصاب في الجلسات المُخصصة للتشريع، أو للرقابة (محاسبة الحكومة) أو أثناء إنتخاب أعضاء اللجان النيابية، أو أعضاء المجلس الدستوري الخمسة أو أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤوساء والوزراء، ولكن تغيّب النائب من دون عذر في جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية مخالفة صريحة للدستور، وتستدعي المُحاكمة بجرم الإخلال بموجبات التوكيل العام المُعطى له لممارسة المهام الوطنية نيابة عن الشعب، وبالتالي فإن التعطيل يستقدِم ضرراً  واضحاً للمصالح الشعبية وللمصلحة العامة للدولة.

والمادة 73 من الدستور اللبناني – المأخوذة عن دستور الجمهورية الثالثة الفرنسية حرفياً، ولكن مُترجمة خطأً – تقول يلتئم المجلس حُكماً في اليوم العاشر الذي يسبق إنتهاء ولاية الرئيس لإنتخاب رئيس جديد، والنص الفرنسي لهذه المادة يقول: “يجب أن يجتمع المجلس في اليوم العاشر” وهذا يعني صراحةً إلزامية حضور النواب لجلسة الانتخاب، إلا إذا كان هناك أسباب قاهرة (صحية أو أمنية تحديداً) تمنعهم من الحضور. والمواد 44 و 61 و 62 من النظام الداخلي لمجلس النواب اللبناني تنص على “عدم جواز تغيُب النائب عن حضور جلستين عامتين متتاليتين خلال عقدٍ تشريعٍ واحد”.

لا يوجد نص واضح يلغي عضوية النائب إذا تغيب، أو آلية لمحاكمته. وقد تقدم الوزير بطرس حرب بإقتراح تعديل دستوري يلحظ هذا الأمر. بالمقابل، لم يحصل في تاريخ لبنان منذ العام 1926 حتى اليوم هذا الخلل الدستوري الهائل الناتج عن تعطيل جلسات انتخاب الرئيس.

إن التغيُب عن حضور جلسات عادية شيء، والتغيُب عن حضور جلسات ميثاقية شيءٌ آخر. وفي الحالة الثانية، يُعتبر الغياب تحلُّل من العقد الوطني، إذا كان جُماعياً، أو إخلالاً بالواجبات الدستورية إذا كان فردياً. كُل دول العالم التي تعتمد النظام البرلماني الديمقراطي، لا تسمح بالغياب التعطيلي، لأنه ينسُف أُسس النظام البرلماني. أما في لبنان، فإن تعطيل جلسات إنتخاب رئيس جديد للجمهورية بغرض تيئيس القوى السياسية لفرض مرشح مُحدَّد يعتبر تشويهاً للنظام البرلماني، وتحريفاً للديمقراطية، ومُغامرة بمصير البلاد.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

التوازن السياسي في لبنان

قراءة مختلفة لأحداث الأسبوع اللبناني الطويل

انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه

هل هناك ما هو أبعد من تمثيل نواب «سنة 8 آذار» في الحكومة؟

الرأي العام اللبناني لا يريد التصعيد السياسي

هل انقلبت صفحة التفاؤل.. أم أن التعقيدات غيمة خريف وستنجلي؟

استحقاقات لبنانية داهمة

عن نظرية عدم حصرية تمثيل الطوائف في الحكومة

عن خطورة وخلفيات ما حصل في المطار

لقاء بكركي الذي حرّك السواكن الحكومية

ماذا تقول أوساط معارضة عن الأحجام السياسية؟

مصالح لبنان في سورية ومصالح سورية في لبنان

مواقف في خطاب عيد الجيش

ما مبررات مواقف «الاشتراكي» و«القوات» من تشكيل الحكومة؟

عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية

عن إشكالية حصة الرئيس الوزارية

عوامل التفاؤل والتشاؤم

مرحلة ما بعد الانتخابات والأحلاف السياسية

عن الآثار السياسية لاستبعاد النائب أنطوان سعد

لبنان: الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية