أجواء سياسية لبنانية مُخيفة

د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

ولَّى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات. كلامٌ أطلقه السيد حسن نصر الله، ترافق مع مجموعة من المؤشرات على إندفاعة إعلامية مُتسارعة لقوى 8 آذار – أو ما يُطلقون عليها “قوى المُمانعة” – أرخت أجواء مُخِيفة على الأوضاع اللبنانية المُعقدَة، وتكاد تخلق توترات كنا إعتقدنا أنها أصبحت من الماضي.

خلفية الإندفاعة الهجومية لقوى 8 آذار، حسابات إقليمية جديدة، عنوانها بعض التقدُّم الذي أحرزته الضربات الجوية الروسية التي تُساند قوات النظام السوري على بعض محاور القتال في سوريا، وفشل مؤتمر الحوار في جنيف، إضافةً إلى الارتياح الدبلوماسي والمالي الذي تعيشه “قوى المُمانعة” من جراء بدء تطبيق الإتفاق النووي بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا.

ولم يقبل محور حزب الله بالانتصار الذي قدمته له مُعظم قوى 14 آذار وقيادات أُخرى من خلال إختيار مُرشح رئاسي محسوب عليه سياسياً، وهو النائب سليمان فرنجية، بل إنطلقت قيادات هذا المحور من هذه الهدية السياسية لإلحاق هزيمة بأخصامها، في وقتٍ تعاني البلاد من بداية تفكُّك قد تُصيب معظم المؤسسات، إذا ما طال الشغور الرئاسي أكثر.

الجزء الأساسي من خطاب السيد حسن نصرالله في 29/1/2016 كان تبريرياً وتعبوياً، للملمة التضعضُع الذي أصاب محور 8 آذار على إثر ترشيح النائب فرنجية من قبل الرئيس سعد الحريري، وبعد مصالحة معراب التي دملت جزءاً كبيراً من جرح الخلافات المسيحية – المسيحية التي كانت توظَّف لصالح سياسة المحور، خصوصاً أن هذه المُصالحة بُنيت على قاعدة النزول إلى البرلمان لإنتخاب الرئيس، طالما أن نواب القوات اللبنانية سيقترعون لصالح العماد عون، وهو ما كان ينتظره عون بشغف، وربما كانت أصواتهم كافية لوصوله إلى الرئاسة، إذا ما أُعيد سيناريو الاقتراع الذي جرى في مجلس النواب في جلسة 23 أبريل/نيسان 2014.

أمَّا الجزء الثاني – والأساسي – من خطاب نصرالله، فكان تهديدياً ومُخيفاً بكل المقاييس، وبدا “السيد” كأنه جاهز لخوض مواجهة ميدانية مع الذين يخالفونه في الرأي حول مُستقبل الأوضاع في المنطقة، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلَّق بإنفلاش السياسة الايرانية وتدخلاتها في شؤون الدول العربية. وتحدث بحساباتٍ تُشبه حسابات عدّ “البواريد” والرجال، عندما تطرَّق إلى الأحجام والأوزان لهذه القوة أو تلك.

القوى السياسية التي لا تُجاري حزب الله في تدخُله في سوريا، وفي عدم تسهيله إنتخاب رئيس للجمهورية إلاَّ وفقاً لفرضية جبرية واحدة يريدها – وهي التصويت للعماد عون – تعرف إمكانيات حزب الله وقدرته على قلب الأوضاع، وتُدرك أنه يملك ترسانة عسكرية كبيرة سبق أن صوبها نحو الداخل اللبناني في أيار 2008. ولكن هذه القوى – التي تحرصُ على الاستقرار اللبناني، وتحاول على الدوام تجنُّب إنعكاس ويلات المنطقة على الداخل – لم تتخذ قرار الاستسلام لحزب الله، ولديها أوراق يمكن أن تلعبها في الوقت المناسب، تفرض على حزب الله إعادة التسليم بمقاربة الشراكة الوطنية الحقيقية، وبأن لبنان لا يُحكَم إلا بتوافق إرادة كافة أبنائه، مهاما كانت نتيجة المعركة الدائرة على الأراضي السورية.

لا شيء يمنع قطاف الثمرة الناضجة قبل سقوطها – على ما شبه الرئيس نبيه بري الوضع الرئاسي في لبنان عشية جلسة 8 فبراير/ شباط – ولكن الشعور بفائض القوة عند بعضهم، والحسابات الشخصية البحتة عند بعضهم الآخر، سيؤدي إلى سقوط الثمرة، وبالتالي خسارة الفرصة السانحة للإنقاذ.

الأوساط الشعبية التي تتابع ما يجري، وتعيش ضائقة إقتصادية خانقة، ترى أن حزب الله مُطالبٌ أكثر من غيره بتوضيح إندفاعته الجديدة، وتبديد أجواء القلق والخوف المشحونة في البلاد.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

التوازن السياسي في لبنان

قراءة مختلفة لأحداث الأسبوع اللبناني الطويل

انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه

هل هناك ما هو أبعد من تمثيل نواب «سنة 8 آذار» في الحكومة؟

الرأي العام اللبناني لا يريد التصعيد السياسي

هل انقلبت صفحة التفاؤل.. أم أن التعقيدات غيمة خريف وستنجلي؟

استحقاقات لبنانية داهمة

عن نظرية عدم حصرية تمثيل الطوائف في الحكومة

عن خطورة وخلفيات ما حصل في المطار

لقاء بكركي الذي حرّك السواكن الحكومية

ماذا تقول أوساط معارضة عن الأحجام السياسية؟

مصالح لبنان في سورية ومصالح سورية في لبنان

مواقف في خطاب عيد الجيش

ما مبررات مواقف «الاشتراكي» و«القوات» من تشكيل الحكومة؟

عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية

عن إشكالية حصة الرئيس الوزارية

عوامل التفاؤل والتشاؤم

مرحلة ما بعد الانتخابات والأحلاف السياسية

عن الآثار السياسية لاستبعاد النائب أنطوان سعد

لبنان: الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية