مغارة جعيتا: مأساة سائح والاهمال الموصوف!

محمود الأحمدية

“ترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب، صنع الله الذي اتقن كل شيء، انه خبير بما تفعلون”

تفاجأ اللبنانيون بخبر هز كيانهم وللمرة الاولى يحدث في مغارة جعيتا: سائح مصري يموت غرقا وبردا في الطابق السفلي للمغارة! للوهلة الاولى الخبر عادي، الحمد لله في هذا البلد هناك مئات الاحداث المشابهة وعلى مدار السنة ولكن ان يحدث بالذات في مرفق سياحي نتيجة الاهمال وعدم المراقبة والفلتان وسياسة “الجيوب المتورمة” ومن المضحك المبكي، بطريق الصدفة وقع نظري على تقرير السياحي دعائي مصري في موقع (مصر اليوم) المشهور وتحت صورة رائعة لمغارة جعيتا وتحت عنوان “مغارة جعيتا اللبنانية ابداع الخالق في الطبيعة” وجاء في التقرير حرفيا: “كم انت محظوظ يا لبنان ولما لا ومغارة جعيتا” على بعد 20 كيلومترا من العاصمة بيروت، انها المغارة التي كان يعتقد في الماضي سكنا للجن والارواح الشريرة، الا انها في الواقع سكنا للابداع والاندهاش والذهول من روعة نحت الطبيعة والتبجيل للاعجوبة عندما يرى الماء قد نجح في تجويف قاعة هائلة في باطن الجبل ثم يزينها بمكوناته محدثا مناظر خلابة تسحر الانظار…

 ويتابع: “انها الطبيعة الربانية التي لا يفوقها اي ابداع انساني وكأنها تنظر في شموخ وتقول هل من منافس!!! اجابة بالتاكيد لا فالانسان يقف مكتوف الايدي امام هذا، ومغارة جعيتا خير دليل فما فعلته المياه في جوف الجبال يعجز اللسان عن وصفه ويتابع التقرير “يقول الدكتور نبيل حداد المدير المسؤول عن مغارة جعيتا  “ان كوكب الارض به العديد من المغارات الحجرية مكونة من قطرات المياه المتجمدة ولكن ليس بها حتى الان اي مغارة تضاهي في غناها وتنوعها المدهش مغارة جعيتا التي تعجز الكلمات”…

كان هذا جزء من تقرير ابداعي يقع في عدة صفحات وموضوعه عن مغارة جعيتا بتفاصيل دقيقة جميلة رائعة تقف مدهوشا لدقتها وتغري اي سائح مصري يقرأها بالمجيء الى لبنان ورؤية هذه المعجزة الربانية… المأساة ان التقرير مصري، الكاتب مصري، والقتيل مصري!

جعيتا

نعم القتيل مصري… وهذا من سخرية القدر عندما عرض الحادث المؤلم الذي جرى للسائح المصري الذي ذهب ورحل نتيجة الاهمال وكأنه ضحيته الاندهاش بالتقرير السياحي ولم يكن على علم بأن هناك عقولا حجرية هجرت تاريخها ومجدها السياحي وهجرت كل القيم الرائعة التي تميزت بها السياحة اللبنانية وسكنها الجهل والاهمال. ولكنك لا تستطيع الا ان تتفاجأ بحجم الكارثة عندما تسمع جهتين وعبر المرئيات التي فضحتنا بطريقة مؤلمة للعين والنفس والروح والعقل… الجهة الاولى احدى السائحات المصريات المشاركة في رحلة مغارة جعيتا ورفيقة السائح الضحية قالت بكل وضوح: في كل انحاء الدنيا هناك مراقبة وانقاذ وتفاجأنا بانه ليس هناك مراقبة ولا فريق انقاذ ورحل زميلنا امام عيوننا.

 هكذا بكل بساطة ولجهة اخرى كان الحديث للسيد نبيل حداد على المرئيات وترك للناس التي سمعته الحكم على كلامه ولكن الذي المني بشدة وخلت نفسي ان السائحة المصرية لا تقول كلامها من القلب ولكن الحقيقة مرة عندما اسطردت “هذه الكلمة جعيتا اخر مرة تاتي على (لساننا) (بنون الجمع) هي قصة حزينة لوطن جميل خصه الباري بجمال رباني متنوع وخصه ايضا بمسؤولين فارغي العقل والضمير وكل همهم انتفاخ جيوبهم!

 بئس الوطن خصه الذي الله بكل ما يؤهله لاحتلال المراكز المتقدمة سياحيا في العالم فاذا به يتقزم وعلى يد بعض ابنائه الذين لا يرتقون بتفكيرهم الى ما خصهم الله بما لا يقاس… وحتى لا اطيل ويكفي للدلالة: تركيا تستقبل سنويا ثلاثين مليون سائح، فرنسا خمسون مليون سائح، اسبانيا خمسة وخمسون مليون سائح، حيث السياحة تشكل اساسا اسمنتيا في تقوية دعائم الدولة ولبنان تاريخيا يرتكز جزء في اقتصاده على السياحة وبرؤيا كبيرة ابداعية مع مسؤولين استثنائيين يستطيع ان يتخطى كل ازماته عبر هذه السياحة… وبعيدا عن التنظير اشد ما يؤلمني هو هذا التدميرغير المسؤول الآخر ما تبقى لهذا الوطن (سياحته)..

LEBANON/

LEBANON/

من المناظر المقززة للنفايات، الى اهمال مغارة جعيتا، وسقوط سائح مثل فيها، الى فضائح المطار ببعديه الامني والتنظيمي وآخرها الانذار الفرنسي بايقاف رحلاته الى لبنان اذا لم تسو الامور، الى الغلاء الفاحش، الى تشبيح على طريق المطار الى مصائب حسية لا تحصى.. كلها تتجمع لسد الافق امام اجمل ما في لبنان (سياحته).. المأساة ان مقالتي إرتكزت على تقرير سياحي مصري عن نفس الموقع الذي وقع فيه السائح المصري … قليلا من الضمير يا سادة قليلا من تحمل المسؤولية يا سادة قليل من المحاسبة يا سادة…

كيف لوطن ان ينهض وفيه كل هذا الاهمال؟

اقرأ أيضاً بقلم محمود الأحمدية

القلم الحر والانتصار في زمن القهر

عصام أبو زكي… الرجل الأسطورة… بطل من بلادي

انسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ ونتائجه الكارثية

في الذكرى 43 معلومات جديدة مذهلة عن عالمية فريد الأطرش

كمال جنبلاط البيئي: سابق لعصره

من كمال جنبلاط إلى الربيع الصامت إلى فرنسا

مَنْ أَحقّ من فريد الأطرش بنيل جائزة نوبل للفنون

كمال جنبلاط البيئي سابق لعصره

كيف لوطن أن يشمخ وفيه كل هذا العهر في مسلسلاته

حرش بيروت تحت رحمة اليباس… والتاريخ لن يرحم

مواسم التفاح بين الحاضر والماضي… قصة عزّ وقهر!

مصنع الإسمنت في عين داره ونتائجه الكارثية على البيئة والإنسان

كمال جنبلاط البيئي  وثقافة المواطن الحر والشعب السعيد

أولمبياد الريو والحضارة وعرب ما قبل التاريخ

مصنع الإسمنت في عين دارة: جريمة بيئية موصوفة

هل أحسنت؟ هل أخطأت؟ لا أعرف!!

حكايتي مع كرة القدم وفريق ليستر الانكليزي الذي هز اعتى الامبراطوريات

شكراً مسيو هولاند… أعطيتنا درساً في الحضارة والأخلاق!

غسان سلامة و”اليونسكو” وزواريب السياسة اللبنانية!

أنا علماني ولكني لي ملاحظاتي!