هل هو نبش للقبور أم تزوير للتاريخ؟

هشام يحيى

تكاثرت في الآونة الأخيرة ظاهرة نكء الجراح الانتقائية عبر مسلسل نبش قبور الحرب الأهلية المظلمة من أجل غايات مشبوهة واضحة تهدف بكل وقاحة ممنهجة إلى تزوير التاريخ وتشويه الحقائق في السياق الذي يخدم أجندة بعض القوى اللبنانية التي تحالفت مع الشيطان خلال الحرب الأهلية من أجل سحق و كسر وقهر شركائها في الوطن.

وأخطر ما في نبش القبور، هو عودة ذاك الفكر السياسي الطائفي العنصري البائد ليطل برأسه المسموم من ظلمة تلك القبور، وهذا أمر خطير على مستوى الحياة السياسية في لبنان، لا سيما أن ذلك الفكر قد استطاع في مراحل عديدة من تاريخ لبنان أن ينكئ الصراعات بين الطوائف والمذاهب المرتكزة إلى الميثيولوجيا التاريخية والدينية لتمزيق بنية المجتمع اللبناني ووحدته الثقافية والاجتماعية ليكون لبنان ساحة مفتوحة للصراعات المحلية والدولية والإقليمية، كما أن ذاك الفكر السياسي الطائفي الخبيث قد نجح أيضا في أكثر من محطة تاريخية بأن يدفع بأبناء طائفته عبر وسائل الترهيب والتهييج والترغيب، كما النازية، نحو مغامرات عبثية خطيرة وخاسرة على كافة المستويات الوطنية والاخلاقية والانسانية.

فحقيقة الأمر، أن الحرب الأهلية في لبنان كانت حرب بين مشروعين: المشروع الأول هو مشروع الحركة الوطنية اللبنانية الذي قاده المعلم الشهيد كمال جنبلاط من أجل تغيير وتطوير النظام السياسي الطائفي المتخلف في لبنان وقيام نظام ديمقراطي عصري يؤمن العدالة والمساواة بين جميع مكونات أبناء الوطن… أما المشروع الثاني فهو المشروع الإنعزالي الذي سعى بكل الوسائل المتاحة من خلال هيمنته وسيطرته على كل مرافق الدولة واجهزتها العسكرية والامنية، ومن خلال تحالفه الإستراتيجي مع جميع القوى الرجعية العربية وغيرها من الأنظمة الفاشية في المنطقة والعالم وعلى رأسها اسرائيل، من اجل كسر أي اصلاح حقيقي في لبنان والحفاظ بكل قوة وبطش على مقومات ذلك النظام الرجعي القائم على التمييز الطائفي والمذهبي بين أبناء الوطن الذي كان القسم الأكبر منهم يعاني من الأزمات الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية فيما الطغمة الحاكمة المرفهة والمتخمة في ذلك النظام قبل حرب الـ 1975 كانت تتنعم بالبذخ والنفوذ والسلطة والأموال الطائلة على حساب قوت الشعب اللبناني ومعاناته.

الجبهة اللبنانية

وفي السياق عينه، نذكر من ينبش القبور ويشوه الحقائق ليعطي لنفسه صورة زائفة لا تمت إلى الواقع بصلة، أن حرب الجبل في الثمانينات لم تكن معركة بين هذه الطائفة أي الدروز أو تلك الطائفة أي الموارنة، فهذا التوصيف قد استخدم عن سابق تصور وتصميم من قبل قوى الانعزال التي عمدت إلى توصيف حرب الجبل على إنها حرب طائفية وكإمتداد لصراع تاريخي بين الدروز والموارنة من أجل شد العصب الطائفي الأصولي والعنصري الذي شكل حجر الزاوية لمخططات أصحاب المشروع الفاشي العنصري الذي كان يعتبر في ادبياته بأن المسيحي الديمقراطي العروبي هو عدوه الاول قبل أي مسلم آخر.

وبالتالي أن اضفاء العباءة الطائفية فقط على حرب الجبل هو في حقيقة الأمر تشويه سافر لطبيعة وجوهر تلك الحرب التي خاضها الوطنيون العروبيون الأحرار في كل لبنان ضد عدو مركب هو القوى الإنعزالية الفاشية محليا والمرتبطة عضويا بالمشروع الإسرائيلي – الأميركي في المنطقة آنذاك.

civil_war_1975

فالميليشيات التي قاتلها وهزمها الحزب التقدمي الاشتراكي في منطقة الجبل كانت عناصرها مرتبطة بالموساد الاسرائيلي تدريبا وتسليحا وتمويلا، بحيث أن تلك القوى حين صعدت بقواتها الفاشية الى الجبل لم تأت إلا لنكبة المسيحيين وتدمير صيغة العيش المشترك بين مكونات ابناء الجبل وذلك لخدمة استراتيجية المشروع الاسرائيلي – الأميركي الذي كان يهدف الى اسقاط عروبة لبنان ليصبح ملحقا بالفلك الصهيوني ومشاريعه العدوانية التقسيمية والتفتيتية في كل ارجاء المنطقة العربية.

وبالتالي فإن انتصار الحزب التقدمي الاشتراكي في الجبل لم يكن انتصارا لطائفة على اخرى بل انتصار للمشروع الوطني العروبي والانساني في لبنان على المشروع الإنعزالي الفاشي الاسرائيلي التقسيمي، ولولا هذا الانتصار على أدوات ذلك المشروع، الذي كان يعتبر بالمعيار العسكري الأكبر والأكثر قوة ومقدرة بالتسليح والعتاد والدعم المالي واللوجستي، والذي كان مدعوما بشكل مباشر عسكريا من اسرائيل وقوات المتعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة التي كانت بوارجها منتشرة على طول الشاطئ اللبناني، لما سقط الخيار الاسرائيلي في لبنان، ولما بقيت وطنية وعروبة في لبنان، ولما بقيت حرية، وسيادة، ومقاومة لهزيمة اسرائيل لاحقا على ارض الجنوب.

أخيرا، اذا كان نابش القبور انتقائيا في نكئه للجراح، نسارع لنؤكد بأن قوى الانعزال التي غزت الجبل وغيره من المناطق اللبنانية قد ارتكبت في تلك الحقبة من تاريخ لبنان العديد من الجرائم المروعة التي لا تقل وحشية لا عن جرائم المجموعات الارهابية في عصرنا الحالي ولا عن جرائم القوات النازية والفاشية في القرن الماضي…

ومن يريد أن يزور التاريخ فأرواح الشهداء وأوجاع الجرحى وصرخات وتضحيات وبطولات الثوار والأحرار في هذا الوطن سيكونون دائما في المرصاد من أجل كسر أي مشروع انعزالي – اسرائيلي جديد في لبنان، ومن أجل أن تبقى راية الحق و الحقيقة المرجع الأساس لتلك الحقبة التي لا يكفي أن نقول ” تنذكر وما تنعاد” بل المطلوب مقاربة أحداثها بكل صدق ومصداقية وموضوعية لإستخلاص العبر الوطنية التي تحصن وحدة لبنان وسلمه الأهلي وعيشه الوطني المشترك.

اقرأ أيضاً بقلم هشام يحيى

لهذه الأسباب لن ينالوا من وليد جنبلاط وحزبه وجبله!

الوفاء لقضية الشهداء…

قاتل الأطفال هو نفسه في غزة وحلب!

قناة التشبيح والأشباح!

ظاهرة التعنيف من أسباب تخلف مجتمعاتنا!

لبنان والمحاسبة السياسية

ميشال سماحة والمصير البائد

لبنان وقدر لعبة الأمم

ليس دفاعا بل انصافا للحقيقة ولوليد جنبلاط

6 كانون ثورة متجددة في عالم الإنسان

#الحراك_والاستقلال

ميثاقية أم غوغائية انتحارية؟!

#طفلة_الصحافة_المدللة

التدخل الروسي: آخر أيام الطاغية

#بدو_كرسي_لو_عمكب

ماذا يعني أن تكون “معروفيا” عربيا؟

معركة القلمون و”شيعة السفارة”

النخبة الممانعة وخطايا النظريات القاتلة..!

” توترات السيد”..!

الاتفاق النووي و “الشيزوفرانيا” العربية!