جولة الصين الشرق أوسطية

حتى بينما كان الاتفاق النووي الإيراني وإمكانية التقارب بين طهران والغرب يشكلان موقع إلهام لعدد لا يحصى من مقالات الرأي، إلا أن العلاقة الناشئة بين الصين وإيران مرت مرور الكرام. لكن في 23 كانون الثاني/ يناير، أصبح الرئيس الصيني شي جين بينغ أول زعيم في العالم يزور إيران بعد دخول الاتفاق [حيز التنفيذ]. وصرّح الرئيس شي بأنه يسعى إلى فتح “صفحة جديدة” في العلاقات بين الصين وإيران. في هذا الإطار قال المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، إن “الجمهورية الإسلامية لن تنسى أبداً تعاون الصين معها خلال عصر العقوبات”.

الجدير بالذكر أن رحلة شي إلى المنطقة، والتي شملت أيضاً زيارة مصر والمملكة العربية السعودية، كانت استمراراً لمنهجية تعزيز مشاركة بكين في الشرق الأوسط. فقد تكون خطوات الصين أقل تأثيراً من غزوات القوى العظمى الأخرى في المنطقة (منها التدخل الروسي الأخير في سوريا)، إلا أنها لا تقل أهمية عنها. فهذه الخطوات تشير إلى أن الأولوية التي كانت تتمتع بها واشنطن من دون منازع في الشرق الأوسط لعقود طويلة تقترب من نهايتها.

من جانب آخر، فإن الطموحات التجارية الصينية في الشرق الأوسط آخذة في التوسع. ومع تحقيق الولايات المتحدة الاكتفاء الذاتي من حيث الطاقة بشكل متزايد، تحركت الصين بالاتجاه المعاكس. ومن المتوقع أن تتفوق على الولايات المتحدة كأكبر مستهلك للطاقة في العالم بحلول عام 2030، نظراً إلى أن طلبها من النفط المستورد ينمو من ستة ملايين برميل يومياً إلى 13 مليون برميل بحلول عام 2035. ومن المرجح أن تحصل على الجزء الأكبر من إمداداتها الجديدة من منطقة الشرق الأوسط، والتي تحتاجها الصين أيضاً لدخول أسواق جديدة لإنتاج سلعها، واستثمار رؤوس أموالها، وتأمين عمالة جديدة. وفي هذا السياق وضعت الصين استراتيجيتها تجاه الشرق الأوسط، مع التركيز على مجالات [محددة] مثل التعاون في مجال الطاقة والاستثمار في البنية التحتية. وقد سعت إلى دمج المنطقة في مبادرة “حزام واحد طريق واحد” التي أعلن عنها الرئيس شي في عام 2013 والتي ستربط الصين بمنطقة أوراسيا.

ومع ذلك، فإن توسيع المصالح الاقتصادية للصين يخلق نقاط ضعف استراتيجية قد جرّت بكين على نحو متزايد دبلوماسياً وعسكرياً نحو المنطقة. على سبيل المثال، ازدادت مشاركة البلاد في المحادثات النووية الإيرانية، وذلك جزئياً بسبب قلقها المتزايد من أن يهدد الصراع الأمريكي الإيراني أو الإسرائيلي الإيراني صادرات النفط عبر مضيق هرمز، إذ إن اثنين وخمسين في المائة من واردات الصين النفطية تأتي من منطقة الخليج. وفي الآونة الأخيرة، وفي عدة مناسبات، استضافت الصين ممثلي الفصائل السورية المتنازعة. حتى إنها في عام 2013 حاولت اقتراح خطة سلام إسرائيلي فلسطيني خلال زيارات منفصلة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. ومع ذلك، ففي جميع الحالات لم تبتعد الصين عن منهجيات السياسة التقليدية بل استخدمت بدلاً من ذلك الفرص لعرض نفوذها الإقليمي والعالمي المتنامي.

بالإضافة إلى ذلك، بدأت الصين نشر جيشها على نحو أكثر تواتراً في المنطقة. على سبيل المثال، أعلنت في أيار/ مايو 2015، أنها ستُجري مناورات بحرية مع روسيا في البحر المتوسط. كما تمت إعادة تزويد الطائرات الصينية المقاتلة بالوقود في إيران، وهي أول وحدات عسكرية أجنبية يُسمح بها على الأراضي الإيرانية منذ الثورة الإسلامية عام 1979. كما وتوقفت السفن الحربية الصينية في الموانئ في كل من إيران والإمارات العربية المتحدة.

ومن جهة أخرى، فإن الصراعات في العراق وليبيا واليمن قد هددت العمال الصينيين الذين يعملون في البنية التحتية والطاقة والمشاريع الأخرى في المنطقة. ففي عام 2011، اضطرت الصين إلى إجلاء 35 ألف مواطن صيني من ليبيا عندما كانت البلاد تغرق في حرب أهلية. وكانت تلك العملية هي الأكثر تطوراً والأبعد مدى التي تجريها البحرية الصينية حتى الآن. وقد قام نجاحها على حقيقة أن سفنها كانت متمركزة بالفعل في خليج عدن في مهمة لمكافحة القرصنة. ومن المرجح أن تلك التجربة قد أكدت لقادة الصين على قيمة الأصول البحرية المنشورة بشكل مسبق وأضافت زخماً على حملة بكين لبناء منشأة بحرية في جيبوتي، وهي أول قاعدة بحرية لها في الخارج.

وعلى الرغم من تعزيز مشاركتها في المنطقة، سعت الصين حتى الآن إلى تجنب الوقوف مع جانب ضد آخر في الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط. فقد تراجعت عن سعيها إلى إقامة علاقات وثيقة مع إسرائيل والدول العربية وإيران في الوقت نفسه، وهو أمر بعيد الاحتمال. وبالنسبة إلى هذه الدول، لا تؤدي هذه العلاقات الجيدة مع بكين إلى تعزيز التجارة والاستثمار فحسب، بل إلى حصولها أيضاً على التكنولوجيا العسكرية (على الرغم من أنها ليست بجودة المعدات الأمريكية) من دون شروط سياسية. فعندما ترددت واشنطن في بيع الطائرات المسلحة من دون طيار للإمارات العربية المتحدة، عرضت الصين تقليداً للطائرة من دون طيار من طراز “بريديتور” بسعر أدنى، وهي طائرة “وينغ لونغ”.

لكن على المدى الطويل، سيكون من الصعب على الصين إلتزام الحياد في إطار نمو المنطقة بشكل ينقسم ما بين قطبين على نحو متزايد. وبالفعل، بذلت الصين جهوداً للرد على الأزمات التي تحرّض حلفاءها ضد بعضهم البعض. وفي هذا السياق، افادت بعض التقارير أن بكين عرضت على الزعيم الليبي السابق معمر القذافي تقديم أسلحة إليه حتى في الوقت الذي امتنعت فيه عن عرقلة قرار مجلس الأمن الدولي الذي يسمح بالضربات الجوية الدولية في ليبيا، وذلك بجزء منه احتراماً لرغبات الدول العربية. كما وعرضت المساعدة على حركة «حماس» في قطاع غزة رغم صداقتها مع إسرائيل وحذرها من الإسلام. وقد ذكرت بعض التقارير أن الرئيس شي أغضب المملكة العربية السعودية عندما ألغى أول رحلة كانت مقررة له إلى الرياض بعد اندلاع الحرب في اليمن. ومن المحتمل أن يكون الرئيس الصيني قد خشي من أن تُصوره تلك الزيارة على أنه يميل جزئياً إلى السعوديين مما سيثير استياء إيران. لكن في نهاية المطاف، لا بد لهذا النهج المتعرج من أن يتعارض مع أحد الأطراف، [ولن يُرضي الجهات كافة].

وإذا اضطرت بكين في النهاية إلى اختيار حليف رئيسي واحد، فمن المرجح أن تختار إيران. فطهران بحد ذاتها تطرح فرصاً استراتيجية هامة بالنسبة إلى الصين، ويمكنها أن تساعد في التخفيف من مخاوف بكين حول أمن الطاقة بحكم موقعها على مضيق هرمز، إلا إذا هيمن عليه حلفاء الولايات المتحدة، فضلاً عن تمتعها بإمكانات لتقديم طرق للصين لمرور خطوط الأنابيب عبر آسيا الوسطى.

إلى جانب ذلك، تقدم إيران للصين احتمال التمتع بأمن إقليمي أعمق. فهي تتشارك مع بكين رغبتها في إعادة تشكيل النظام الدولي عن طريق التقليل من هيمنة الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الدول العربية وإسرائيل ترحب بمبادرات الصين باعتبارها وسيلة لزيادة نفوذها مع واشنطن، إلا أنها، وبالإجماع تقريباً، تتشارك الرغبة في قيادة أمريكية أكبر، وليس في تقلصها.

وفي إطار مواجهة استراتيجية الصين تجاه الشرق الأوسط، لا تحتاج الولايات المتحدة إلى اتخاذ منهجية لن تخرج منها بمكاسب فعلية. إذ إن مصالحها في المنطقة تتداخل إلى حد ما مع مصالح الصين، بما في ذلك حرية التدفق التجاري ومكافحة الإرهاب.

ومع ذلك، سيتم تقويض أي أساس للتعاون إذا كررت الصين خطوتها السابقة المتمثلة في إرسال التكنولوجيا النووية الخطرة لإيران، أو إذا نقلت إليها خبرة كبيرة في الأسلحة الدفاعية، مثل الصواريخ الباليستية وأنظمة المكافحة البحرية والجوية. وبينما تكثف الصين مشاركتها في الشرق الأوسط، ينبغي على الولايات المتحدة أن تواصل الضغط على بكين لاحترام الاتفاق النووي الإيراني والعقوبات المتبقية، كما وينبغي عليها أن تحث حلفاءها، ولاسيما دول «مجلس التعاون الخليجي»، وغيرها من الأطراف القلقة من تمكين إيران، لإيصال الرسالة نفسها. وفي الماضي، فرضت واشنطن عقوبات على الكيانات الصينية وبعثت برسائل دبلوماسية قوية لإجبار بكين على الامتثال للعقوبات المفروضة على إيران. لكن الرسالة ستكون ذات أثر أقوى إذا تم تضخيمها من قبل دول أخرى تتقرب الصين منها. وفي الوقت نفسه، يجب على واشنطن تعزيز مشاركتها بالذات مع بكين حول القضايا الإقليمية والسعي إلى توجيه الأنشطة الصينية نحو الآليات متعددة الأطراف القائمة بالفعل، على غرار المحادثات حول إيران والبعثات القائمة لمكافحة القرصنة.

وكما تُبيّن ردة فعلها غير المدروسة على مغامرة روسيا في سوريا، فإن الولايات المتحدة لا تتمتع بخبرة كبيرة في التعامل مع القوى الأخرى التي تُعنى بأمور الشرق الأوسط. فلا بد لواشنطن من أن تدرك كيفية التعامل مع الوجود المتزايد للصين في المنطقة، حيث أن هذه الخطوات الأولى ستمهد الطريق لكيفية تصادم أعظم قوتين في العالم وتعاونهما في هذه المنطقة المضطربة.

 ————————–

(*) مايكل سينغ / معهد واشنطن