“نار فوق روابي الجبل” للمقدم شريف فيّاض: إعادة رسم مشاهد حرب الجبل بموضوعية ورصانة

بين الذات والنص، وبين المبنى والمعنى، تتوحّد الصورة وتعكس حقيقة جوهر الموضوع، وبما أن الكلمة كانت البدء، والعقل كان الصورة الأولى، والكلمة الحق هي دوماً مكملة ومتممة لجلجلة العقل وإبداعاته، كما يقول المعلم الشهيد كمال جنبلاط، انطلاقاً من ذلك نقرأ الكتاب:

“نار فوق روابي الجبل” إصدار من الدار التقدمية، لمؤلفه المقدّم شريف فياض، هو مرآة لقاء وطاقة وإيمان عميق بالنصر، لقائد جريء وحكيم، مرآة تعكس بعمق الشخصية الحكيمة الفذة الخلاقة فيه، والتي تجسدت في ممارسته قيادة وصناعة انتصار الجبل التاريخي، وأكدت رفعة مستوى القيادة المسؤولة، في عقله وقلبه وشعوره، لإنقاذ الجبل وروابيه، من تلك النار المحنة والفتنة التي عصفت به: فأتت فصول الكتاب السبعة، صيداً فكرياً وتاريخياً، اختزن بين دفتيه ذاكرة وهوية وتاريخاً مضيئاً، ومرآة صادقة لقيادة تلك المرحلة، وانتصارها بشرف ومروءة وبطولة، وبحسن تدبر وممارسة شجاعة في الشرف والإقدام والحكمة والمسؤولية، فكان هذا الكتاب الذي التزم شروط المنهجية العلمية وارتكازه إلى خطة علمية هادفة ومنظمة ودقيقة التنسيق، تعتمد المنهج التاريخي الإستردادي والتحليلي.

وبالتالي، فمحتويات الكتاب، محاولة جادة وجريئة لاستنباط العبر والمبادىء لاستشراف وقراءة ما بعد الإنتصار، والذي تحقق بجمال التسوية، فكان كتاباً قيماً، أو لنقل ثمرة طيبة من ثمار شجرة المعرفة والمحبة وفن وعلم القيادة، واحتوى في فصوله السبعة وملاحقه ووثائقه، حقائق وبينات زاخرة بالصدق والإمكانيات، والمؤلف بتواضعه ورصانته ودقته، تجاوز أحياناً التفصيلات الصغيرة، مكتفياً باشرافات الوعي، مبتعداً عن الهوى والذاتية وميول الأنا. متجردا، مسجلاً قدرات وبطولات رفاقه، بإخلاص وأمانة، والذين ساهموا معه في إخماد النار فوق روابي وقمم الجبل، مكتفياً بصورة وموقف الشاهد على ذلك الإنتصار، مبتعداً عن كونه من صنّاعه وقادته، وهذه هي سمة الكبار في مسيرة التحرر الكبرى، وفي معراج النضال والجهاد الأكبر، بعيداً عن الوجاهة والبروز الأناني، لأن شرف القيادة المسؤولة والحكيمة، وشرف السياسة من ألفها إلى يائها، هي بالنهاية شرف وفضيلة وأخلاق، فكراً وعملاً وشعوراً، في قيادة الرجال للإسهام في بناء الإنسان وبناء مجتمع العدالة والطمأنينة والسلام، هذا هو نداء الفروسية، الذي تحلى به المؤلف شريف فياض. في مقاربته الموضوع، ومعالجته بنضج ومسؤولية وجهد معرفي وأمانة علمية وتاريخية موضوعية شفافة، وكما يقول المعلم “بقدرة الطهارة تأتي المعرفة كلها”.

وتتميماً وتوضيحاً، لا بد من كلمة، بأن هذا المؤلف، جاء توضيحاً وحاسماً لمعرفة وتدوين أحداث جاءت ملتبسة في بعض المصادر التي تناولت حرب الجبل، بحيث تناول الوقائع والحقائق بدراسة تاريخية تملؤها مظاهر الجدة، والثقة العالمة والعارفة بأسرار حرب الجبل، حيث فندها وفق مبادىء الأمانة العلمية، ومعايير النزاهة والتجرد، وهذا ما يؤكد بأن الكتاب، لا بد من أن يغني المكتبة اللبنانية والعربية، ويثري الدارس والمهتم بالتاريخ والسياسة والحضارة، ويبقى”نار فوق روابي الجبل”، محاولة رائدة رصينة وجادة، في مسيرة التحدي والمواجهة الدائمة والصراع المستمر من أجل الحياة وانتصارها، وعبرة وثقافة للذين يعبرون مسلك السياسة الشريفة بمعرفة وتهذيب سياسي وتوجيه مثالي، في مسيرة الحرية والتحرر للارتقاء في سلم التاريخ والحضارة وكل مناحي الحياة النضالية.

وأخيراً، ومع إطلالة العام الجديد، أتوجه إلى المؤلف الذي لم يطلب ثراء، وبحبوحة في هذه الأرض، إنما سعى إلى الفضيلة والجهاد المتواصل للانتصار على الجهل والعبودية والفقر، ورايته مثالات المعلم الشهيد كمال جنبلاط، له منا الدعاء بالتوفيق والصحة، ونعم الله لا تحصى، فهنيئاً لما كتبت يداه، على أمل استمراره في مسيرة الثقافة التقدمية والمعرفة، ليستمر ويبقى علماً ودلالة ورمزاً شريفاً يقتدى به في طريق النضال والتحرر.

————————

(*) الدكتور منير كرامة