خطورة أوباما تزداد في سنته الرئاسيّة الأخيرة

عزت صافي (الحياة)

في مثل هذه الأيام من السنة المقبلة 2017، لن يكون في البيت الأبيض رئيس أميركي اسمه باراك أوباما. ومثل سواه من الرؤساء الأميركيين السابقين، سيعود أوباما الى الظل. وإذا كان من الصعب التنبؤ بما سيفعل خلال هذه السنة الأخيرة من ولايته، فإن سنواته في الحكم لم تبشر بالخير، خصوصاً للعالم العربي.

القيمة الأولى لأوباما في رئاسته «الدولة العظمى»، هي لونه بالمعنى الإنساني. ذلك أن الأميركيين من البيض والسود، الذين عاشوا ما قبل العام 1965، يتذكرون كيف كان الأميركي الأبيض إذا دخل وسيلة نقل عام ولم يجد مكاناً له، هبّ المواطنون السود وقوفاً.

اليوم يهبّ الكونغرس، وخلفه الأمة الأميركية، وقوفاً للرئيس الأسود. هذا المجد يعود الى الآباء الأوائل المؤسسين الذين كتبوا وثيقة الدستور الأميركي. لكنّ عدداً قليلاً من الرؤساء الذين توالوا على البيت الأبيض، استحقّوا الشرف الذي ولاّهم على الشعب الأميركي.

العرب هم أكبر المتضررين من رؤساء أميركيين خانوا شرف الأمانة والقسم، وأولهم هاري ترومان الذي منح صوت الولايات المتحدة الأميركية لدولة إسرائيل عام 1947، اعترافاً بها وكفالة وضمانة وحماية، ودعماً لها في حروبها على العرب. ولا تزال فلسطين منذ نحو سبعين سنة الضحية، ولا تزال الدول العربية ترهن مقدراتها وتستنفدها في حروب تنشب وتخمد بسبب إسرائيل.

وها هم العرب حالياً في أسوأ نكباتهم، من مشرقهم الى مغربهم، وأصابع الاتهام تشير الى البيت الأبيض، حيث الرئيس باراك أوباما يشرف من بُعد على تقطيع أوصال الكيانات العربية التي كانت تشكل خطراً على إسرائيل، وكان بعض حكامها من المتواطئين الموالين ضمناً لأميركا، وإن رفعوا أصواتهم بالتهديد والوعيد.

يوم 22 كانون الأول (ديسمبر) الماضيّ، نشرت صحيفة «إسرائيل اليوم» مقالاً تضمن الفقرة التالية: «خمسة أعوام مرت على نشوب الصراع في العالم العربي الذي غيّر وجه الشرق الأوسط تماماً، وأعاد العالم العربي مئات السنين الى الوراء، الى عصور الفوضى، وبوجه خاص الى عصر التطرف والراديكالية».

لم يكن كاتب المقال في حاجة الى الاستطراد ليشرح رؤيته لمستقبل إسرائيل. فعندما تكون حال العالم العربي على ما هي صورتهم اليوم، فما على إسرائيل إلا أن تنعم بالاستقرار والطمأنينة؟

لكن، يجوز لكاتب عربي أن يضيف: إن على إسرائيل توجيه الشكر والتهنئة الى الرئيس الأميركي أوباما الذي عمل خلال سبع سنوات من عهده، حتى اليوم، على تحقيق الجزء الأول من المشروع الإسرائيلي – الحلم. فقد طُويت شعارات تحرير فلسطين، وتبعثرت جيوش العرب وتشتّتت شعوبهم، وتهدّمت مدن، ومتاحف، وآثار، وحضارات، وتورات عقيدة العروبة والقومية، وأقفلت مدارس للفكر، والفنون والإبداع.

والواقع أن سورية الدولة، والكيان والدور والتاريخ والجغرافيا، تدخل حالياً مرحلة القلق على مصيرها، ومنها العراق، ولبنان ليس بعيداً.

ذلك أن نظرية «المؤامرة» وُلدت مع ولادة الكيان اللبناني من رحم خريطة سورية الطبيعية، ثم مع ولادة استقلاله. وها هو لبنان الآن عالق في الفخ السوري، ووزير خارجيته يخاطب مجلس الأمن الدولي محذراً: «لا يمكننا السكوت عمن يريد تغيير صورة الشرق الأوسط والتعدد القائم فيه، ويشجع الشعوب على النزوح وترك أرضها على حساب تغيير صورتنا!!».

مثل هذا الكلام السياسي الديبلوماسي لا يتعدى مداه حدود الدائرة التي يصدر عنها. فالخرائط مفتوحة في غرف العمليات، والمقصات تعمل فيها تقطيعاً وتوصيلاً، فيما الأساطيل الجوية الحربية تجوب أجواء المنطقة، وكأنها تنفذ مناورة بالذخيرة الحية استعداداً لحرب كونية ثالثة.

وهناك رئيس أميركي في البيت الأبيض، أمضى سنوات من الفشل السياسي والقرارات الخاطئة. لقد حمى الرئيس أوباما جنوده من النزول في أرض المعارك، لكنه بسياسته الفاشلة، وبقراراته المتأخرة التي تأتي خاطئة، تسبّب بقتل عشرات آلاف الأبرياء وتشريد الملايين.

يصحّ القول عن لبنان في وضعه الراهن إنه وطن، لكنه ليس دولة. فمنذ تأسيسه قبل نحو قرن، قام كيان لبنان على توافق بين ممثلين عن طوائفه. ولم يكن الممثلون منتخبين، إنما كانوا موجودين بقوة الحضور بين من يمثلون. ولكي يؤكدوا أنهم أهل للمشاركة في السلطة، كان عليهم أن يرفعوا مستوى مطالبهم الى أعلى الدرجات، وحين تتصادم المطالب تتدخل التسوية، فتتشكل السلطة بدءاً من الوظيفة، ثم تتدرج الى الوزارات فتتحول أزمة تتدخل فيها الدول القريبة والبعيدة.

هي أزمة إثبات وجود في الأساس، وهي مستمرة بالتصاعد، وعلى مراحل، وفي كل مرحلة توصف بأنها أزمة مصير، أو أزمة وجود. وإذ يصعب حلّها تُرحّل الى السنة التالية على أمل أن تكون التالية أفضل. وهكذا تتقلّص تطلّعات اللبنانيين الى المستقبل، وتتراجع الى حد التمني بألا يكون الآتي أعظم.

وسبق للموفد الأميركي الشهير فيليب حبيب (وهو من أصل لبناني)، أن حلّ في بيروت منتدباً من الرئيس رونالد ريغان، بين عامي 1982 و1984 أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان. في ذلك الوقت، كانت السلطة على الأرض اللبنانية مقسمة بين بقية دولة و «حركة وطنية شعبية وفصائل فلسطينية» من كل المنظمات. وفي المقابل، كانت المنظمات المسيحية، وقوات الاحتلال الإسرائيلي، وكانت أيضاً وحدات من قوات الردع السورية.

كان فيليب حبيب قد درس الوضع اللبناني قبل وصوله. وعندما راقب ذلك الوضع على الأرض، واجتمع ببعض المسؤولين في الجانبين، قال: إن اللبنانيين يعتمدون دائماً على الوقت لحل مشاكلهم من دون أن يقدموا على أي مبادرة أو عملية نافعة. ثم سجل ملاحظة: إن أي مسلح يستطيع أن يقوّض بلحظة ما كان قد بناه السياسيون في سنة.

ولما سئل عما إذا كان لبنان يواجه خطر التقسيم، قال: أنا لا أؤمن بتقسيم لبنان، فالتقسيم ليس الحل الأنسب.

وعند هذا الحدّ تتوقف أزمة لبنان من دون التوصل الى الحل الأنسب.

والحقيقة أن أزمة لبنان لم تعد تعني الإدارة الأميركية، فهي متروكة للسفير المقيم في بيروت. وليس مطلوباً من السفير الأميركي، ومن أي سفير آخر عربي أو أجنبي، أن يكون مهموماً بأزمة لبنان الرئاسية أكثر من الأقطاب اللبنانيين. لكن، ماذا يستطيع أن يفعل الأقطاب المتجاوبون مع الحلول الإيجابية للأزمة إذا كان أقطاب آخرون قد رهنوا مواقفهم بإدارة دولة إقليمية باتت تملك الكفّة المرجّحة في ميزان الرئاسة اللبنانية، وهي الدولة الإيرانية التي تعلن بصراحة تامة، ومن خارج الأصول الديبلوماسية البسيطة، أن لبنان ركيزة في محورها الاستراتيجي.

وهكذا يبدأ اللبنانيون سنة جديدة إضافية في مسيرة جمهوريتهم وسط الألغام والظلام، والبؤس السياسي والوطني.

يبقى التذكير بالمشكلة الأصل التي كانت في البدء، وهي فلسطين المحاصرة الآن في حرم المسجد الأقصى حيث الهبّة الفلسطينية تتنقل بين طعنة بسكين، ورمية حجر على أرتال مدرعات الجيش الإسرائيلي وعصاباته المسلحة من المستوطنين، فيما الشهداء، يشيّعون بالجملة في سواد العالم العربي.

فهل كانت مجرد خاطرة عبرت في رأس بنيامين نتانياهو حين وجّه العصابات الصهيونية في محاولة لاقتحام المسجد الأقصى، في يوم جمعة، للوصول الى خرافة أساس «جبل الهيكل» اليهودي داخل الحرم؟

ما جرى بعد ذلك، أي في النصف الأول من شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أكّد أن نتانياهو عازم على اقتناص فرصة خطيرة قبل نهاية ولاية أوباما، فهدفه الآن فتح «ورشة الهيكل».

وعلى هذا الخط، في الجانب الأميركي، يتدخل مسؤولون كبار بتكليف من الرئيس أوباما لتمرير قرار بإعفاء منظمات يهودية أميركية من الضرائب، وليست تلك المنظمات سوى جماعات عنصرية تتكفل جمع التبرعات لإعادة بناء ذلك «الهيكل».

إذا تيسّر لنتانياهو أن يمضي في هذه المغامرة المدمرة، فسيكون باراك أوباما شريكه.

لكن الأمر لا يتوقف على أوباما ونتانياهو. فالقدس، وقبلها المسجد الأقصى، وكنيسة القيامة، هي أمانة أيضاً في ذمة العالم الغربي المسيحي ومرجعيته الروحية في الفاتيكان، حيث يجلس البابا فرنسيس المنتمي الى كنيسة الفقراء والمظلومين وأصحاب الحق.

وعلى مدى التاريخ السياسي القديم، كان باباوات الفاتيكان يرفضون إعطاء الصهاينة أي شعور بالرضى. وكانت هناك ثلاث «لاءات» مسيحية ثابتة:

أولاً: لا لدولة يهودية تكون عاصمتها القدس.

ثانياً: لا اعتراف بالشعب اليهودي ما دام هذا الشعب لا يعترف بالسيد المسيح.

ثالثاً: لا لسيادة اليهود على الأماكن المقدسة في فلسطين.

بالنسبة الى العرب والمسلمين في العالم، هذه اللاءات الثلاث تكفي مع الشكر الجزيل.

اقرأ أيضاً بقلم عزت صافي (الحياة)

العهد اللبناني «الجديد» لم يبدأ بعد

«حماس» × «فتح» = إسرائيل «فتح» + «حماس» = فلسطين

وثيقة برنامج رئاسي لبناني للاطلاع

جمهورية سوريّة ديموقراطية تولد في الخارج

لبنان «الطائف» على شبر ماء

فلسطين الثالثة في عالم عربي آخر

هـل أخطأ سعد الحريري؟

الديموقراطية على الطريقة اللبنانية

«حماس» ترمي نكبة غزة في ساحة رام الله والمهمة الأولى إعادة الإعمار

رؤساء الجمهورية اللبنانية وعلاقاتهم بفرنسا منذ الاستقلال

بوتين «القيصر» غير المتوّج على … سورية!

لبنان: لكل عاصمة وَفدٌ … و «دولة» وخطاب!

ما بين جمهورية ماكرون وجمهورية ديغول

هل بدأ ترسيم سورية «المفيدة لإسرائيل» ؟

صيف لبنان من دون عرب… ووعود السياسيين المتوارثة لا تتحقق

أي دور لإيران في المنطقة بعد تغيّـر كل شيء في سورية ؟

كمال جنبلاط مُستعاداً في مئويته

الجزائري حين يكون ناخباً فرنسياً

ترامب على أبواب القدس وعباس على باب البيت الأبيض!

سبعون سنة تحت الحكم العسكري: أي معجزة يمكن أن تنقذ سورية؟