حماية لبنان

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

ثمة في لبنان نظريتان في مقاربة استحقاق رئاسة الجمهورية. الأولى تقول: الرئاسة قرار خارجي. هذا هو تاريخها في لبنان باستثناء مرة واحدة يوم انتخاب الرئيس الراحل سليمان فرنجية عام 1970. وبالتالي ينبغي انتظار التوافق الخارجي أو المعادلات الخارجية التي ترجّح خيار هذا أو ذاك من المرشحين المعلنين وغير المعلنين.

والنظرية الثانية تقول: إذا حصل توافق لبناني فلا يمكن للخارج أن يعطّل. والسبب أنه، إذا كان اللبنانيون المقررون أحرار الإرادة فلا أحد يكسر إرادتهم. وإذا كان كل طرف منهم مرتبطاً بجهة خارجية وتوصلوا إلى توافق فهذا يعني أنهم تشاوروا مع «جهاتهم»، وبالتالي ليس ثمة مبرر للتعطيل.

lebanon-flag
شخصياً أميل إلى النظرية الثانية بواقعية تامة، ولأنني لا أوافق إطلاقاً على إسقاط مسؤوليتنا كلبنانيين في بلدنا وعنه! المهم، اليوم ومع طرح اسم النائب سليمان فرنجية للرئاسة واستعجال كثيرين في التأكيد على أن المسألة محسومة لأنها مغطاة دولياً وإقليمياً و«دوّر» زواياها فريقان لبنانيان أساسيان، وعلى هذا الأساس تصرف هؤلاء باندفاعات غير محسوبة في تصريحاتهم ومواقفهم وتحليلاتهم ولم يحصل شيء. لماذا؟ القوى الخارجية هي إقليمية ودولية. إقليمياً، ثمة اليوم إيران والسعودية. سابقاً كان لسوريا كلمة فصل. اليوم الفصل، بل الفصول على أرض سوريا. بمعنى «الأفلام» والحروب وعمليات الفصل والفرز الديموغرافي والدمار والخراب التي حولت سوريا إلى ساحة وملعب لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية. ومع ذلك يقال بأن الرئيس السوري أسرّ لبعض حلفائه، في تعليق على ترشيح النائب فرنجية، بالقول: «لم يستشيروا إيران ولم يستشيروني». يتصرف على أساس أنه لا تزال له كلمة مؤثرة في لبنان والاستحقاقات الأساسية فيه. ومع ذلك تبقى القوتان الإقليميتان الأساسيتان، إيران والسعودية. والذين روجوا لاتفاق الدولتين أو مباركتهما خيار النائب فرنجية، تبين أن معلوماتهم أو حساباتهم كانت في غير محلها وغير دقيقة. كانت المشكلة كبيرة بين الدولتين، والملفات كثيرة للنقاش. وهو إن بدأ فلم يصل إلى حد حسم خيار الرئاسة في لبنان. على الأقل بالنسبة لإيران التي كانت ولا تزال تنتظر بداية تطبيق الاتفاق النووي مع أميركا وامتداداً إلى 5+1، وهي تتصرف على أساس أن البيع والشراء يتم في البازار المفتوح مع الأميركيين وليس مع غيرهم، وعلى ضوء النتائج تُبنى المواقف تجاه الآخرين. وهذا أمر منطقي. وبالتالي، لم يحن بعد وقت الدخول في تسويات شاملة. ولو كانت منذ أسابيع قد ظهرت مؤشرات لبداية حركة في هذا الاتجاه هنا أو هناك، إلا أن تطورات الأيام الأخيرة دفعت الأمور في اتجاه آخر بعد إعدام «نمر النمر» في السعودية. انفجرت بين المملكة وإيران. ذهبت الأمور بعيداً، قطع علاقات، تشنّج وتهديدات. سقوف عالية وكلام حول مصير المنطقة وأنظمتها. وتمسك كل فريق بمواقفه، وهذا سيعقّد الأمور أكثر، لاسيما أن المملكة أعلنت في الوقت ذاته انتهاء الهدنة في اليمن والاستمرار في مواجهة المتمردين على الشرعية، وفي متابعة العملية السياسية في سوريا، لكن على قاعدة أن لا مكان للأسد في مستقبلها. وبالتأكيد، فإن لإيران موقفاً آخر وسياسة أخرى.

باختصار، هذا المشهد لا يسهّل اتفاقاً على الرئاسة في لبنان، حيث تبين أيضاً في الداخل، وقبل هذا التطور، أن فريقاً أساسياً في 14 آذار غير موافق على ترشيح فرنجية، وهو «القوات اللبنانية» وشخصيات أخرى في هذا التحالف تتريث أو ترفض وتقيم حساباتها. أما العماد عون، فهو غير موافق إطلاقاً، وقائد القوات اللبنانية لوّح بطريقة أو بأخرى بترشيحه إذا ما أعلن رسمياً ترشيح فرنجية من جانب حلفائه. يضاف إلى ذلك، موقف «حزب الله»، الأساسي والحاسم. فهو في ظل مواقفه الإقليمية وموقعه ودوره في سوريا منذ اندلاع الحرب فيها، وموقف حليفته إيران، وحساباته الداخلية قبل التوتر مع السعودية وبعده، ليس مستعجلاً لحسم الأمور والموافقة على مبادرات وطروحات استبعدت حليفه الأول «عون» ولم تبرم معه مباشرة بكل تفاصيلها. فإذا كان يؤكد دائماً أن «عون» هو المعبر إلى الرئاسة، فهو يعتبر نفسه المحطة الحاسمة فيها! وبالتالي فهو إن انتظر سيربح أكثر بعد أن ربح حتى الآن ومجاناً ترشيحين لرمزين أساسيين من فريقه ولم يوافق بعد على شيء، خصوصاً على من يكون رئيس الحكومة وشكلها وبيانها والحصص فيها وسياستها.. وعندما تأتي ساعة الحقيقة يحقق أرباحاً إضافية! إذن لا توافق إقليمياً ولا توافق داخلياً، فكيف تمر صفقة الرئاسة؟ كل التحليلات حملت مبالغات ومكابرات ورغبات أكثر مما كانت تعبر عن واقعية في الحسابات. فما بالنا اليوم بعد التدهور الكبير في العلاقات السعودية الإيرانية وانعكاسها السريع والمباشر على لبنان؟

المطلوب: تعقّل، ودراية ودقة في الحساب. وحماية للبنان أكثر من أي وقت مضى من الغرور والاستعلاء والاستكبار والتكبّر والتجبّر والرؤوس الحامية، ومن الخفة وقلة الخبرة والشهوات الجامحة ونزعات الشخصيات الطامحة.