«داعش» والتخبط الدولي

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

بعد التصويت في البرلمانين البريطاني والألماني على المشاركة في الحرب ضد «داعش» ضمن إطار التحالف الدولي الذي تقوده أميركا. والقرار الفرنسي الذي بدأ تنفيذه منذ مدة في الاتجاه ذاته، وتصريحات وزير الخارجية «لوران فابيوس» حول إمكانية مشاركة قوات بلاده الجيش السوري في الحرب ضد «داعش»، وبالتالي لم يعد شرط رحيل الأسد يتقدم على كل العناوين الأخرى. وفي موازاة التدخل الروسي بعد الأميركي تحت الشعار ذاته، مواجهة الإرهاب و«داعش» بالتحديد تكون روسيا وأميركا قد جذبتا الدول المعنية وغيرها من الدول المشاركة في التحالف إلى معادلتهما الشهيرة الثابتة حتى الآن، وهي: واشنطن تقول: بدء العملية السياسية ليس مشروطاً بتنحي الأسد. وموسكو تقول: انتهاء العملة السياسية ليس مربوطاً ببقاء الأسد، وبذلك تستمر الحرب بمشاركة الجميع، ويستمر دمار سوريا وخرابها إلى أن يتفق الروسي والأميركي أساساً، ساعتئذٍ لكل حادث حديث. الرئيس السوري لم يقبل هذه المعادلة. استمر متهماً بريطانيا وفرنسا بدعم الإرهاب رغم ما تعرضت له فرنسا مؤخراً، والحالة التي تعيشها بعد سلسلة العمليات الإرهابية التي استهدفتها، وأدت بوضوح إلى ما كنا قد توقعناه، وهو تقدم فريق اليمين المتطرف، مما يدفع الأمور نحو مزيد من التعقيد والصراع الديني للأسف. وبعد جريمة كاليفورنيا التي اعتبرت عملاً إرهابياً، ظهر موقف المرشح «الجمهوري» للرئاسة دونالد ترامب الذي طالب بمنع المسلمين من الدخول إلى أميركا. موقف عنصري خطير لكنه يعبّر عن مشاعر حقيقية لدى فريق من الناس يدفع في اتجاه الصراع الديني أيضاً.

في هذا الوقت، تستمر المعركة التركية الروسية على الأرض السورية، وتترك تداعياتها على العلاقات بين الدولتين التي كانت تربطهما مصالح مشتركة مهمة جداً تأثرت بعد إسقاط تركيا الطائرة الروسية التي اخترقت أجواءها بعد مشاركتها في قصف جبل التركمان واستهداف أبناء سوريا الناطقين أيضاً باللغة التركية وأصحاب الجذور التركية. تركيا رفضت استهدافهم، خاطبت روسيا بأنها عمدت إلى ضم القرم تحت عنوان الدفاع عن أبناء القومية الروسية والجذور الروسية. فلماذا توجه الاتهامات إلى تركيا إذا اهتمت بدورها بأبناء «قوميتها» الناطقين بلغتها وذوي الجذور التركية؟ ولماذا تنزعج روسيا وإيران من التوغل التركي في الموصل، وهي في الأساس كانت جزءاً من الدولة العثمانية، والتدخل هناك جاء تحت عنوان مكافحة الإرهاب؟ وفي الوقت ذاته يستمر الفرز على الأرض في المناطق الكردية في سوريا التي باتت تخضع لنوع من الحكم الذاتي بدعم أميركي، والعمل التركي لحماية المناطق «التركمانية» في سوريا، وبالتالي الوصول إلى منطقة نفوذ تركي ليس بالضرورة أن تكون الآن المنطقة الآمنة التي تطالب بها تركيا منذ زمن طويل، ولكنها تمهّد لذلك، وأميركا الرافضة للمنطقة الآمنة الآن، موافقة على ضمان سلامة المواطنين«الأتراك» في المنطقة المذكورة، وهي تدعو بلسان جون كيري إلى مواجهة «داعش» من خلال قوات عربية – كردية وذهب أبعد من ذلك بدعوى المعارضة إلى المشاركة مع النظام في هذه المواجهة! وهذه الدعوة ليست جديدة، بل كان قد أعلنها أوباما منذ سنتين عندما دعا الطرفين إلى محاربة «داعش»!

والحديث اليوم عن قوات برية، ينطلق من استحالة تحقيق انتصارات من الجو فقط رغم آلاف الغارات التي يشنها الروس والأميركان ومن معهم، وبالتالي ثمة ضرورة للإجابة عن سؤال: كيف يمكن هزم «داعش» ومن يملأ الفراغ بعد إلحاق الهزيمة به؟ هل يمكن أن يقبل الناس بوجود «جيش النظام» مثلاً مدعوماً من هذه القوى المشاركة ضد «داعش»؟ أو بوجود قوات «إيرانية» وميليشيات حليفة لها؟ بالتأكيد لا. لذلك ينبغي تحضير قوات عربية (سُنية) وكردية للمواجهة ولملء الفراغ. وهذا بحد ذاته تحدٍّ كبير لأن ثمة مشاكل كبيرة بين الفريقين، وأبلغ دليل على ذلك، استبعاد قوى كردية أساسية ذات نفوذ على الأرض من المشاركة في مؤتمر المعارضة في السعودية لتشكيل وفد واحد للمفاوضات المرتقبة بعد قرارات مؤتمر فيينا! والسعودية لا تزال تتمسك بموقفها الداعي إلى رحيل الأسد ضمن مرحلة زمنية محددة، ولا يوافقها كثيرون موقفها هذا، وهي ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما أعلن وزير خارجيتها: إن الأسد سيرحل إما بعملية سياسية أو بالعملية العسكرية.

في سياق متابعة هذه المواقف والتطورات بتعقيداتها المختلفة الواقعية والموضوعية والتي تفاقمت بعد إسقاط الطائرة الروسية من قبل الأتراك، وبموازاة ما يجري في العراق، تبقى الحرب مفتوحة والنزف مستمراً والضياع والتخبط سيدي الموقف في السياسات الغربية وتبقى إسرائيل المستفيد الأكبر من كل ما يجري، مرتاحة إلى تنسيقها التام مع الروس بما يضمن حرية حركتها في استهداف كل ما تراه ضروري لحماية أمنها ومصالحها الاستراتيجية على الحدود مع سوريا، والعلاقات مع أميركا التي تطورت كثيراً في الفترة الأخيرة، وبلغت حد اتهام جون كيري الفلسطينيين المتصدّين للإرهاب الإسرائيلي بالإرهابيين مبرئاً إسرائيل من كل ما تقوم به!