الخبيـر الاقتصادي الدكتـور كمـال حمدان: عدم نضوج الوعي قد يحول الحراك الى فوضى (5/2)

في قراءته وتقييمه للحراك العربي، ونجاحاته وإخفاقاته، مروراً بما يشهده لبنان من حراك، رأى الخبير الاقتصادي الدكتور كمال حمدان ان “الحراك العربي الذي بدأ في مكان، وانتهى في مكان”، و”نجح في كسر حاجز خوف الشعوب العربية”، وبات الحاكم “يدرك انه قد يحاسب”، رأى ان هذا الحراك لن يزهر ويحقق الآمال الموعودة من دون عودة مصر بعلاقاتها الخارجية ودورها كقاطرة لهذا التغيير.

ولفت الدكتور حمدان في معرض حديثه إلى وجوب قيام توازن قوى جديد في المنطقة، يجمع القوى التقليدية والكتل الناشئة، شرط ان يعي العرب مصالحهم. الدكتور حمدان الذي ربط الحراك بوجود عوامل خارجية ترسم جغرافيا سياسية جديدة للمنطقة العربية، تحدث عن كل هذه الأمور لجريدة “الأنباء” الإلكترونية.

* بداية، ما هي العوامل التي ساهمت في انطلاق الحراك العربي؟

– مما لا شك فيه ان هذا الموضوع يحتاج لمجالات كبيرة للحديث عن كل تفاصيله ومفاصله، لوجود عوامل خارجية، ترسم جغرافيا سياسية جديدة للمنطقة، ومصالح كتل بحجم ووزن سياسي واقتصادي على مستوى بلدان، مقابل نمو كتل أخرى تخرج من تبعية نظام الاستقطاب الواحد. إن الجانب الخارجي مهم جداً، لا سيما وانه مرتبط بالسمة الخاصة للمنطقة، كمالكة لأكبر الموارد كالنفط والغاز، سواءً المكتشف منها للآن تجارياً، أو سواءً للبلدان الجديدة الوافدة للانضمام إلى الدول المنتجة للنفط كسوريا ولبنان وفلسطين، وربما تركيا وغيرها. إن هذا البعد الخارجي أساسي جداً، وكان لا بد لي من الإشارة إليه، قبل الحديث عن العوامل الداخلية لتقييم الحراك.

* بعد هذه المقدمة المعبرة، ما هو تقييمك للحراك العربي الذي بدأ بتونس ولم ينته بعد في غيرها من الدول العربية وأبرز عوامله الداخلية؟

– إن هذا الحراك العربي بدأ في مكان وانتهى في مكان آخر. بدأ بشعارات ضد الاستبداد، والتسلط، والقمع المقترن بالبطالة والفقر، وتدهور الأحوال المعيشية. وبدأ من خارج مبادرات التشكيلات الحزبية المعروفة، فانطلق من الشارع بشكل عفوي مع طغيان شبابي لدرجة كبيرة في مجتمع عربي هو بالأساس فتي جداً، ويشكل نسبة كبيرة من المجتمع. إن هذا الحراك الذي بدأ من خارج الأحزاب التشكيلية، وبفئات عمرية شابة تنتسب إلى مروحة من القوى الاجتماعية بكل مراتبها، لم يقتصر على الفقراء والعاطلين عن العمل، بل كان هناك قسم كبير من الطبقة الوسطى التوّاقة لنظم حكم أكثر عدالة وشفافية، خاضعة للمساءلة والمحاسبة. غير ان تدخلات خارجية وداخلية لأجهزة كانت ممسكة بالسلطة، أكانت عسكرية أو سلطات ما دون الوطنية كانت تتغذى من تعدد الهويات والانتماءات القومية والإثنية والطائفية والمذهبية، وكانت تمسك لعقود بالامتيازات الأساسية، حين شعرت ان الحراك يهددها سعت أجزاء وفصائل للخروج من السفن التي تغرق، والإطلالة بأشكال جديدة، لإعادة احتواء الحراك، وتوجيهه وفقاً لمصالحها، أو لمصالح تطمح لتحقيقها في ظل المعطى الجديد.

Arab Spring

* مما سبق، إلى ما آل إليه الحراك بعد هذه التدخلات؟

– بعد كل الآمال الكبيرة، انتهينا في أكثر من بلد عربي إلى حروب أهلية متفجرة، كما هو الحال في ليبيا وسوريا واليمن، والى حروب أهلية كامنة إلى حد ما في العراق والبحرين ولبنان. إن تقييم الحراك بتقديري، يقضي بأن ينطلق من نقطة الثقل الأساسية، أي من مصر ام الدنيا، والوعود الهائلة، لرؤيتنا الملايين من البشر في الشوارع ولأيام ضد أعتى قوى قمع، واستطاعتها تغيير ثلاث رؤساء في غضون ثلاث سنوات، من حسني مبارك وصولاً إلى محمد مرسي. إن مصر هي المعيار والثقل، نظراً للوعود الهائلة التي حكي فيها، والى ما انتهى إليه الحراك بملء الفراغ بالعسكر، برغم كل الشعارات والوعود التي جاء بها السيسي. بقي هناك غصة عند شرائح واسعة من المشاركين بمختلف مراحل الحراك المصري. فمصر ليست بنجاح العسكر بملء الفراغ، لأنه، عندما نتحدث عن ثقلها وأهميتها، فإن المتغير الأكثر تساؤلاً هو استمرار أسر مصر، ومنعها من القيام بدورها المشع، الخارجي والإقليمي – العربي.

* ما الذي حال دون ان تتطلع بدورها المشع هذا من خلال الحراك الذي شهدته؟

– مصر لم تعد مصر منذ ان دخلت منفردة من تسوية مع الدولة الصهيونية. وبالتالي، عفت عن نفسها – ولإشعار آخر – عن القيام بالتزامات تعيد الاعتبار للمسألة القومية. إن مصر، وبمعزل عما انتهت إليه الوعود، لم تطلع بدور ونوعية التحولات التي حصلت فيها، ولم تضطلع بدور القاطرة، التي، كان يمكن ان تنتج عبر موجات سلسلة من التغييرات الجذرية في العالم العربي ككل. خرجت مصر من نظام الرئاسة الرسمي مع سقوط الرئيس جمال عبد الناصر في هزيمة 1967، وانتقلت، منذ ذلك الحين، دفة قيادة هذا النظام السياسي العربي إلى الخليج، ولا سيما السعودية المرتبطة بعلاقات عميقة وعريقة وعضوية، وأحياناً ملتبسة مع الولايات المتحدة الأميركية وسياساتها بالمنطقة. وبذلك، لم تخرج مصر من الطوق الذي وضعت نفسها فيه.

* فيما تتحدث عن ان الحراك بدأ بمكان وانتهى بمكان، ألا ترى انه حقق نجاح ما في هذه الدول؟

– من المؤكد ان هناك نجاحاً تحقق، وتمثل بكسر الشعوب العربية عقدة الخوف، وهذا نجاح هائل، وفرضت على الحاكم، أياً كان وإن كان العسكر، فرضت عليه إلى حد كبير وضع نفسه بشكل من الأشكال تحت المساءلة. عززت هذه الثورات والانتفاضات إدراك المواطن العربي عموماً والمصري  خصوصاً. بات يدرك هؤلاء حقهم بالرعاية الاجتماعية والصحية، والتعليم والنقل العام… ما يستدعي أي حاكم أخذ كل ذلك بالاعتبار. بات الحكم مسؤولية وحساب، واحتمال تعرض للمساءلة، كما بات الحكم برنامج يلبي حاجات فعلية للناس، وليس فقط خطاب سياسي. وهذا الأمر بجديد. الحراك نجح في تونس لوجود نقابات، وعدم وجود لعب على الانتماءات الاثنية المتعددة، ولأنه بلد بشريحة متوسطة الدخل. لكن، تبقى التجربة التونسية الفتية مهددة.

Tunis demonstrators

* وماذا عن الفشل؟

– الفشل الأكبر، وتالياً الخوف الأكبر هو بالوظائف التي أعطيت لظاهرة الدين والتدين، والتطييف المذهبي والبروز الديني لجزء من هذه الحراكات التي استخدمت كأدوات لإعادة رسم خريطة البلدان والمنطقة ككل. إن رفع المحددات الدينية الطائفية والمذهبية إلى أقصاها، ينطوي على خطر أكبر، وإن كانت هذه التيارات تنتكس من بلد إلى آخر، أي من اليمن إلى تونس ومصر، فيما الصراع مستمر في باقي البلدان بين هذه التيارات وقوى تطمح لتغيير ديمقراطي أكثر علماني وسلمي. إن هذا تحد كبير ومعطى جديد في أن يتم تجزأة شعوب المنطقة على أساس الانتماءات الأولى، ووعود تعبئ على أساس خلاف سياسي منذ 1500 سنة وليس ديني، ويوظف بإطار طقوس ومشاعر دينية نابذة للوحدة. وهذا، يشكل خطراً كبيراً، إذ ستبقى آثاره تتداعى إلى مستقبل غير قريب. لكن ما يطمئن بعض الشيء هو ان مصر التي هي الدولة الأكبر في المنطقة، حيدت نفسها، وتقف بـ”بوز المدفع” للتصدي للتيارات الإسلامية المتطرّفة، الأمر الذي يعرقل مهمة كتل أخرى في العالم العربي تحاول توظيف الظاهرة الدينية بحدها الأقصى. وبرأيي، سيكون لها دور أساسي في تعطيل المشروع القائم على دفع التصادم المذهبي – الطائفي إلى نهايات لا أفق لها، على نحو يذكرنا بحرب المئة عام في أوروبا بالقرون الوسطى.

*علمياً، لمطلق أي حراك بهدف التغيير تتكون لديه خطة. فكيف تتشكل هذه اللحظة؟

– موضوعياً، عندما يتزامن القمع والاستبداد مع تدهور الشروط المادية لحياة المواطن العادية، وانتشار الفقر، وتفاقم البطالة خصوصاً بصفوف الشباب، والإقصاء الاجتماعي وعدم المساواة، وانعدام شبكات الأمان، واقتطاع جزء كبير من موارد الثورات الصالحة لأقلية مستظلة تحت جناح الحكم، أكان عسكر أو أمراء وملوك أو أجهزة حزبية، يكون الوضع مؤات جداً لتجسيد عملية التغيير. لكن، لا يكفي تضافر هذه العوامل لإنجاح فرص التغيير، إذ لا بد من العنصر الذاتي ان يكون جاهزاً، وبالمعنى الذي أشار إليه الفيلسوف غراشي، وما معناه ان تتشكل قوى اجتماعية خارج نطاق الاصطفافات البدائية، والهويات المصطنعة، والالتفاف حول برنامج للتغيير واضح وثابت وواقعي. عندما تتوفر هذه الشروط، وتنشأ مثل هذه التشكيلات بتيار شعبي عريض وواضح المعالم والبرنامج والأدوات، ووعي الناس لذاتها ودورها في التغيير، تتشكل عندها المقومات للحظة التأمل لنجاح عملية التغيير.

* هل يمكن اعتبار هذه المقومات أو المعادلة التي قدمت توفرت في البلدان التي شهدت حراكاً؟

– إذ أخذنا هذه المعادلة، وأجرينا مقاربة لكل بلد ببلده، نرى انه في بلدان كثيرة التسلط والاستبداد قائمان، بمقابل وسائل وألاعيب عديدة لمحاولة كسب الناس بالفتات، ومنع وعيها من التشكل كجزء من التحالف الشعبي العريض، عن طريق الوظيفة العامة، وسياسات الدعم، والولاءات المناطقية والهوية، والعلاقات عبر الأسر الممتدة والعشائر والمكارم التي يأتينا منها الكثير. يختلف الأمر من بلد إلى آخر، وبحسب قدرته وإمكاناته المالية، ومدى النظرة النافذة للحكام في محاولتهم حماية عروشهم وحكمهم، وإعادة توزيعهم ولو جزء بسيط من الناتج المحلي بأشكال مختلفة، بمرافق عامة ومساعدات سكنية وغذائية، لتعويد الناس على استخدام الخطاب الديني، والمراكز ومؤسسات التعليم لترويض الناس، وعدم إدراكهم لمصالحهم، ومنعهم من التشكل في حركة شعبية عريضة وديمقراطية.

إذا لم تتوفر لحظة التغيير للعنصر الذاتي تبقى حظوظ الحراك معدومة، وتنتج الأزمة نفسها. الشرط الذاتي أساسي، ليس للأحزاب السياسية فقط، إنما للنقابات المهنية العمالية، ومؤسسات المجتمع المدني، والفئات غير النظامية بالمجتمع، والتي لا وجود لها بسجلات إدارات المال والضمان، وليس لها تغطية صحية وتقاعدية، وجزء كبير منها يوصف على انها تعمل على حسابها بطريقة غير نظامية. يجب بناء التحالف الأكبر لهذه الفئات، ولكن ذلك لا يتم بلحظة، انما يبنى “لبنة فوق لبنة”، ومعارك فاشلة قد تقوي عوده بمعارك لاحقة. الوعي يبنى عبر التاريخ. لكني أجزم، وللأسف، ان هذه المعادلة بمعظم الدول العربية ليست حاضرة بالنضوج المطلوب لإحداث التغيير.

* لبنانياً، أين يلتقي الحراك الراهن بالحراك العربي؟ وبما يختلف عنه أو يميّزه؟

– إن حراك لبنان هو جزء من الحراك العربي، لكنه يختلف كثيراً عنه، لأنه أول محاولة جدية منذ عقدين للخروج من الثنائية السياسية التي جرى تفنن فيها لدفع التوظيف السياسي بالطائفية إلى أقصى الحدود. يقوم الحراك اللبناني كنتيجة لعدم قيام الدولة بوظائفها الأساسية، أي بناء المرافق العامة وتأمين المواصلات والخدمة العامة، وإعادة توزيع أجزاء من الدخل عبر السياسات الضريبية، ووضع شبكات أمان اجتماعي ونظم تقاعد وحماية صحية، وتعليم وسكن. فالدولة تعيد انتخاب طبقتها السياسية كل فترة، وتتداول السلطة من دون محاسبة وموازنة. القضية في لبنان ليست قضية قمع واستبداد مباشر كما تعيشه شعوب الدول العربية وبدول أنظمة أجهزة مخابرات وأسر حاكمة وملوك. ان شعور الناس بعدم وجود دولة وتحولها إلى مرتع للاثراء غير المشروع، والفساد، والمحاصصة وتقاسم المغانم بين شرائح طبقة سياسية، بمقابل تراجع الطبقة الوسطى، وانهيار الطبقات دون الوسطى ومن هم في أسفل السلم الاجتماعي، هو المحدد الأكبر للحراك اللبناني.

إن لبنان، وبهذا المعنى، يختلف عن سائر الدول العربية، لأننا نواجه غياب الدولة. والحراك وإن لا يزال بنعومة أظافره مميز، لأنه بخلاف الحراكات العربية، لم تلعب القوى المرتدية زي الدين والطائفية دوراً أساسياً. ففي حين لحقت هذه القوى الحراك في تونس ومصر، وحاولت استيعابه، فإن هذه القوى في لبنان لم تبادر للحاق به أو لاستيعابه، وهذا الأمر، اعتبره عنصر قوة كي يستطيع الحراك طرح برنامج عمل لفئات كثيرة، بعدما خضعت غالبها لغسيل دماغ لغياب الدولة ومرافقها وخدماتها، والتحاقها بطوائفها من موقع انتهازي وتحاصصي زبائني، ولا تستفيد من الفتات.  بالمقابل، نشهد عدم توفر الشروط العادلة للحياة اليومية المعرضة للبطالة وهجرة غالبية أبناء الطبقة الوسطى بفعل الوضع الاقتصادي المتردي، ووجود لبعض الجزر القائمة والمسيرة للبلد والمسؤولة عن أزمته. والمثال على ذلك، التحالف المصرفي – العقاري الذي يعطي البلد، وترتمي بأحضانه زعامات سياسية وطائفية.

الحراك

* وهل تعتقد ان الحراك اللبناني سيشهد تطوراً ما؟

– قد يشهد الحراك تطوراً لن يخلو من صعود وهبوط، لكنه يبقى من أكبر الحراكات التي عرفناها منذ أعوام، مع حملات “الشعب يريد إسقاط النظام”. فالجيد فيه تفاعل قوى مختلفة غير نمطية معه، وتجديد الخطاب القائم يومياً، والإعتراف انه مختلف. انهم متفقون على فكرة الإصلاح وبناء الدولة، وإعادة الاعتبار للمرفق العام والخدمة العامة. لكننا، إذا دخلنا معهم بتفاصيل حول موقعهم من الصراع الإقليمي، قد نجد ان هناك من هم أقرب إلى التحالف الروسي – السوري – الإيراني، وآخرون بالمقلب الآخر. وبرأيي، انه من الذكاء بمكان، ان يجري تأطير جهود هذه القوى الاجتماعية على الأجندة اللبنانية، وبتلك التي لها علاقة بإصلاح الدولة، والابتعاد قدر المستطاع عن الخلافات الكبيرة القائمة حول قضايا سياسية وإقليمية، لأنه قد يكون المأمول به أكثر كي لا يضرب الحراك نفسه بالجدار، فيعود إلى حيث هو. لا يجب عليه الاكتفاء بطرح شعار إصلاح المرفق العام وجمع النفايات وإصلاح الكهرباء على أهمية كل ذلك، بل عليه ان يرتقي إلى موقف جامع، ومتفق عليه، نحو مطلب أساسي له علاقة بتغيير قانون الانتخاب. كخبير اقتصادي، أنا مقتنع بأن الدولة عاجزة عن إيجاد حلول للمشاكل التي من أجلها نزل الناس إلى الشارع. وبهدف حل كل هذه المشاكل، وتفادياً لما يعطى من آمال كاذبة، يجب مصارحة المواطنين. وبالمقابل، فإن المصالح التي يصارع من أجلها الحراك لا يمكن تحقيق الغالب منها الا بقانون انتخابي، هو موضوع جدال، على ان يكون قدر المستطاع خارج القيد الطائفي، وقائم على أساس النسبية.

* أيمكن القول ان الشعب العربي بات واعياً بما فيه الكفاية لقيادة حراك يؤدي إلى التغيير؟

– أربط ذلك بمصر، إذ من دون تحول حاسم فيها باتجاه ديمقراطي حقيقي، واستعادتها لوظائفها في السياسة الخارجية كمظلة وقاطرة للتحولات في العالم العربي، سيبقى أفق التغيير في بلداننا محدود إلى حد ما. لكن، لا يكفي ان تستعيد مصر وهجها من دون قيام توازن دولي أكبر في العلاقات بين الأقطار الدولية المختلفة . إن السيطرة الغربية والأميركية الأحادية منذ 70 عاماً، لم تحل مشكلة فلسطين، ولم تساعدنا في كسب المشكلة الديمقراطية برغم تبججهم بشعاراتهم وتسويقها عبر منظمات دولية، ولا بحل مأساة العراق التي سقط فيها آلاف القتلى بفعل أكاذيب انطوني بلير وغيره. فأحداث العراق أنتجت “داعش” وأسست للصراع السني – الشيعي. اننا، امام هكذا قضايا فظيعة، لا يمكننا العيش بالهوى الأميركي الذي يتغير من إدارة لإدارة فيما يبقى ثابتاً بجوهره، أي المصالح الكبيرة للشركات المتعددة، والمجمع العسكري والصناعي والنفطي، الذين هم أساس الإدارة الأميركية ويقررون المصالح.

إن أفق التغيير بالمنطقة مرتبط بتغيير في توازنات القوى الدولية، لصالح توازن أكبر بين الكتل التي سيطرت منذ مئة عام إلى الآن، وبين كتل تنشأ بشكل تدريجي، والمستقبل أمامها، لنتحول إلى عالم متعدد الأقطاب بدلاً من عالم واحد. وهنا، إذا كان العرب واعون لمصالحهم، فإنهم في ظل عالم متعدد الأقطاب، من الممكن ان يحسنوا شروط العلاقة مع الساحة الدولية، بالسياسة والاقتصاد والمبادلات، انطلاقاً من وعيهم لمصالحهم، وبوجود برنامج عمل واضح، وتوازن أكبر بالعلاقات الدولية. إذا ما تحقق كل ذلك، عندها نتحدث عن وعي كاف.

* يبقى، متى يتحول الحراك إلى فوضى؟

– عندما لا يتوفر الشرط الذاتي، أي عدم نضوج الوعي، هناك مخاطر لتحول الحراك إلى فوضى.

 —————————-

(*) نضال داوود