“يديعوت أحرونوت”: بين روسيا وتركيا: نحن إلى جانب بوتين

 ذكّرني التوتر الناشئ بين روسيا وتركيا بلقاءين أجريتهما قبل سنوات، الأول مع روسي والثاني مع تركي، يمكن أن يلقيا الضوء على زاوية إضافية من سلوك الدولتين.

 قبل 11 عاماً جاء إلى إسرائيل رئيس معهد أبحاث روسي، وفي الاجتماع الذي حُدد لي معه بوصفي رئيساً لمعهد الأبحاث القومي ومع أطرف إسرائيلية أخرى، قال إن الخطر الأكبر على السلام في العالم هو قيام “داعش”. صحيح أن اسم “داعش” يومها لم يُذكر، لكن الظاهرة التي تمثلها “داعش” تكلم عنها الباحث الروسي بدقة مدهشة. تحدث عن قيام خلافة إسلامية في العراق الآخذ في التفكك، خلافة ستحاول السيطرة على الشرق الأوسط، ومن هناك تمدّ أذرعها شمالاً من طريق الجمهوريات الإسلامية للاتحاد السوفياتي سابقاً نحو روسيا. وفي موازاة ذلك، ستحاول استغلال ضعف الغرب كي تتوجه نحو أوروبا. وكان الاستنتاج الذي توصل إليه هذا الشخص هو أن لإسرائيل وأوروبا عدواً مشتركاً وأن هناك مصلحة عليا مشتركة في الانتصار على هذا العدو.

 وفي لقاءات عقدتها مع جهات روسية رسمية أكثر، كرر هؤلاء أمامي ادعاءات مشابهة موجهين انتقاداتهم إلى “الحرب الحمقاء” للولايات المتحدة ضد العراق ووصفوها بأنها عامل مسرّع لهذا الأمر.

 وقبل ذلك بعام التقيت شخصية تركية رفيعة، كانت العلاقات التركية – الإسرائيلية في ذروتها في ذلك الوقت، وحدثني ذلك الشخص بصراحة عن العقيدة القومية التركية قائلاً: “من الواضح لنا أننا لن نستطيع استعادة المناطق التي سيطرت عليها السلطنة العثمانية حتى سنة 1917، لكن لا تفكروا أن الحدود التي فرضت علينا في نهاية الحرب العالمية الأولى من جانب الدول المنتصرة – بزعامة بريطانيا وفرنسا – مقبولة لدينا”. وتابع: “ستجد تركيا وسيلة لاستعادة حدودها الجنوبية الطبيعية التي هي الخط الذي يربط بين الموصل في العراق وحمص في سورية. إن هذا تطلع طبيعي ومحق ومدعوم بوجود أقلية تركمانية كبيرة في هذه المنطقة”.

نستطيع أن نستنتج ثلاث مضامين لدى الربط بين الاجتماعين اللذين جريا في ذلك الحين والواقع اليوم: الأول، إن روسيا توقعت منذ وقت طويل نشوء “داعش”، وتعتبر التنظيم خطراً استراتيجياً من الدرجة الأولى. ثانياً؛ إن الروس على حق في أن يتوقعوا من الغرب أن يتبنى الأولوية التي يتبنونها في القتال، أي يجب قبل كل شيء التعاون من أجل الانتصار على “داعش”، وفقط من بعد ذلك التفرغ لحل الخلافات الداخلية. ثالثاً؛ تركيا دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، لكنها بدلاً من العمل من أجل المصالح المشتركة للحلف، فإنها تجر الحلف إلى الدفاع عن مصالح تركية- بما في ذلك المس بالأكراد وهم الطرف الوحيد الذي يقاتل “داعش” على الأرض، كما تستفز روسيا بصورة لا لزوم لها.

 وبحسب اتهامات الرئيس الروسي بوتين فإن تركيا تقدم مساعدة اقتصادية إلى “داعش”.

 الخلاصة يجب أن تكون واضحة، وهي أن الخطر الذي يمثله تنظيم “داعش” بإيديولوجيته التوتاليتارية شبيه بالخطر الذي كانت تمثله ألمانيا النازية.

 إن التنسيق بين روسيا والغرب ليس شرطاً كافياً لنجاح هذه الحرب لكنه شرط ضروري. ويبدو أن من يفهم ذلك كما يجب هو الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ونأمل أن ينجح في أن يدفع حلف شمال الأطلسي إلى لجم الأتراك وتوحيد الصفوف مع روسيا. ويبدو أن لإسرائيل مصالح متناقضة في هذه المسألة، لكن من المفيد أن نفكر بما سيكون عليه وضعنا إذا قوي “داعش” وسيطر على سورية والأردن وسيناء. وحتى بالنسبة إلينا الخلاصة واضحة: يجب الانتصار على “داعش” أولاً.

———————————–

(*) مؤسسة الدراسات الفلسطينية