سلسلة الرتب والرواتب ُأجّلت أم… طارت؟!

ربيع كمال الدين (الأنباء)

لا شك بأن الذهول والخيبة هما أكثر ما أصاب جمهور “السلسلة” من ردة الفعل والخطوات الهشة التي اتخذتها هيئة التنسيق بكافة مكوّناتها إثر “حذف” بند السلسلة عن جدول أعمال الجلسة الأخيرة لمجلس النواب. أين هيئة التنسيق؟ أين التهديد والوعيد بأكبر التظاهرات إذا لم ُتدرج؟ أين الأساتذة، الموظفين وكافة العمال والمستخدمين؟ لا شيء، مرّ قرار الحذف الذي جاء بتوافق بين كل القوى السياسية تقريباً مرور الكرام، ولم يحرك أحداً ساكناً. إنما السؤال الأكبر هو كيف ولماذا ولأية أسباب جاء هذا السكوت؟

إذا عدنا بـ “قصة” السلسلة قليلاً إلى الوراء نلاحظ وبوضوح أن لا أحد من القوى السياسية الأساسية يريد هذه السلسلة كما تطلبها هيئة التنسيق أو حتى كما هي حالياً، باستثناء بعض القوى التي تعمد في مثل هذه القضايا إلى “تبييض الوجه” كونها أصلاً غير معنية كثيراً بمالية أو إقتصاد الدولة وتسعى دائماً إلى الظهور بمظهر المدافع عن حقوق العمال دون تقديم أو إقتراح خطط وحلول جدية لمصادر التمويل وكيفية الحفاظ على الإستقرار الإجتماعي ، المالي والإقتصادي في حال إقرارها كما هي، وأبرز هذه القوى هو حزب الله وبعض الفعاليات والقوى اللصيقة به.

بدأ “الخطأ الاستراتيجي” بموضوع السلسلة في العام 2011 عند إقرارها في مجلس النواب لفئة القضاة ومن بعدها في العام 2012 لفئة أساتذة الجامعة بنسبة زيادة وصلت إلى حوالي الـ 120%، على رغم إعتراض قوى سياسية أساسية على ذلك وتنبيهها من مخاطر هاتين الخطوتين على المالية العامة والإقتصاد بشكل عام وما قد ينتج من بعدهما من مطالبات ستوصل البلد إلى وضع مأزوم، ولا يغيب عن بال أحد كلمة الرئيس السنيورة الشهيرة التي قالها لمجلس النواب حينها ” لقد فتحتم أبواب جهنم على الدولة”. إذاً ما كان متوقعاً قد حصل، كرّت السبحة وأصبحت المطالب تطال كافة فئات العاملين والموظفين في الدولة اللبنانية في القطاعين العام والخاص، والكل يطالب بمساواته بغيره وهكذا دواليك، وأصبح الجميع (من القوى السياسية) يتقاذف كرة النار فمن إقرارها في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وتحويلها إلى مجلس النواب ومن ثم سحبها وإعادة تحويلها إلى اللجان، إلى إعادة إقرارها وتحويلها مجدداً إلى المجلس وقيام هذا الأخير بدرسها بشكل متكرر في لجانه الفرعية ولم يبق لها سوى الإقرار في الهيئة العامة ، إلا أنه وكما يبدو أصبح الجميع مقتنعاً بأن إقرار السلسلة بشكلها الحالي سيؤدي إلى خراب البلد إقتصادياً ومالياً، فالتمويل لم يؤمن بشكل واقعي، المالية العامة لن تتحمل مزيداً من العجز في بند الرواتب حيث من الممكن أن يرتفع بنسبة 40%، أضف إلى أن الهيئات الإقتصادية لن تقبل بها كما معظم المؤسسات الخاصة لا سيما المدارس.

في الواقع، وكموظف سابق في السلك العام وباحث في القضايا الإقتصادية والمالية من خلال الدراسات التي أجريها في أطروحتي لنيل شهادة الدكتوراه، فإنني مع الرأي القائل بأن أرقام هذه السلسلة لا سيما بعد الإنخفاض الحاد في أسعار المحروقات غير واقعية ومضخمة بشكل كبير وقد تؤدي إلى تضخم جامح يطال القدرة الشرائية لمختلف فئات الشعب اللبناني. فمع محبتي وتقديري لمختلف العاملين والموظفين في كافة القطاعات ونقاباتهم، إلا أنه لا يمكن أن تكون النسبة التي إحتُسبت في العامين 2011 و2012 وُقدرت بـ 121% هي نفسها اليوم، فسعر قارورة الغاز على سبيل المثال إنخفض حوالي النصف وكذلك سعر تنكة البنزين، ولحقتهما فاتورة مولد الكهرباء (الإشتراك) وغيرها، كما أن بعض المواد والبضائع إنخفضت منذ ذلك التاريخ بشكل ملموس ولعدة أسباب كالإنخفاض الكبير في سعر صرف اليورو أو التعثر في تصدير المنتوجات الزراعية وغيرها الكثير…

أيها السادة، إن الرجوع عن الخطأ فضيلة ولا بد لصوت العقل أن يعلو على الغوغائية والتسرّع. فعلى كافة فئات هيئة التنسيق القبول بإعادة “ترشيد” وإختزال لبعض أرقام السلسلة، على أن يصار إلى إعادة طرح الموضوع بشكل “سلة متكاملة” تتضمن إعادة بحث السلسلة لفئتي القضاة وأساتذة الجامعة في الهيئة العامة لمجلس النواب وإقرارها بشكل عادل، واقعي ومتساوي للجميع. فجميعنا على سفينة واحدة وإن غرقت لن ينجو منها أحدأً.