عون وجعجع والتسوية

د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

مُعظم الأطراف السياسية اللبنانية تلقفت جدية الكلام عن التسوية، وقد تعاملت مع هذا الكلام بواقعية أكثر بعد الإشارة التي أطلقها السيد حسن نصرالله في خطابه الذي أعقب التفجير الإرهابي الذي إستهدف برج البراجنة، وسجل فيه تراجع واضح عن الثوابت التي كان قد أعلنها في خطاباته السابقة، لا سيما فيما يتعلق بالملف الرئاسي، وفي التراجع عن مهاجمة دولة إقليمية فاعلة معنية بلبنان، وللبنان مصالح كبيرة معها.

حوَّل الرئيس سعد الحريري الكلام عن التسوية إلى مبادرة، وتبين أنها تحمل موافقات ضمنية مُسبقة من أطراف داخلية وخارجية، وهي جديَّة جداً، ويمكن لها أن تُشكِّل مخرجاً من المأزق الذي تعيشه البلاد من جراء الفراغ والشلل في مؤسسات الحكم الرئيسية.

وبصرف النظر عما أُعلن من تحركات في إتجاه تنفيذ المبادرة – أو ما بقي منها في السر – فإن إجتماع الرئيس سعد الحريري مع النائب سليمان فرنجية في باريس، كان مُثمراً، وفقا لوصف مصدر مُطلع. وعلى ضوء هذا اللقاء حصلت إجتماعات في باريس ضمَّت الحريري مع رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط ومعه الوزير وائل أبو فاعور من جهة،  والحريري ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل من جهة ثانية.

وأعقب هذه الاجتماعات مروحة واسعة من الاتصالات الهاتفية شملت العديد من القيادات السياسية في بيروت، خصوصاً مع الرئيس نبيه بري، ومع قيادات أساسية في قوى 14 آذار.

توليفة التسوية الرئاسية جاهزة وقابلة للتطبيق – وفقاً لتأكيدات مراجع مواكبة – ويمكن لهذه التوليفة أن تتجاوز الكثير من نقاط التعقيد المُرتبطة بالتطورات الساخنة في المنطقة – تحديداً منها الناتجة عن إسقاط الطائرة العسكرية الروسية فوق الأراضي التركية – كما أن نجاح عملية إنتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية ستؤدي – فيما لو حصلت – إلى إراحة الاجواء المُتعلقة بالاتفاق على قانون جديد للإنتخابات، وإطلاق عجلة العمل التشريعي في مجلس النواب، وربما؛ زيادة وتيرة تصريف الأعمال لدى حكومة الرئيس تمام سلام.

أوساط سياسية مواكبة عن كثب لما يجري من إتصالات، ترى أن الإسراع في تنفيذ مبادرة الرئيس سعد الحريري الرئاسية، متوقفٌ بالدرجة الأولى عند قراري العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، لأن أصحاب المبادرة حريصين بالمقام الأول على إرضاء الفريقين، ولكون كل من عون وجعجع مرشحان متنافسان على المنصب.

مما لا شك فيه أن التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية مُحرجان إلى أبعد الحدود في التعامل مع المبادرة، ففرنجية حليف لعون، وكان محسوباً على ذات الفريق السياسي، وهذا يفرض على عون مراعاة الموقف من الناحية الأدبية على الاقل. أما جعجع؛ فهو يتهيب الموقف، لأنه قد يُتهم بتضييع فرصة ذهبية لإنهاء الشغور الرئاسي الحاصل منذ سنة وستة أشهر، وهذا الموقف بدوره سيُحرجه في الشارع المسيحي المُتلهِف لرؤية رئيس عتيد للبلاد.

تأييد حزب الكتائب للمبادرة الرئاسية – رغم بعض الشروط – إنطلاقاً من حماسته لإنهاء الفراغ، وكذلك الأمر الارتياح الذي بدا في أوساط الكنيسة، مُضافين إلى تأييد مجموعة من النواب المُستقلين كل ذلك يزيد من حراجة التعاطي مع الموضوع عند الحليفين اللدودين – أي عون وجعجع – لأن عرقلة التسوية ستنعكس سلباً عليهما، مهما كانت النتائج.

فإذا سقطت المبادرة لا يمكن لهما أن يبقيا مُرشحَين أساسيَين، لأنهما سيخسران الكثير من الحلفاء على ضفتي الانقسام اللبناني، وربما ينعكس الأمر أيضاً على تدني مستوى شعبيتهما. وإذا نجحت المبادرة، وإنتخب فرنجية – وهذا مُرجح أن يحصل – سيكون الرئيس العتيد وصل إلى بعبدا من دون اية مساعدة من قبلهما، وهذا بالتأكيد سيؤثر على علاقاتهما المُستقبلية معه، برغم تأكيد فرنجية أنه سيضع فواصل جدية بين عمله كزعيم في منطقة الشمال وبين عمله كرئيس للجمهورية، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على صداقاته الشخصية، وهو سيفصل بين العلاقات الشخصية والعلاقات السياسية.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

التوازن السياسي في لبنان

قراءة مختلفة لأحداث الأسبوع اللبناني الطويل

انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه

هل هناك ما هو أبعد من تمثيل نواب «سنة 8 آذار» في الحكومة؟

الرأي العام اللبناني لا يريد التصعيد السياسي

هل انقلبت صفحة التفاؤل.. أم أن التعقيدات غيمة خريف وستنجلي؟

استحقاقات لبنانية داهمة

عن نظرية عدم حصرية تمثيل الطوائف في الحكومة

عن خطورة وخلفيات ما حصل في المطار

لقاء بكركي الذي حرّك السواكن الحكومية

ماذا تقول أوساط معارضة عن الأحجام السياسية؟

مصالح لبنان في سورية ومصالح سورية في لبنان

مواقف في خطاب عيد الجيش

ما مبررات مواقف «الاشتراكي» و«القوات» من تشكيل الحكومة؟

عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية

عن إشكالية حصة الرئيس الوزارية

عوامل التفاؤل والتشاؤم

مرحلة ما بعد الانتخابات والأحلاف السياسية

عن الآثار السياسية لاستبعاد النائب أنطوان سعد

لبنان: الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية