إسرائيل وهجمات باريس

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

قرأت تعليقات واستمعت إلى مقابلات وتحليلات كثيرة في أوروبا وخصوصاً في فرنسا بعد هجمات 13/‏‏11/‏‏2015 الإرهابية التي استهدفت باريس. كلها تحدثت عن السلام في الشرق الأوسط وركّزت على «داعش». دعت إلى مواجهة سياسية فكرية ثقافية واستراتيجية، بعضها أكد أن الحل لا يكون أمنياً فقط، وأن كل التجارب والضرب بالطيران والعمل الأمني لا يمكن أن يؤدي إلى حرب رابحة. قال بعض السياسيين وهم قلة وعلى رأسهم دومينيك دوفيلبان: «هذه حرب خاسرة».

الموضوع ليس هنا على أهميته. ما لفتني في كل المتابعات وربما فاتني شيء، أنني لم أسمع كلمة عن فلسطين وعن الإرهاب الإسرائيلي وضرورة التصدي له وتحقيق السلام في فلسطين على قاعدة إعطاء الفلسطينيين حقوقهم باستثناء ما قالته وزيرة خارجية السويد. سمعنا من نتنياهو وأركان عصابته، ومن بعض خصومه أن المطلوب التصدي لـ«الإرهاب الفلسطيني» ضد الإسرائيليين! وإذا كان البعض لا يلوم الغرب أو أوروبا تحت وقع الصدمة أو لسبب سياسي مقصود أو بسبب عدم وجود قراءة سياسية شاملة للأحداث وأسبابها وجذورها وخلفياتها، فإنني لم أسمع إلا القليل القليل من الأوساط العربية كلاماً عن الموضوع ذاته. هذا أمر خطير، مرعب ومقلق. نحن نذبح من قبل الإسرائيليين، ومن التطرف والعنصرية، والإرهاب والاستبداد والظلم، والشعب الفلسطيني بائس يائس لا يرى أمامه إلا المقاومة ولو بالحجر والسكين يصبح هو الإرهابي وتصبح إسرائيل الضحية. والملاحظ أن نتنياهو غيّر هذه المرة خطابه في توجهه نحو الفرنسيين ولم يفعل ما كان يفعله سابقاً وخصوصاً عند استهداف صحيفة «شارلي إيبدو» ومشاركته في المظاهرة الشهيرة في باريس، ودعوته يهود فرنسا إلى العودة إلى ديارهم الأولى. هذه المرة قال: «رسالتي هي التصرف وفق توجيهات السلطات هناك. ونحن طالبنا بتشديد الحراسة حول المؤسسات اليهودية. أعتقـد أن كل يهودي، إذا اختار ذلك، يعرف أنه يوجد له بيت هنا في إسرائيل. وإذا اختار البقاء في فرنسا، فأنا متأكد من أنه سيفهم بأن حكومة فرنسا تتجنّد لمحاربة وباء الإرهاب عامة والهجمات ضد اليهود خاصة. أتوقع دعم إسرائيل عندما تحارب الإرهاب كما تدعم إسرائيل فرنسا وكل الدول الأخرى»! وعلى هذا الأساس دعا إلى التنديد بقوة بكل «العمليات الإرهابية التي ينفذها الفلسطينيون ضد إسرائيل، تماماً كما يجب التنديد بالهجمات في باريس». وجدّد «النفي أن المستوطنات أو الأراضي المحتلة هي سبب العمليات التي ينفذها الفلسطينيون. المسؤول هو الإرهاب نفسه»! وطبعاً كأن هذه العمليات ولدت من لا شيء ! لا سبب لها!

هذه هي طبيعة الشعب الفلسطيني في نظر هذا الإرهابي العنصري الذي يتطلع إلى استغلال كل شيء لإقامة دولته اليهودية الكاملة المواصفات التي حددها! وعلى هذا الأساس هو يستهدف المسجد الأقصى ويدفع الأمور نحو حرب دينية، فيستفيد من مجريات الأحداث في أوروبا ومن احتمال ذهابها نحو مثل هذه الحرب ليبررّ كل سياساته، ويكرّس ما يقوم به. وهذا ما عبّر عنه بوضوح وزير داخليته موشي يعلون: «ستغير الدول الأوروبية التوازن بين المحافظة على الأمن والمحافظة على حقوق الإنسان. وليس أمام الدول التي تكافح خيار الإرهاب، إلا خيار نقل التوازن لمصلحة الأمن»!

أما وزيرة الخارجية السابقة والقيادية في «المعسكر الصهيوني» تسيبي ليفني فقالت: «العالم بعد هجمات باريس انقسم إلى قسمين: الأول هو الضحية التي تعاني، والثاني هو من أعلن الحرب على العالم الحر. ما يجب فعله الآن هو الاختيار بين الوقوف إلى جانب الإرهاب بكل تنظيماته وأفكاره ونشاطاته أو الوقوف ضد الإرهاب، ولا يوجد موقع وسط بين الاثنين».

هذا ما يتعلق بالغرب. أما عن روسيا التي تقاتل بشراسة في سوريا ضد «داعش»، وتتحدث عن تحالف دولي لمواجهة الإرهاب، وبدأت دول كثيرة تتفاعل مع فكرتها، فإن الخبير الروسي الإسرائيلي أفيجدور إيسكين تحدث بغبطة عن «التطور التاريخي» وهو «تحالف عسكري يعدّ سابقة منذ تأسيس دولة إسرائيل» في مواجهة «تخبط سياسات الإدارة الأميركية». وقال: «ثمة ارتياح متبادل بين روسيا وإسرائيل إلى مواقف الطرفين من الأزمة السورية»، مشيراً إلى أن «عدم التدخل الإسرائيلي مع محاولة دعم نظام بشار الأسد في شكل حذر سهّل للإسرائيليين القيام بمناورات». ويقابل ذلك «تدخل عسكري روسي ضد الإرهابيين يعزز حرب إسرائيل على كل المنظمات الإرهابية في المنطقة»! وأشار إيسكين إلى أن نتنياهو وبوتين اتفقا خلال لقائهما على «أن دعم الرئيس الشرعي المنتخب (الأسد) يجب أن يترافق مع عدم السماح بتحقيق حزب الله «مكاسب معنوية أو ميدانية»!

وترافق هذا الكلام مع كشف إسرائيل معلومات تفيد أن ثمة تبايناً بين روسيا وطهران حول مستقبل الوضع في سوريا. كما تحدث مسؤولون إسرائيليون عن «الجارة الشمالية»، التي نختلف معها حول أمور في سوريا كما قالوا! ومع تمرير موقف لوزير المصالحة الوطنية في سوريا علي حيدر يرفض فيه الجدول الزمني لبيان فيينا، قائلاً: «ليس مسموحاً لأحد أن يضع أجندات زمنية إن كان صديقاً أو عدواً أو أن يقول ما الذي يجب أن يتغيّر أو يغيّر في سوريا بالبنية والآليات»! ثم شدّد الأسد على أن الجدول الزمني يبدأ بعد التخلص من الإرهاب. مجدداً نحن أمام «المنشار» الإسرائيلي الذي يأكل في كل الاتجاهات!