طعنة في الظهر والصدر!

جليل الهاشم

عندما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى إستقباله الملك الأردني عبد الله الثاني أن إسقاط الطائرة الحربية الروسية في شمال سوريا طعنة في الظهر كان يقصد ذلك فعلياً. لم يكن يدور في خلد الزعيم الروسي أن يصل الأتراك إلى هذا الحد فيقومون بإطلاق الصواريخ على طائرة حربية تعبر المنطقة الحدودية فيسقطونها.

كان يعتقد أن الأمور ستبقى ضمن حدود توجيه الملاحظات والإنذارات كما جرى في أوقات سابقة خصوصاً أنه ليس للروس أهداف داخل تركيا ولا يريدون خوض مواجهة معه. كما أن الرئيس الروسي لم يفكر يوماً أن تركيا التي يعتبرها الشريك التجاري الأول لبلاده في الشرق الأوسط يمكن أن تغامر بهذه الشراكة وتوجه ضربة مهينة وتسقط طائرة تعتبر من مفاخر الصناعات الحربية الروسية.

بلغت التداولات التجارية بين تركيا وروسيا خلال الفترة الأخيرة نحو 35 مليار دولار وبلغ عدد السياح الروس الذين يقصدون هذا البلد أكثر من أربعة ملايين وهناك مشاريع مشتركة بين البلدين بأحجام كبيرة وتعتمد تركيا على حاجاتها من الغاز إستيراد 50 % من تلك الحاجات من روسيا. كل هذه الوقائع كانت تدفع بوتين إلى الإعتقاد أن الأتراك لن يذهبوا إلى ما قاموا به.

لذلك، بدا تعبير الطعنة في الظهر دقيقاً وحقيقياً لكن بوتين نسي أن ما يجري الحديث عنه هو السيطرة على مستقبل سوريا والتحكم به وهو يساوي بالتأكيد أكثر من 35 مليار دولار وأربعة ملايين سائح.

بوتين- اردوغان

عشية مؤتمر جنيف الثاني أسقطت الطائرة الروسية المدنية فذهب الجميع إلى المؤتمر الخاص بسوريا يدفعهم شعور التضامن مع الروس وضد الإرهاب وجهُد الروس خلال ذلك المؤتمر لفرض وجهة نظرهم القائلة بأن الحرب على الإرهاب لا تتم بدون دعم نظام الأسد وخرج المجتمعون بخطة المرحلة الإنتقالية التي تبقي مصير الأسد متلبساً.

ثم جاءت هجمات باريس عشية قمة العشرين في أنطاليا التركية لتدعم مرة أخرى وجهة النظر الروسية أو على الأقل هذا ما بدى للروس وانخرط قادة موسكو مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في إتصالات بدا وكأنها ستعود إلى تنسيق عسكري مباشر بين الطرفين في الأعمال الحربية على الأراضي السورية وتوج بوتين ما بدى له انتصاراً لسياسته السورية بزيارته إلى مرشد الثورة الإيرانة الإمام خامنئي …

هنا نضجت أسباب القرار التركي بتوجيه ضربة لهذا الروسي الذي يدافع عن الأسد ويمسك بالأرض ويتحالف مع إيران. لم يكن قرار أنقرة معزولاً بل بدى إن الإعداد له إستغرق وقتاً وكذلك إختيار لحظة التنفيذ قبل أيام إستدعت أنقرة القائم بالأعمال الروسي وحذرته من إقتراب الطائرات الروسية إلى منطقة التركمان وكرر القادة الأتراك عزمهم على إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري ووافقهم الأميركيون في ذلك وهم الذين رفضوا الفكرة سابقاً.

ولدى قيامهم بإسقاط الطائرة الروسية كانوا جاهزين لإبلاغ الأمم المتحدة ومجلس الأمن والحلف الأطلسي ولم يتكبدوا عناء توضيح المسألة لشريكهم الروسي في الإقتصاد والتجارة.

إنها ضربة في الظهر ولكنها في الصدر مباشرة تستهدف لقاء بوتين- خامنئي ونوايا التنسيق الفرنسي الروسي وإعادة جدولة أعمال مؤتمر جنيف فإما أن ترضخ روسيا للسياق العام وتجعل الأسد هدفاً وليس حليفاً وإما أن يتم التمديد للحرب السورية المفتوحة.