لا فرق في الإغتصاب بحراً أو بَرّاً وجواً

محمود الأحمدية

“خير للمرء أن يموت في سبيل فكرته من أن يعمر طول الدهر خائناً لوطنه جباناً عن نصرته”

(مازيني)

منذ عدة أيام تفاجأ اللبنانيون بالطلب الروسي المباغت: اقفال المطار لثلاثة أيام وتغيير مسار الطائرات الآتية والمغادرة تفادياً للمناورات العسكرية الروسية!! فأصبح اللبنانيون في حيرةٍ

من أمرهم بهذا التصرف الروسي الفج وكانت ردة الفعل الأولى من قبل النائب وليد جنبلاط عندما قال: “أرجو ألا نتحول إلى حي من أحياء موسكو وهناك حد أدنى لإحترام السيادة اللبنانية ولا ندري هل يعلم وزير الخارجية بهذا الأمر ونعم الزيارة لموسكو” وكأن الوطن لا ينقصه مصائب ومفاجآت وتراكمت عليه من جميع النواحي في الشهرين الأخيرين: من النفايات إلى انفجارات الضاحية ثم أخيراً الأمر العسكري الروسي: أقفلوا المطار ثلاثة أيام!!

وتحسس كل لبناني رقبته وجبهته وفرك عيونه غير مصدق واحتار كيف يفسر الأمور وسأل نفسه: هل يتجرأ الروس ويتصرفوا بنفس الطريقة المذلّة مع الأردنيين في حقل عملياتهم؟

أو هل يتجرأون إلى مجرد التلميح مع الأتراك؟! وبما أن الشيء بالشيء يُذكر وبعد أن نادت تركيا بمسألة الأرض السورية ذات الأجواء الآمنة التي يستطيع كل المهاجرين والهاربون من جحيم المعركة اللجوء إليها وهي أرضهم أصلاً وأرض وطنهم أصلاً بدل التشرد في كل أنحاء الدنيا في مشهدية مأساوية لن تموت بسرعة من ذاكرة هذا الجيل تتحدث عن نهاية شعب على حدود الآخرين وذل شعب يقطع الحدود ويتوسل الدخول ويترجى الآخرين… هي الجبهة العربية التي كانت مرفوعة ذات يوم تتمرغ على طين الذل والعار… تركيا هذه تلعب دورها كاملاً… سلباً وإيجاباً…

مناورة

رجعة إلى التاريخ القريب والبعيد، تتراءى لنا محطات انتهاك سيادتنا براً وبحراً وجواً وفي كل محطة كان دورنا المتلقي القانع بمصيره والعالي الصوت بشكواه والراضي بالصفعة غير سائل من أين أَتت! وهنا وتدعيماً لعنوان مقالتي نقول المثل العامي الذي حفظته أجيال قبلنا ونحفظه وسنحفظه والحمدلله أجيال قادمة: المال السائب يعلم الناس الحرام!

فكيف بدول تعيد مجد دورها على حساب الضعفاء…أنظروا إلى الحدود براً وتجدون الفلتان والفوضى وحرية التنقل العسكري وغير العسكري… أنظروا إلى الحدود جواً والإنتهاكات العسكرية الإسرائيلية التي تسرح وتمرح في أجوائنا ولم ننس بعد هجوم المارينز في الخمسينات ودك الجبل من قبل النيوجرسي وذلك الموقف التاريخي لسفيرنا في أميركا القائل لماذا توقفتم عن قصف بقية الجبل؟؟ بلد مقطوع الرأس، تحولت فيه النفايات إلى سلعة تجارية، وأصبحت فيه الكهرباء والمياه عملة نادرة… وتخدّر الحس الوطني والشعور بالإنتماء والكرامة فإذا بالناس تفكر بمعدتها,بملبسها, بعيدأً عن ذلك الدور الإقليمي والعالمي الذي كان يلعبه “وطن الرسالة” كامتداد للجسر الحضاري الغربي في قلب الشرق…

تقزمت الأمال وتحولت الخلافات بين المسؤولين إلى نوع من الفجور حتى بلغت حداً أن أحدهم قال: لماذا تفاجأتم بالطلب الروسي وروسيا تقصف سوريا من بحر قزوين صواريخاً تمر على عدة دول ولن تنبس تلك الدول بكلمة اعتراض واحدة…انها الحرب!ونِعْمَ المنطق هي سلسلة تدميرية لآخر

ما تبقى من كرامة المواطن العادي! وعندما يحاصر المسؤولون شعبهم في لقمة عيشه ونظافة بيئته وأخيراً كرامته الوطنية فلا عجب من اجتراح التبريرات التي تصدم كل وطني شريف ولا يزال يملك ذرة من الكرامة والعزة والعنفوان… لن تنفع رنة التليفون بالنشيد الوطني في شيء طالما هي ممزوجة باللقمة الغارقة في مستنقع الآلام والدموع!

حكاية طريفة ايطالية قرأتها منذ يومين لعلّها من النوع المضحك المبكي: “اصطاد صياد سمكة كبيرة، فرح بها، وعندما دخل بها على زوجته لم تفرح مثله بل ولم تتحرك من مكانها، فقال:

  • مش مبسوطة ليش؟؟
  • يا ما جاب الغراب لإمه…
  • يا مرتي هيدي سمكة كبيرة
  • شو فينا نعمل فينا
  • منقليها بالزيت
  • ما في زيت
  • منطبخها برب البندورة
  • ما في رب بندورة
  • منسلقها بالمي
  • ما في غاز ولا بوتوغاز!!

عندها حمل الصياد السمكة وعاد بها إلى الشاطىء وألقى بها في الماء من جديد… عندها هتفت السمكة: “يعيش موسوليني”

هذه السمكة تجسد الشعب اللبناني بأكمله وإذا طبقنا هذه الطرفة على لبنان، لاحتارت السمكة باسم مَنْ ستهتف فهنا أكثر من موسوليني والحمدلله رب العالمين…

فلا عجب من أمر العمليات الروسي: تعوّد هذا الوطن على الاغتصاب براً وبحراً وجواً ولن أَزيد خوفاً من انزلاق القلم إلى عالم المومسات…

أعتذر منك قلمي لفرملتك حفاظاً على آخر ورقة تين!

اقرأ أيضاً بقلم محمود الأحمدية

القلم الحر والانتصار في زمن القهر

عصام أبو زكي… الرجل الأسطورة… بطل من بلادي

انسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ ونتائجه الكارثية

في الذكرى 43 معلومات جديدة مذهلة عن عالمية فريد الأطرش

كمال جنبلاط البيئي: سابق لعصره

من كمال جنبلاط إلى الربيع الصامت إلى فرنسا

مَنْ أَحقّ من فريد الأطرش بنيل جائزة نوبل للفنون

كمال جنبلاط البيئي سابق لعصره

كيف لوطن أن يشمخ وفيه كل هذا العهر في مسلسلاته

حرش بيروت تحت رحمة اليباس… والتاريخ لن يرحم

مواسم التفاح بين الحاضر والماضي… قصة عزّ وقهر!

مصنع الإسمنت في عين داره ونتائجه الكارثية على البيئة والإنسان

كمال جنبلاط البيئي  وثقافة المواطن الحر والشعب السعيد

أولمبياد الريو والحضارة وعرب ما قبل التاريخ

مصنع الإسمنت في عين دارة: جريمة بيئية موصوفة

هل أحسنت؟ هل أخطأت؟ لا أعرف!!

حكايتي مع كرة القدم وفريق ليستر الانكليزي الذي هز اعتى الامبراطوريات

شكراً مسيو هولاند… أعطيتنا درساً في الحضارة والأخلاق!

غسان سلامة و”اليونسكو” وزواريب السياسة اللبنانية!

أنا علماني ولكني لي ملاحظاتي!