“هآرتس”: آن الأوان لانتفاضة إسرائيلية ضد سياسة الاحتلال

روتين جديد ألفه مواطنو إسرائيل منذ أكثر من شهرين. صحيفة الصباح وفنجان القهوة على الطاولة، الأولاد إلى رياض الأطفال والمدارس، مراجعة البريد الإلكتروني بسرعة على الهاتف الخليوي، وفي الخلفية برنامج الصباح على التلفزيون وفيه تقرير عن يوم عادي آخر: “مقتل مخرب في الـ16 من عمره”؛ “مخربة في الـ17 من عمرها حُيّدت”؛ “مقتل جندي”؛ “جندية في وضع صعب”. ما الجديد؟ هذا كله سبق أن شاهدناه. شاهدنا مخربين خطرين في الـ14 من عمرهم، وامرأة في الـ72 من عمرها قامت بهجوم طعن، وأخرى لم تكن تريد طعن أحد، وبدوي مواطن إسرائيلي، ومنفذ هجوم دهس من أبو ديس. روتين.

 لكن المشكلة الأكثر خطورة أنه ليس هناك ما نشكو منه. وضعنا ممتاز. بالاستناد إلى مؤشر الإرهاب العالمي في سنة 2014 قُتل 32658 شخصاً من جراء أعمال إرهابية، مما يشكل زيادة 80% بالمقارنة مع السنة التي سبقتها. لكن نحو 80% من العمليات الارهابية وقع بصورة عامة في العراق وأفغانستان ونيجيريا وباكستان وسورية. ووفقاً للمؤشر، 3% فقط من حوادث الموت الارهابي وقع في دول الغرب. صحيح أننا نعتبر أنفسنا من الغرب، لكن لحسن الحظ تخطتنا فرنسا في إحصاءات سنة 2015.

 لكن برغم ذلك، ثمة ما يقلق في “موجة” السكاكين هذه إذ ليس هناك من نتهمه، فالسلطة الفلسطينية تواصل تعاونها الأمني، و”حماس” لا تطلق صواريخ من غزة، وعلى قنوات التواصل الاجتماعي نجد رسوماً كاريكاتورية وأشرطة ينطبق عليها وصف “تحريض”. لكن إذا كانت هذه تقنع الآلاف الذين يقرؤون هذه الرسائل، فلماذا عدد الهجمات قليل نسبياً؟

في الحقيقة، هذه إحدى أكثر الانتفاضات التي عرفتها إسرائيل إثارة للإزعاج وللإحباط. ليس وراءها تنظيم أو قيادة، وليس هناك نمط للمهاجمين، كما أنه ليس هناك وصفة عقاب ناجعة. حتى هدم منازل لم يكبح الطاعنين والطاعنات، ولا نستطيع أن نهدد سكان الخليل بمصادرة الإقامات مثلما فعلنا مع سكان القدس الشرقية. وحتى الجيش ليس لديه طرف يمكنه الانتصار عليه، فالمخربون يُقتلون في المكان سواء على يد الجيش أو الشرطة أو المواطنين.

لكن برغم هذا كله، قد تكون هناك وسيلة لكبح الموجة التي قد تكون مؤشراً على اقتراب التسونامي. من قال إنه مسموح للفلسطينيين فقط القيام بانتفاضة؟ فقد تظاهر آلاف في فرنسا في الخمسينيات ضد استمرار احتلال الجزائر، وخرج عشرات الآلاف من الأميركيين إلى الشوارع في الستينيات والسبيعينيات ضد الحرب في فيتنام. لكن في إسرائيل كان الجزء الأكبر من الاحتجاج موجهاً ضد ارتفاع أسعار الألبان والشقق السكنية.

 متى في الفترة الأخيرة تظاهر الأكاديميون الإسرائيليون ضد سياسة الحكومة التي تغذي المقاطعة الأكاديمية لمؤسسات إسرائيلية؟ أين اختفى رجال الأعمال الذين يجب عليهم أن يتخوفوا من اتساع توجه المقاطعة التجارية بحيث تتخطى منتجات المستوطنات؟ وماذا حدث لمنظمات الآباء والأمهات الذين يتخوفون من إرسال أبنائهم إلى رياض الأطفال خشية تعرضهم للطعن؟ وأين هم المواطنون الذين يشعرون بالتوتر في كل مرة يخرجون فيها إلى الشارع؟

 ليس سكان المناطق فقط أسرى داخل روتين الاحتلال. لقد تحولت إسرائيل إلى دولة محتلة ذاتياً بالاحتلال، وأصبح قانونها وقيمها شبيهين بدولة محاصرة، وعلاقاتها مع العالم تفرضها سياسة الاحتلال، وحكومتها لا تمنح مواطنيها أي أمل بأفق سياسي، وفي وقت قريب لا أمل بأفق اقتصادي. إن التشخيص الوحيد الذي يقدم إلى الإسرائيليين هو “إننا نعيش على حدّ السيف”، كما لو أنه لا يوجد خيار آخر.

هذا خطأ. فالتمرد المدني سبق أن أحدث حتى في إسرائيل تغييرات طويلة الأمد، فمنظمة “الأمهات الأربع” [حركة احتجاجية مناهضة للحرب نشأت سنة 1997 وطالبت بانسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان]، سرّعت الخروج من لبنان. والاحتجاج المدني واسع النطاق أسقط حكومة يوم الغفران [حكومة غولدا مئير بعد تقصير حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973]. ويجب علينا أن نحاول على الأقل القيام بانتفاضة ضد النمط القاتل الذي فرضته علينا الحكومة. فماذا يمكن أن نخسر وأقصى ما يمكن أن يحدث هو العودة إلى روتين العنف المعروف.
—————————–

(*) مؤسسة الدراسات الفلسطينية