بين فيينا وباريس

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

سبق انعقاد (فيينا -2) سلسلة من اللقاءات والاتصالات في أكثر من عاصمة. وبُذلت جهود للاتفاق على تحديد الجهات المعارضة التي يمكن أن تشارك في الحوار مع ممثلي النظام.

وعلى تصنيف المنظمات المقاتلة في سوريا بين «إرهابية» تدرج على لائحة يقرّها مجلس الأمن ويتعهد الجميع بدعم قتالها، والأخرى المقبولة للمشاركة أيضاً في الحوار. لم تنجح كل المحاولات لأن الامتدادات الإقليمية والدولية للحرب الدائرة في سوريا وتشابك عناصرها يحتاج إلى كثير من الوقت للوصول إلى اتفاق لاسيما مع اقتناع وإصرار كل الأطراف بأن الوقائع الميدانية هي التي تكرس ميزان القوى الذي على أساسه يمكن أن تُتخذ القرارات وتبنى عليه التسويات.

وصلت الأمور إلى حد تهديد بعض الدول بعدم المشاركة في المؤتمر، لكن الجميع عاد إلى فيينا. وسبق الاجتماع حدثان كبيران: تفجير مروّع في الضاحية الجنوبية في بيروت حصد عدداً كبيراً من الشهداء والجرحى، ووصلت أصداؤه إلى كل أنحاء العالم، وكان محط استنكار من قبل كل القادة والمرجعيات والحكومات والشخصيات والمنظمات الدولية والإقليمية. كان ضربة موجعة من قبل «داعش».
وبعد ساعات على هذا التفجير حصلت العملية الإرهابية الأكبر التي استهدفت فرنسا وهزّت كل العالم، وتذكّر بـ11 سبتمبر الأميركي، وستكون لها نتائجها وانعكاساتها الكبيرة البعيدة المدى على السياسة الدولية كلها وليس فقط الفرنسية أو الأوروبية.

في ظل هذين الحدثين، وبعد انعقد اجتماع قمة العشرين في أنطاليا بتركيا. من فيينا كان التأكيد على الحل السياسي في سوريا، ورُسمت خريطة طريق، لمرحلة انتقالية مدتها سنتان (كنا أشرنا إلى هذا الأمر من خلال عرض تقدم به الأميركيون ورفضه الروس)، 6 أشهر منها لوضع الدستور، ثم تُجرى انتخابات بإشراف دولي بعد 18 شهراً، ويكون وقف شامل لإطلاق النار لا يشمل «داعش» و«النصرة» على الأقل الآن!

لم تكن إشارة إلى مصير الأسد الذي كان موضع خلاف، داخل المؤتمر وخارجه. السعودية أصرّت على خروج الأسد، وأكدت أنها لن تقبل إلا بخروجه ضمن الاتفاق السياسي الشامل، وإلا ستبقى تدعم المعارضة في وجهه حتى تحقيق هذا الهدف.

إيران رفضت، روسيا رفضت، وأكدتا أن الشعب السوري هو الذي يقرّر مصير الأسد! وأميركا أكدت أنه لا يمكن استمرار الأسد، لكنها ليست حاســـمة في مواقفها. المهم، لا نزال أمام خلاف كبير عميق.

وفي انتظار الوصول إلى تفاهم ستستمر المعارك في سوريا لاسيما بعد عمليات «داعش» ضد الطائرة الروسية فوق سيناء، وفي الضاحية الجنوبية، وفي باريس. وهي عمليات جعلت بطبيعة الحال الأنظار مركزة على «الإرهاب» وعلى استهداف ساحات ودول وعواصم كثيرة. فقدرة التنظيم على ما ظهر كبيرة وجهوزيته لتنفيذ عمليات جديدة لافتة.

ومن المؤكد أن ما جرى في فرنسا مؤخراً سيعزز موقع اليمينيين المتطرفين داخل وفي كل أوروبا، ويخشى أنه إذا استمر التحريض واستمرت التعبئة ضد الإسلام والمسلمين وضد النازحين السوريين خصوصاً بعد أن تبين أن بعض المنفذين يحملون جوازات سفر سورية وتقدموا بطلبات لجوء، أن نصل إلى حرب دينية وسيسبق ذلك عمليات أمنية أكثر عنفاً وقرارات سياسية وإجراءات أمنية أكثر تشدداً. كذلك فإن روسيا وإيران سوف تعملان على استثمار ما جرى للتأكيد على أولوية مواجهته قبل أي أمر آخر، وهذا يشكل حماية ولو مؤقتة للنظام السوري ولرئيسه الذي خرج لاستغلال ما جرى لتأكيد أولوية مواجهة الإرهاب ويحمّل السياسة الفرنسية مسؤولية ما جرى في باريس.

ومن الطبيعي أن تزيد هذه التطورات الأمور تعقيداً في ظل التباعد في المواقف بين الدول المتبقية، وسوف يشتد الضغط على الساحة السورية، وتكون محاولات لتضييق الخناق على التنظيم، وربما يستفيد النظام نسبياً.

سيُحاصر التنظيم بين العراق وسوريا، والخشية أن يدخل كثيرون إلى لبنان، وأن يتحول لبنان إلى ساحة لتصفية الحساب، وهو يعيش حالة سياسية هشة جداً!