الحكومة الأفغانية عالقة بين طالبان وداعش والافيون والسياسة الاميركية
د. ناصر زيدان
22 نوفمبر 2015
تبدو أفغانستان على منعطفٍ فيه العديد من التعرُّجات التي تُهدِد مسيرة القطار، وقد تؤدي هذه التعرُجات إلى خلط الاوراق السياسية والأمنية على شاكلةٍ واسعة، تخلق متاعب إضافية للرئيس الليبرالي أشرف غني، وربما تدفع الإدارة الأميركية إلى إعادة النظر بقرارها سحب جزء من القوات المُتبقية في البلاد إلى نهاية العام 2017. هذه القوات التي تتألف من 9800 ضابط وجندي، تُعاوِن القوات الحكومية الأفغانية المؤلفة من 350 ألف ضابط وجندي، ويعاونها في المُهمة ذاتها ما يزيد عن 3000 من القوات الذين ينتمون إلى دول أخرى في حلف الأطلسي، يقومون بتدريب الجنود الحكوميين، ويتدخلون جوياً عندما تدعو الحاجة لدعم هذه القوات، كما حصل في 11 اكتوبر الماضي، بعد أن إحتلت قوات طالبان مدينة قندوز، واجبرتها القوات النظامية على الانسحاب منها.
تتعدَّد المسارات الأمنية والسياسية في أفغانستان، وتأخذ هذه المسارات مندرجات خَطِرة، ووَعِرة، تُشبِه وعورة الجغرافيا الأفغانية. فالحوار بين الحكومة وبعض المجموعات المُقربة من حركة طالبان المُسلحة، لا يبدو أنه يسيرُ بالسويَّة التي كان يأملها الرئيس أشرف غني. وزيارات غني الخارجية – لا سيما إلى الصين والمملكة العربية السعودية وإيران وباكستان، لا يبدو أنها أثمرت في دفع قوات المُعارضة الطالبانية وغيرها إلى إتجاهاتٍ تسووية، لأن شروط حركة طالبان ما زالت تدور حول مطلب إنسحاب كامل القوات الأجنبية، وإلغاء المعاهدات الأمنية التي تمَّ التوقيع عليها مع واشنطن كشرط لتحقيق السلام، وفقاً لما أعلنه الرئيس الجديد للحركة، الملا اختر منصور في خطبة عيد الاضحى في سبتمبر الماضي.
الملا منصور كان قد خلف الملا عمر – الذي توفيَّ منذ عامين ونصف العام – في زعامة طالبان، ولكن فصائل مُتشدِدة في الحركة، تمرَّدت على قيادته، وإعتبرته مفروضاً على رئاسة طالبان بدعم من المخابرات الباكستانية، التي بدورها تدفعه إلى الحوار مع الحكومة.
تلك الاعتبارات الطالبانية المُستجدة، خلقت وضعاً جديداً في أفغانستان، ودفعت مجموعات من الحركة إلى إعلان مُبايعتها لتنظيم “الدولة الإسلامية” الارهابي، مما حدا بزعيم منظمة القاعدة الارهابية أيمن الضواهري، إعلان تأييده لقيادة الملا اختر منصور على رأس حركة طالبان، وبذلك تكون مؤشرات خلط الأوراق الواسعة على ساحة المنظمات الإرهابية المُتشدِدة قد توضَّحت، وسيكون لهذا الامر إنعكاسات واسعة على نوعية الصراع القائم على الساحة الأفغانية، حيث أصبحت الحكومة بين مطرقة طالبان من جهة وسندان داعش من جهة أُخرى.
وبالفعل، فإن الأخطار الأمنية التي تواجه حكومة غني تتوسَّع، لا سيما في كابول، وفي الأقاليم الجنوبية الشرقية. وقد إزدادت عمليات التفجير والاغتيالات، وحاولت قوات طالبان مُجدداً الهجوم على مدينة غزني في الشرق، كما أن الارتكابات التي تطال أقلية الهزارة “الشيعية” إزدادت، حيث تمَّ إكتشاف 7 جثث تعود لمواطنين من الهزارة مقطوعي الرأس في بداية نوفمبر، شرقي البلاد، وهذا الأمر يُربك الحكومة المركزية، ويزيد من أخطار وقوع الفتن المذهبية والعرقية في أكثر من إقليم.
وفي الجنوب، وتحديداً بالقرب من الحدود مع باكستان، يدور قتال واسع بين أجنحة طالبان، الموالية لمنصور، والمُعارضه له المؤيدة لـ “داعش”. لكن القتال هناك يجري على خلفية مصالح مالية، لكون المنطقة تحتوي على طرقات ومسالك للتهريب، ولا سيما لتهريب الأفيون الذي يُدرُّ مبالغ طائلة على قادة المجموعات المُتنازعة.
ويبدو أن الافيون أصبح مادة خلافية جديدة بين المجموعات الإرهابية، ذلك أن تقارير الأمم المتحدة، أشارت إلى زيادة واضحة في زراعة الخشخاش في أفغانستان، بحيث تجاوزت المساحات المزروعة الـ 553 ألف فدان – وهو رقم قياسي – وعائدات هذه الزراعة تصل إلى حدود المليار دولار أميركي.
ويتأكد الصراع بين المجموعات المُتطرِفة أكثر فأكثر، من خلال رفض الملا منصور إعطاء دور لما يُطلق عليهم “الافغان العرب” في خشيةٍ واضحة من إعادة سيطرة هؤلاء على مفاصل القرار داخل حركة طالبان، خصوصاً من قبل المجموعات التي عمِلت مع “داعش”. والمُلا منصور لا يعترف بمرجعية زعيم “داعش” أبو بكر البغدادي، على غرار عدم إعتراف زعيم منظمة القاعدة الارهابية ايمن الضواهري به.
الحكومة الأفغانية تراقب عن كثب مسار الصراع المُستجد بين المجموعات الإرهابية، ولكنها في الوقت ذاته، تتهيَّب خطورة الاوضاع، لأن تلك المنظمات المُختلفة، سرعان ما تتفق على هدف محاربة الحكومة الشرعية، وهذا بالفعل ما حصل إبان الهجوم الذي شنَّته طالبان على مدينة قندوز الاستراتيجية، فقد ساعدتها ميليشيات “الحركة الاسلامية الاوزبكية” برغم أن هذه الحركة المُتطرِفة، كانت قد أعلنت ولائها لـ “داعش”.
الرئيس باراك أوباما الذي قال أنه لن يسمح بعودة الفوضى إلى أفغانستان، يبدو هو الآخر أمام تحدي إمكانية خروج الأوضاع في أفغانستان عن السيطرة، ولذلك فهو أعلن عن إمكانية تمديد بقاء القوات الأميركية التي تُساند الحكومة إلى نهاية عهده في العام 2017.
مسارات الصراع المُتعددة في أفغانستان، تحدٍ آخر على طاولة التجاذبات الدولية المتنوعة. والحكومة الجديدة عالقة بين طالبان وداعش والافيون والسياسة الأميركية.