لا عودة لزمن القياصرة والاباطرة

فيصل مرعي

ها قد بدأت الحركة الدبلوماسية في اروقة وكواليس المحافل الدولية، والرحلات المكوكية، باتجاه حل سياسي على قاعدة جنيف 1- كما تشير كل الاوساط السياسية. فالمتبصّر بالازمة السورية يرى ان لا بد من تسوية نهائية، طال الوقت ام قصُر. حل يستند الى بنود جنيف 2- كمرحلة انتقالية، لا وجود فيه للنظام البائد، إذ من المتوقع حصول ذلك، وصولاً الى تنفيذ بقية مضمون هذا الاتفاق، اجتثاثاً لهذا النظام من جذوره، ولكن ما بين إعلان هذا البيا Al Anbaa applicationن، وبين ما يجري حتى هذه اللحظة، تكاد سوريا بمؤسساتها، ومقوماتها، ومكوناتها تتلاشى وتتهاوى، لتصبح سوريا على قاب قوسين او أدنى من الدول الفاشلة والمارقة.

 ومع ذلك، بدا ان روسيا حتى الآن، هي في حِلّ من البدء بالحل السياسي، لا بل انها مستمرة في غيِّها وضلالها، بدكّ معاقل المعارضة، تاركين تنظيم داعش يسرح ويمرح على هواه، دون التعرض له، او الاجهاز عليه، مدّعين في الوقت نفسه، انهم يمطرونه بجميع انواع الاسلحة، وتدمير ترساناته العسكرية. فالبرغم مما يحصل في سوريا، من تدمير، وتهجير، وتشريد، ومذابح، وقتل اطفال رُضّع من قبل روسيا، وبالرغم من نهيها عما تفعله من اعمال مشينة، فإن الهوس ما يزال يدب في رؤوس قادتها، غير آبهن بشعب سوريا ومأساته، ضاربين عرض الحائط بالقيم الانسانية، جاعلين من بناها التحتية حطاماً وركاماً ومن حضارتها اثراً بعد عين. والغريب العجيب، تصريح قادة الكرملين انهم لم يسفكوا دم طفل واحد، بل ان مهمتهم تقتصر على ضرب “داعش” والغاء صورته، وسحقه، وسحق كل من يدور في فلكه. لقد جاء الروس، بقضّهم وقضيضهم، متحدين الارادة الدولية والمجتمع الدولي، بحجة محاربة الارهاب، فتبين فيما بعد ان الجيش الحر،، والشعب الاعزل من المدنيين هما المستهدفان، واللذان كانا منذ البدء في عين العاصفة.

على الرغم من هذه المشاهد والوقائع، التي تقشعر لها الابدان، والتي لا يختلف عليها اثنان، فإن الروس جاؤوا ليس فقط لتأديب وسلب ثروات سوريا، بل ليكونوا كذلك اشبه بشهود زور نظراً لإشاحة النظر عنه، وعما يقوم به من نقل اسلحة، وعتاد، وجرائم على مرأى من اعينهم، ناهيك عن قدوم الاف المقاتلين عابرين الحدود دون تحلق طائرة واحدة فوق رؤوسهم، علماً ان هدير طائرات الشؤم والرعب تحلق ليل نهار، والتي ما ان تُقلع سرعان ما تبث الهلع، فتحدث اصواتاً تشيب لها الولْدان.

بوتين

لقد جاء الروس بجحافلهم، ممتشقين الاسنّة والرماح، واسلحة الدمار الشامل معلنين ظاهرياً ضرب “داعش” وإذ بهم فجأة يوجهون اسلحتهم لنحور وصدور “الجيش الحر” والمدنيين العزَّل، تاركين “داعش” يتبختر ويتهادى، مطمئناً آمناً في مناطقه واقبيته، في وقت يتبغدد طيران الاسد، ملقياً البراميل السامة على رؤوس الابرياء الذين لا ناقة لهم في هذه الحرب، ولا جمل، ولا من يحرك ساكناً، ويعمل على كبح جماحه. والمثير للعجب، ان قادة روسيا يغازلون في هذه اللحظات “الجيش الحر، وانه بالامكان الجلوس معه الى طاولة حوار في القريب العاجل.

 هذا من جهة، ومن جهة اخرى، يعلنون غير ما يبطنون، فيقوم طيرانهم بتوجيه ضربات قاسية في كل ناح، وفي كل واد من ارض سوريا، صابين جام غضبهم على المدنيين، منثلاين عليهم اشد الانثيال، بصواريخهم، تارة بالبالستيه، واخرى بالمحشوة بأقوى انواع المواد المتفجرة، بينما راس الارهاب في منأى عن كل ذلك، حفاظاً على النظام الاسدي، وعدم سقوطه، ورفعاً لمعنوياته، بعدما ثبُت ان لا استمرارية له في الحرب الدائرة رحاها على ارض الطهارة والقداسة، وبعد انهيار كل مقومات جيشه، وعدم قدرته في السيطرة على من استقدمهم، وافلتهم من عقال سجونه من مرتزقة واخلاط واجناس غير معروفة الهوية.

لقد ولّى زمن الاستكبار، والغطرسة، والاحتلال، والديكتاتوريات، وحلّ محله زمن من طراز آخر، زمن العدالة والحرية.. فلا غاراتهم، ولا اساطيلهم بمقدورها الصمود امام ارادة شعب قرر نيل حريته، وخلع كل ما هو قديم وعفن، والخلاص من نظام جائر وظالم، والاتيان بنظام بديل صنعاً لسورية جديدة، وبزوغ فجر جديد. لا، لن يعود زمن القياصرة والاباطرة الذين بطشوا، وسفكوا، واراقوا دماء شعبهم، وشعوب البلدان المحاذية لهم، فدمروا هويتها وتراثها دون خجل او حياء. إن روسيا اليوم تحاول انقاذ نظام لم ولن يتسطيع النهوض ثانية. نظام كان من الاجدر به الاعتذار من شعبه ، ومن العرب أجمعين، والرحيل بصمت دون صراح ولا ضجيج قبل فوات الاوان.

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…