“يسرائيل هَيوم”:داعش في إسرائيل

ذات يوم اختفى عثمان عبد القيعان من منزله. جيرانه من قرية حوره في النقب قالوا إنه ذهب إلى تركيا كي يرتاح قليلاً من دراسته الصعبة للطب التي أنهاها بنجاح في الأردن. لكن في أيار/مايو 2014 لم يحضر عثمان إلى مكان عمله في مستشفى سوروكو في بئر السبع، حيث يجري فترة تدريبه، وفوجئ الجميع بأن عثمان تخلى عن حلمه بأن يصبح طبيباً وانضم إلى داعش. لقد كان من الصعب على أفراد عائلته تصديق الخبر، وبعضهم ذهب إلى غرفة الفندق التي أقام فيها في تركيا، حيث وجدوا بعض أغراضه الشخصية. وأخبرهم طاقم الفندق بأن ابنهم استأجر سيارة ولم يعد إلى الفندق. بعد مرور بضعة أشهر وصل إلى أفراد العائلة خبر مقتل عثمان في المعارك في سورية.

 موسى خليل أبو كوش من سكان بلدة عرعره في النقب أنهى دراسة الطب في الأردن. وهو أيضاً مثل عثمان تعرّض في الأردن للأيديولوجيا الجهادية، ونشر على الفايسبوك كلاماً مؤيداً لداعش، واعتقله الشاباك. وقد عبر عن ندمه وحكم عليه بدفع غرامة مالية والقيام بخدمات عامة.

 خليل، من سكان القدس الشرقية، اختفى هو أيضاً من منزله في القدس الشرقية. أبناء عائلته القلقون عليه أبلغوا الأذرع الأمنية أن ابنهم كان يعمل في جهاز التمريض في مستشفى “إيتنيم”، وأنه كان عضواً في المعهد الرياضي في الجامعة العبرية. قبل اختفائه أخبر عائلته والمسؤولين عنه في المستشفى أنه سيأخذ عطلة بضعة أسابيع من أجل القيام بمراسم الحج في مكة، لكنه فعلياً اشترى بطاقة سفر في اتجاه واحد إلى اليونان. ومن هناك طار إلى اسطنبول، وبمساعدة أحد نشطاء داعش وصل إلى الحدود السورية وانضم إلى التنظيم. واعتقله الشاباك هو وصديقة لدى عودتهما من سورية، وحينئذ اتضح سبب اختفائه.

 “الدولة الإسلامية” (داعش)، هذا التنظيم الذي يروّع الغرب موجود أيضاً عندنا. وهو على ما يبدو صغير وهامشي، لكن لا أحد يستطيع أن يعرف ما الذي يدور في عقل شخص تعرّض للتعاليم التي ينشرها التنظيم على الكثير من شبكات التواصل الاجتماعي. لكن الأمر الواضح أن نحو 50 عربياً من إسرائيل انضموا في السنوات الأخيرة أو حاولوا الانضمام إلى صفوف التنظيم الذي حوّل قبل أسبوع عاصمة النور باريس إلى عاصمة في حالة حرب.

 هناك كثيرون من العرب في إسرائيل يؤيدون فكرة الدولة الإسلامية. الشاباك يراقبهم، وهم يتبادلون بينهم بواسطة الهواتف الذكية والحواسيب المجهزة بكاميرات، نصوصاً مكتوبة وصوراً فظيعة لمشاهد ذبح أشخاص على يد أفراد من التنظيم. ويقومون بكتابة شعارات على الجدران تدافع عن التنظيم، ويرفعون أعلامه أو أعلاماً مشابهة لها في البلدة القديمة في القدس، وفي “جبل الهيكل” (كذا) [الحرم القدسي الشريف]، وبالقرب من كنيسة البشارة في الناصرة، وفي أماكن أخرى من البلدات العربية في إسرائيل.

 يعتبر “حزب التحرير” الذي يعمل علناً في إسرائيل الحركة الأكثر شبهاً بداعش التي. ويبرز وجود نشطائه بصورة خاصة في الحرم القدسي الشريف حيث يقيم هناك اعتصامات يشارك فيها عدة آلاف. ويعتنق الحزب أيديولوجيا سلفية تطالب بالعيش وفق الشريعة الإسلامية والعودة إلى جوهر الإسلام في أيامه الأولى وإقامة خلافة إسلامية. لكن بعكس داعش لا يقوم نشطاء حزب التحرير بأعمال عنيفة ويكتفون حتى الآن بنشر إيديولوجيتهم.

 تعتبر فكرة الدولة الفلسطينية غريبة بالنسبة لحزب التحرير، كما أن أعضاءه يكرهون السلطة الفلسطينية. يقول مصدر أمني: “حتى الآن حزب التحرير هو داعش في زي قانوني. والعديد من أعضائه يسيرون على خط تماس بين حركتهم وبين داعش. في إسرائيل ما يزال الحزب قانونياً. لكنه في العديد من الدول الغربية مثل ألمانيا صار غير قانونية”.

 اليوم، وللمرة الأولى، يقدم مصدر رسمي سابق تقديراً لأعداد المؤيدين لتنظيم داعش في إسرائيل. في رأي العميد (احتياط) نيتسان نوريئيل الذي كان خلال السنوات 2007- 2012 رئيساً لطاقم محاربة الارهاب في مكتب رئيس الحكومة يبلغ” هو عدد العرب من الإسرائيليين “الذين تهب عليهم رياح داعش، والمقربين إلى روحية هذا التنظيم” بضعة آلاف. ويضيف:”هؤلاء أشخاص يستيقظون في الصباح فرحين وراضي جداً عن إنجازات داعش، وفي المقابل عندما تفشل داعش يشعرون بالحزن. وفي تقديري هم يسألون أنفسهم يومياً كيف أستطيع كفرد مساعدة داعش، والشجعان بينهم ينتقلون إلى العمل. أما الآخرون فيقلّبون الفكرة في رؤوسهم، لكن المسافة بين فكرة وتنفيذها في هذا السياق قصيرة جداً.”

ويكشف نوريئيل: “الذين يغادرون إسرائيل [للانضمام إلى داعش] لا تعرف بشأنهم المصادر الأمنية بصورة عامة إلا في ما بعد. فهم يغادورن بحجج مختلفة، وفي الواقع ليس هناك ما يمنعهم عن الخروج من البلد. لكن يمكن منعهم من العودة واعتقالهم لدى عودتهم”.

 يشير البروفسور بوعاز غانور مدير عام ومؤسس معهد الدراسات لمحاربة الارهاب في المعهد المتعدد المجالات في هرتسليا، إلى أنه بالمقارنة مع دول في أوروبا فإن وضع إسرائيل في مواجهة نشطاء داعش الذين يتحركون داخلها، أو في مواجهة قدرة التنظيم على التجنيد داخل البلد، أفضل بكثير. ويشرح “قدرتنا على الاحباط أفضل بكثير لأن الاستخبارات عندنا أكثر خبرة في هذه المجالات. هناك دائماً احتمال أن يحدث تسلل من تحت رادار المراقبة، لكن حتى الآن هذا لم يحدث”.

 إن أكثر ما يثير قلق غانور ارتباط داعش بالتنظيمات التي تنشط على حدود إسرائيل في سيناء والجولان بداعش. وهو يحذر خصوصاً من التحديات التي تمثلها داعش بالنسبة إلى الأردن ويقول: “يوجد اليوم مئات الآلاف إن لم يكن مليونا لاجئ سوري في الأردن، ومئات آلاف من اللاجئين العراقيين في الأردن. ومن المعقول جداً افتراض أن هؤلاء مخترقون إلى حد معين من أفراد داعش، وأن هناك خلايا نائمة وقدرة لتنظيم الدول الإسلامية. كثيرون نعوا وينعون استقرار النظام في الأردن منذ عشرات السنوات، لكن النظام لم يسقط. وبرغم ذلك، فإن الأردن دولة تعاني من انقسامات أثنية حادة بحيث من السهل على تنظيم مثل داعش استغلالها إذا شاء. يوجد رأس حربة لداعش في الأردن. وكلما ازدادت فاعلية الصراع ضده في سورية، مثلاً، فإنه سيحول جهوده إلى الأردن، وهذا ليس جيداً لإسرائيل وهو خطر عليها”.

 ويشعر غانور بالقلق من نشاط داعش في غزة ويقول: “تركب حماس على ظهر النمر، داعش، مثلما ركب عرفات قبل عقدين على ظهر نمر آخر هو “حماس”. يومها أوهم عرفات نفسه أنه قادر على السيطرة على مخاطر هذا الوضع ، لكن “حماس” التهمت راكبها على الأقل في غزة. وأعتقد أنه إذا استمرت “حماس”- غزة في إيهام نفسها أنها قادرة على مواصلة ركوب ظهر النمر والسيطرة على مخاطر هذا الوضع، فإنها قد تجد نفسها بعد عقد أو أقل تواجه تحدياً شبيهاً على يد تنظيم الدولة الإسلامية”.

 يشيرون في الشاباك إلى أن أغلبية الذين يذهبون إلى سورية من العرب في إسرائيل هم ذوو خلفية سلفية – جهادية، بعضهم طلاب تعرفوا خلال دراستهم في الأردن أو في أوروبا إلى الايديولوجيا الجهادية، والتقوا أفراد اتصال تابعين لتنظيمات الجهاد العالمي العاملين في سورية.

 ونُشر هذا الأسبوع خبر اعتقال سبعة مواطنين من جلجوليه من مؤيدي داعش، أحدهم انتقل إلى سورية بواسطة مظلة شراعية.

 ينبه رافي غرين مدير مكتب معهد أبحاث الاتصالات في الشرق الأوسط إلى أنه حتى الآن “لا تحتل مشكلة فلسطين مكاناً مركزياً في عقيدة الدولة الإسلامية. بعكس حركات وتنظيمات عربية وإسلامية كثيرة تضع تحرير فلسطين والقدس والمسجد الأقصى والحرب ضد إسرائيل على رأس جدول أولوياتها (على الأقل على الصعيد الكلامي).” ويشير غرين إلى أنه “بالنسبة للدولة الإسلامية فإن هذه الأهداف مسائل مطروحة على الأمد البعيد. ويتصدر جدول أعمال التنظيم من يعتبرون أعداء الإسلام في الداخل، مثل الشيعة والأنظمة والعلمانيون”.

 ويضيف غرين: “إن فكرة دولة فلسطينية بحد ذاتها تتعارض كلياً مع الأسس الدينية والأيديولوجية لتنظيم الدولة الإسلامية الذي ترتكز رؤيته على انشاء خلافة لا تحدها حدود جغرافية حديثة، ولا مكان في إطارها لرؤيا دولة منفصلة”. وبرغم ذلك يشير إلى أن “الدولة الإسلامية لا تتجاهل قضية فلسطين. وهي تدرك أهميتها بالنسبة للعالمين العربي الإسلامي واستخدامها من جانب الأنظمة والتنظيمات والحركات الأخرى، كعنصر في الدعاية وكأداة لتجنيد المؤيدين”.

 كيف يبدو نشاط داعش من وجهة نظر العرب في إسرائيل؟ فادي منصور، ناشط اجتماعي من سكان الطيرة ومدير موقع أخبار يشدد على أن “داعش ظاهرة هامشية وهي تدنس اسم الإسلام. فلا وجود في الإسلام لقتل أبرياء. وعدد الشباب عندنا الذين يقتنعون بلك جرّاء الكلام التافه على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، ليس كبيراً.”

 هل ينفر الجمهور العربي في إسرائيل من الهجمات التي يقوم بها الفلسطينيون ضد اليهود مثلما ينفر من هجمات داعش؟ هل الصدمة والغضب حيال مقتل أبناء عائلة ليطمان يوم الجمعة يشبهان ردة فعلهم حيال مجزرة باريس؟

 يعترف منصور قائلاً: “ثمة فارق. الجمهور العربي في إسرائيل لا يؤيد هجمات ضد يهود. هناك وسائل أخرى للتعبير عن النضال ضد الاحتلال والقمع والتمييز، لكن على صعيد المشاعر، لا شك في أن جزءاً من جمهورنا يستقبل الهجمات في إطار الخطاب الفلسطيني بكثير من التأييد والتفهم بالمقارنة مع هجمات داعش التي لا تميز وتستخدم القتل من أجل القتل”.

——————————————-

(*) مؤسسة الدراسات الفلسطينية