الشراكة غير المستحيلة!

رامي الريس

خبران تصدرا الصفحة الإقتصادية في جريدة “الحياة” الثلثاء 17 تشرين الثاني 2015، الأول بعنوان: “مطلوب 100 مليون فرصة عمل: فجوة تمويل المشاريع في المنطقة تتجاوز 140 بليون دولار”، والثاني: “الإستثمارات العربية في العقارات العالمية 11.5 بليون دولار في ستة أشهر”.

بصرف النظر عما إذا كان مقصوداً من إدارة تحرير الصحيفة أن تضع كل من هذين الخبرين مقابل بعضهما البعض، إلا أنهما، من دون شك، أديا إلى خلاصة واحدة لدى غالبية القراء: الأموال العربية تستثمر، في قسم كبير منها، في الأسواق العقارية الدولية، في حين تعاني الدول العربية من فجوة في تمويل مشاريعها.

jobs

وفي التفاصيل، أن العالم العربي بحاجة إلى إستحداث 100 مليون فرصة عمل جديدة حتى العام 2020 “وهو ما يتطلب تفعيل القطاع المصرفي العربي لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في المنطقة وتمويلها”، بحسب وزير الإقتصاد الإماراتي سلطان بن سعيد المنصوري الذي ذكر أن حكومته إستثمرت العام المنصرم 3.8 مليار دولار في مجال الإبتكار ونحو 1.9 مليار دولار للبحث والتطوير. وهو رقم مهم قياسياً إلى المخصصات العربية السابقة في مجالات الأبحاث والدراسات ويشكل خرقاً للقاعدة التقليدية العربية التي قلما إهتمت بالمجالات العالمية والأكاديمية.

النفط

من ناحية أخرى، فقد أفاد الخبر الثاني أن المستثمرين حافظوا على نشاطهم الإستثماري في العقارات العالمية وضخوا نحو 11.5 مليار دولار في الأسواق الخارجية في النصف الأول من السنة، على الرغم من التراجع الملحوظ في أسعار النفط. في حين إستثمرت قطر في العقارات العالمية نحو 5.42 مليار دولار، أنفقت الإمارات العربية المتحدة حوالي 4.54 مليار دولار في المجال إياه.

مهما يكن من أمر، فإن قرار الإنفاق الإستثماري الخارجي لأي دولة هو قرار سيادي لا يشاركها فيه أحد، خصوصاً إذا كانت هذه الدول، مثل دول الخليج العربي، تقدم دعماً تشجيع ملحوظاً للدول العربية الأقل يسراً منها. إلا أن ذلك لا يلغي أن قضية تشجيع الإستثمارات البينية العربية هي قضية قديمة ومطلب مزمن لأنه يساهم في تحقيق المصلحة الإقتصادية العربية بصرف النظر عن الشعارات القومية ومدى إستمراريتها في ظل التحولات السياسية الجذرية وغير المسبوقة التي تمر بها المنطقة العربية.

استثمار-2

صحيح أن حالة الإضطراب الأمني تتسع في مختلف البلدان العربية وهو عنصر غير مشجع على الإستثمار والتوظيف، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن آفاق العمل العربي المشترك لا سيما بين القطاعين العام والخاص مقفلة تماماً.

إن الوظيفة الإجتماعية للدولة يُفترض أن يحافظ عليها ويُعزز مفهومها ليس على القاعدة الإستبدادية والبوليسية، إنما على قاعدة تأدية دور الحماية للمواطنين جميعاً وتقديم كل ما يلزم لهم من حاجات إنسانية ضرورية للعيش اللائق والكريم.

استثمارات

ولكن من قال أن هذه الوظيفة يُفترض أن ترسم على قاعدة التناقض التام مع القطاع الخاص؟ ومن قال أنه ليس هناك من مجالات حقيقية لإعادة صياغة الشراكة بين القطاعين العام والخاص على أسس تراعي المعطيات الإجتماعية وليس فقط الربحية التجارية؟

وإستطراداً، من قال أن العلاقة بين هذين القطاعين يجب أن تقوم على الإلغاء والتمرد، فلا القطاع العام يسهل أمور القطاع الخاص ولا القطاع الخاص يتقبّل الدور الرعائي للقطاع العام! إن بناء شراكة متكاملة بين الطرفين ممكن وغير مستحيل وهذا جانب أساسي من الإشتراكية الديمقراطية التي صارت تطبق اليوم في العديد من دول أوروبا التي سجلت وتسجل نجاحاتٍ هامة على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي.

ختاماً، أتقدم بملاحظة غير بريئة للتذكير أن ثمة قانون في لبنان لتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لم يُقر ويدخل حيز التنفيذ منذ سنوات، لماذا؟

————————-

(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة

Facebook: Rami Rayess II

Twitter: @RamiRayess

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس

عن الخرائط التي تُرسم والإتفاقات التي تتساقط!

التسوية شجاعة وإقدام!

الأحزاب وبناء الدولة في لبنان

أعيدوا الاعتبار لـ “الطائف”!

الإعلام والقضاء والديمقراطية!

وفروا مغامراتكم المجربة… واقرأوا!

عن “الأقوياء في طوائفهم!”

ما بعد الإنتخابات النيابية!

لمن سأقترع في السادس من أيّار؟

إنه السادس من أيار!

لائحة المصالحة: قراءة هادئة للعناوين والتطلعات

لا، ليست إنتخابات عادية!

عن تجاوز الطائف والأكلاف الباهظة!

الشعب الإيراني يريد النأي بالنفس!

الإصلاح ثم الإصلاح ثم الإصلاح!

للتريث في قراءة مفاعيل التريث!

كيف ستنطلق السنة الثانية من العهد؟

تغيير مفهوم الإصلاح!

“حبيبتي الدولة”!

من حقّ الناس أن تتعب!