عندما تتحول جدران العاصمة الى لوحات فنية!

الفن هو تعبير عن الذات والمشاعر، إنه مرآة النفس وجمال الروح. تتنوع الفنون في كل زمان ومكان، أما أحدث طرق وأساليب وتقنيات الرسم هو الفن الغرافيتي وهو عبارة عن مزيج من الحروف والأرقام، وقد عرف في البدء بالخربشة وظهرت بداياته في مدينة نيويورك حيث كان الفنان يعبّر عن ذاته وآرائه في جداريات في الشوارع.

 كثر من الفنانيين اشتهروا في توقيعهم على تلك الجداريات وأصبحوا من الفنانين المشهورين، وربما وصلت أعمالهم إلى المتاحف والمعارض وانتشرت أعمالهم في كل أنحاء العالم. إن هذا الفن كتب عنه الكثير وأنتج له الكثير من الأفلام الوثائقية ولكن هويته ما زالت غير واضحة تماماً رغم أنه تحول في السنوات الأخيرة إلى أرفع درجات الشهرة في عالم الفن وجذب العديد من المهتمين والمتأثرين به، وتحوّل إلى مدرسة تنتشر أعمالها في كافة شوارع المدن والعواصم وأصبح من أعرق الفنون إن لم نقل من أجملها.

image (2)5

في مقابلة مع الفنان يزن حلواني الذي روى مراحل بداية إنطلاقته وصولاً لرسم الجداريات، قال: “بدأت الغرافيتي بطريقة ولادية أي كنت أراها في الأفلام وكانوا قطاع الطرق هم الذين يرسمون الغرافيتي. وكأي طفل يتأثر بالأفلام كنت أستوحي من الثقافة الغربية التي كنت أشاهدها حيث كنت أرسمها بطريقة غريبة. الغرافيتي في العالم الغربي ليس عبارة عن رسالة تعبر عن مطلب بل هو عبارة عن فنان يدوّن إسمه على الجدران عبر استخدام ألوان زاهية مع أحرف كبيرة والهدف منها إثبات وجوده كفنان. الغرافيتي هو ما يسمى بالـ “Art Tagging” نشأ في أميركا هو فن يمكن من خلاله أن يدون إسمه الفنان حول جدران المدينة، ومن بعد فكرة إثبات الوجود قررت أن أقوم بالرسم عبر استخدام الخط العربي بدلاً من الأحرف اللاتينية أي قمت بمزج بين فن الغرافيتي والخط العربي والذي تبرز معنى معين”.

image (2)6

عن مقارنة بالفن الغرافيتي في العالم الغربي والعربي، أجاب حلواني: “في العالم الغربي هناك دولة تحافظ على هذا الفن وتنظمه، أما في بيروت وهي مدينة خرجت من حرب، البنى التحتية فيها ليست جيدة فأن يقوم الفنان بانتهاك الأملاك العامة لإثبات وجوده ليس له مكان، فكل الناس في بيروت تقوم بانتهاك تلك الأملاك، من السياسي الذي من المفروض أن يقوم بإصلاحيات الى التاجر المنتهك للأرصفة العامة، وصولاً الى الأشخاص الذين يستولون على الأملاك البحرية، أي الإنتهاكات هي السائدة في لبنان على عكس الدول الأخرى التي فيها النظام هو السائد. أي الغرافيتي هو عكس النظام فإذا أردنا أن نقوم بشيء عكس السائد على الصعيد المحلي يجب أن يكون مع النظام فالغرافيتي بالنسبة لي هو عكس السائد، فمن هذا المنطلق الغرافيتي برأيي يجب أن يبني المدينة بدلاً أن يؤذيها. فرأيت لهذا السبب أنه لا داعي من إثبات وجودي لأن الغرافيتي ليس لي بل هو للمدينة وللجداريات”.

image

واستطرد حلواني قائلاً: “بدأت استخدم الخط العربي لرسم الجداريات كأسلوب بصري مثل: جدارية صباح، وفيروز، ومحمود درويش، وعلي عطالله، فالخط العربي هو الذي يشكل جسم اللوحة فشكلت من الخط العربي وجوهاً، فأنا الذي أقوم بهذه الجداريات أو ما يسمى بفن “الشارع”. والعالم أصبح لديه تفاعل أكثر مع الجداريات، فأعتقد لأنهم يروا جزءاً من ثقافتهم، كما يعطون آراءهم ويشكروني ويصورون الجدارية وهذا ما يعطيني دعماً معنوياً. وخصوصاً أن ليس لدينا في شوارع بيروت الكثير من الفن أو شيئاً ثقافياً، كذلك ليس هناك مؤسسات أو متاحف للفن وهذا بحد ذاته تميز”.

image (2)1

ورداً على سؤال حول إذا كانت المؤسسات الرسمية تدعم مثل هذه الفنون، قال حلواني: “لا أرى إن المؤسسات الرسمية تشجع على هذا الفن تحديداً بل العكس فهي لا تسهل هكذا نوع من الفنون. وإذا أراد فنان أن يطلب إذناً لرسم غرافيتي على جدار معين فهي مسألة صعبة بسبب عدم معرفتهم بالإجراءات المتطلبة لأخذ الإذن. معظم الجداريات التي أقوم برسمها هي على حسابي الخاص، وفي بعض الأحيان حين تكون الجدارية كبيرة وأتعامل مع بعض الجمعيات كجمعية “أحلى فوضى” وشركة “Color Tek’’ الذين قدموا لي معدات الرسم الخاصة والتي تعتبر باهظة الثمن. والهدف هو للمدينة لكي تنشر الثقافة فيها خصوصاً بغياب متاحف فنية معاصرة، كما أحب أن أرى تفاعل الناس مع الجدارية. فبرأيي هناك طريقتان للمحافظة على المدينة إما الإلتزام بالنظام أو أن يقوم الفرد بمبادرة فردية لتجميل المدينة”.

image (1)

أما عن الصعوبات التي تواجه هذا الفن الجديد فقال حلواني: “الصعوبات عديدة منها الإجراءات المطلوبة لأخذ موافقة من أجل رسم الغرافيتي، وهي أصلاً غير واضحة، ويتم الموافقة حسب الحالة أو الطلب. والصعوبة الأخرى تتعلق بالتقنيات التي نضطر إلى استعمالها كالرافعة وغيرها لرسم جداريات كبيرة وفي بعض الأحيان لا تكون آمنة جداً، فهذا الفن جديد والتقنيات المتخصصة ليست متوفرة بكثرة في لبنان”.

وعن أسباب اختيار جدارية للفنانة صباح تحديداً والتي رسمتها في شارع “الحمرا” شرح حلواني إن “جدارية صباح هي أول جيدارية لفنان لبناني ترسم على بناية وهناك جدارية أخرى لفنان تشيلي، وهذا شيء جديد. و”الحمرا” قبل الحرب كانت مكاناً ثقافياً لشعراء مثل نزار قباني الذي كان يكتب في مقاهيها، ولكن بعد الحرب فقدت هذا الوجه الثقافي واتخذت وجهاً تجارياً. ولكن أعتقد أن يجب أن يكون هناك وجهاً ثقافياً فبلد مثل لبنان صغير المساحة لن يصبح لدينا أغلى ثروات أو صناعات في العالم ولكن يمكن أن يكون لدينا ثروة من خلال الثقافة والفن واللتان ليستا بحاجة إلى موارد كبيرة. وأن يكون لدينا إشعاعاً دولياً من خلال الثقافة أكثر منها تجارية. والهدف أيضاً إعادة الوجه الحقيقي القديم للمدينة ولشارع الحمرا تحديداً. وتم اختيار تحديداً الفنانة صباح لعدة أسباب فهي كان لديها العديد من الأغاني لشارع الحمرا مثل “بيتي في شارع الحمرا”، وحين كنا نقرر الشخصية التي سيتم رسمها توفيت صباح، وحين نريد وضع شيء في المدينة يجب أن يكون إيجابياً وهي لديها إبتسامة جميلة، كما أن البناء التي تم رسم الجدارية عليها هي في أول “الحمرا”، وتاريخياً هذا البناء تعرض لعدّة تفجيرات”.

وختم حلواني: “إذا كان لديه مبادرة فردية لتجميل المدينة يجب أن يقوم بها ولا يجب أن يهتم بالمردود المالي بل الأهم هو مدى التأثير على المدينة. ولقد عملت في عدة دول من فرنسا وتونس وسنغافورة وعدة بلاد، ولكن الفكرة أن الفنانين بطبيعة عملهم يحبون التعاون مع الآخر وإذا كان لدى أحد أي مبادرة يمكنه التواصل معنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي:facebook.com/yazan1 أو عبر الإنستغرام: @yazanhalawani.

—————————

(*) علا كرامة