كذبة ونكبة في سوريا

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

إذا ألقينا نظرة واقعية على مضمون بيان مؤتمر فيينا بشأن الأزمة السورية، وأجرينا مقارنة مع الواقع الميداني والخطوات التنفيذية على الأرض لأدركنا التالي، أولاً: في الحديث عن «وحدة سوريا واستقلالها وسيادة أراضيها وهويتها العلمانية»، نرى تأكيداً نظرياً يقابله فرز مذهبي وعرقي وتغييرات في الديموغرافيا على الأرض، وحقداً وتفككاً مستمرين، والدول المعنية والنظام أو لنقل التحالفات المتعددة تسهم عملياً في هذا الأمر. وأين السيادة ؟ وأين

«ضرورة حماية حقوق السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية» الواردة في البند 3؟ وهل إيران التي خطفت الأضواء بحضورها «الضروري» بإقرار الجميع، تريد سوريا علمانية وديموقراطية؟

ثانياً: «ضرورة إلحاق الهزيمة بداعش». واقعياً يظهر ذلك من خلال ما تمارسه الطائرات الروسية والأميركية والفرنسية والتركية استباحة لسوريا. و«داعش» لا يزال موجوداً قوياً مفاجئاً لقوات النظام، والتحالفين الأميركي والروسي، يتقدم هنا وضربات هناك، إضافة إلى استمراره في تحصيل 500 مليون دولار أميركي من واردات النفط في سوريا والعراق! أما السيادة، فالأفلام تعرض وتركّب، عن التدريب العسكري الروسي في الأجواء السورية لاختبار كفاءة الاتصالات. لقد تحولت أرضنا إلى حقول تجارب لأسلحتهم ودمّر كل ما عليها. وتحوّلت مياهنا إلى ممرات ومعابر لأساطيلهم وحقول تجارب لأسلحتهم وتقنياتهم الجديدة، وتتحوّل سماؤنا اليوم إلى فضاءات تصول وتجول فيها طائراتهم وتختبر كفاءات طياريهم وغرف عملياتهم الجوية واتصالاتهم التقنية ومصير سوريا على «كفوف عفاريتهم»!

ثالثاً: وفي الحديث عن مصير الأسد، نجد عبارة «السوريون يقررون مصيرهم». كلام حق يراد به باطل، وهو معيب في هذا التوقيت، لماذا؟ كل الدول تتدخل علناً وتقول إن تدخلها لتعديل ميزان القوى ولمنع هذا الفريق أو ذاك من كسر الميزان وتجاوز الحدود، أو لإلزام الأطراف بالذهاب إلى طاولة الحوار. والشعب السوري يقرر مصيره. تدخـّـل في كل شاردة وواردة أمنية وعسكرية وسياسية ومالية واقتصادية. والقرار عند الكبار وحديث عن حق تقرير المصير للشعب السوري. ونسي الكبار حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وسلّمت أميركا بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وأغدقت عليها المساعدات، وكل أشكال الحمايات، بما فيها الشراكة في تطوير المشروع النووي، وهذه سابقة في تاريخ العلاقة بين الحليفين!

رابعاً: يتباهى بعض الغربيين بإيهام النفس بأن مشاركة المهجرين في التصويت لن تكون لمصلحة الأسد. كأنهم يقولون أمرين: لا ضمانة بنزاهة الانتخابات عندما تجري لأن قوات الأسـد ستضغط على الناس. وهذا مناف لبند الحديث عن انتخابات نزيهة تجري بإشراف دولي. والأمر الثاني أن الحل العبقري يكمن في تهجير السوريين للوقوف في وجه الأسد والانتخاب ضده طالما أن الشعب السوري يقرر، وبالتالي لا مجال لإخراجه إلا بالانتخابات. نهجّر السوريين إلى الخارج لنتمكن من إطاحة الأسد الذي عاد ليقول: ضرب الإرهاب قبل الانتخاب! عيب هذا الاستخفاف بعقول الناس إلى هذا الحد. ألم يصوّت قسم من السوريين في لبنان لمصلحة الأسد؟ لماذا لا نبقي السوريين في بلادهم ونذهب إلى تثبيت معادلة داخلية تنتهي بخروج الأسد؟ إنها اللعبة الدولية المشبوهة الخبيثة التي ستبقى سوريا بموجبها تنزف وتدمّر، ولن يكون فيها حل قبل الاتفاق الروسي – الأميركي انطلاقاً من المعادلة «الذهبية» الدبلوماسية التي أعود للتذكير بها دائماً: واشنطن تقول: بدء العملية السياسية ليس مشروطاً بتنحي الأسد. وموسكو تقول: انتهاء العملية السياسية ليس مربوطاً ببقاء الأسد. وقد أطلقت إشارات كثيرة في الأيام الأخيرة قبل فيينا وخلالها وبعدها في هذا الاتجاه، وأبرزها ما أعلنه لافروف: لم أقل بوجوب بقاء الأسد. وإلى أن يصل الطرفان المعنيان إلى اتفاق، يتغنى النظام بانتصار أن المؤتمر لم يشر إلى مرحلة انتقالية، وتقول إيران إنها لا تقبل بتغيير الأسد، وتتباين في الرأي مع روسيا كما قال قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري: «جارتنا الشمالية (روسيا) تساعد في سوريا لكنها ليست سعيدة بالمقاومة الإسلامية. وليــس واضحاً أن مواقف روســيا تتطابق مع رأي إيران في شأن الأسد». وفي المقابل، تصر أطراف عربية وتركيا على إزاحة الأسد ودعم المعارضة. وتذهب موسكو إلى التحضير لمؤتمرات في موسكو. فتكون موسكو وفيينا تمهيدات لـ «جنيف» جديد. سيطول أمده. خلال هذا الوقت تأتي الخطوة الأميركية الجبارة: إرسال 50 عسكرياً إلى سوريا. عيب وفضيحة يستحقها الذين يراهنون على أميركا، لكن يدفع ثمنها السوريون. ما يجري فوق سوريا وعلى أرضها وفي أروقة المؤتمرات كذبة مفتوحة ومذبحة ونكبة مفتوحة.