«لعبة الدول».. لا عواطف لا أخلاق

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

في فيينا قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري: «لا نعارض الاتفاق العسكري بين الأردن وروسيا. قد يساعد على التأكد من أن الأهداف المقصودة هي الأهداف التي يجب أن تكون»! لا شك أن هذا الاتفاق هو خطوة سياسية نوعية مهمة قبل أن تكون خطوة أمنية، فالمعروف أن غرفة العمليات المركزية المسماة «موك»، والتي تتابع العمليات ضد النظام السوري موجودة في الأردن والريادة فيها بشكل أساسي للأميركيين! أن يصبح في الأردن غرفة عمليات أخرى للتنسيق مع الروس الذين ينفذون عمليات ضد المعارضة السورية فهذا أمر بالغ الدلالات، وأن يدعو وزير الخارجية الروسي الدول الأخرى للانضمام إلى هذا التنسيق، فهذا يعني التنافس بين التحالفات. تحالف بقيادة أميركا، وآخر بقيادة روسيا، وعروض تقدم للانضمام إلى كل منهما. إلا أن الأهم في مقاربتنا اليوم هي مناقشة المنطق والمعايير التي يتحدث عنها الأميركيون والروس. هل جاء التنسيق الروسي – الأردني للتأكد من أهداف القصف الروسي كما قال كيري؟ أهذه هي دلالات وخلفيات وأبعاد ومعاني هذه العلاقة؟ أليس ممكناً التأكد من خلال العلاقات الثنائية الأميركية الروسية وآلية التنسيق بين الطرفين والتقنيات الموجودة لدى الأميركيين؟ إنه استخفاف بعقول الناس.

وزير الدفاع الأميركي «آشتون كارتر» حث «القوى المعتدلة على مواصلة قتال النظام السوري»، وأعلن «أن قوات التحالف أسقطت بضعة أطنان من الأسلحة والذخيرة للسوريين العرب من المعارضة»!
سبحان من أرضى الناس بعقولهم والقادر على تغيير الأحوال وليس فقط الأقوال والأفعال! كارتر يتحدث عن قوى معتدلة كان ينفي وجودها طيلة سنوات. كيف وجدت هذه المعارضة اليوم؟ أين كانت؟ أين هي؟ كيف ظهرت؟ هل يقصد الـ4 أو 5 مقاتلين، الذين بقوا من برنامج التدريب الذي بدأت بتنفيذه المخابرات الأميركية، وفشل وشكل ذلك فضيحة في أميركا، وسبب الفشل الأساس أن المتدربين كانوا يريدون قتال النظام إلى جانب قتال «داعش» والإدارة الأميركية كانت ترفض وتصرّ على قتال «داعش» فقط؟

لماذا كانوا يرفضون تسليم السلاح للمعارضة؟ كانوا يدّعون أنهم يخشون وقوعه بين أيدي المتطرفين. قسم من سلاح الجيش العراقي سقط في أيدي «داعش»، وثمة تحقيق في ذلك، وقسم من سلاح المعارضة المعتدلة المدرّبة من قبل الأميركيين سلّم إلى «النصرة» في سوريا. واليوم يتحدث «كارتر» فجأة عن معارضة معتدلة، ويقول إنهم رموا السلاح لها – المعارضة العربية – يتحدث بوضوح عن ذلك، لأن الأكراد لهم حصتهم الخاصة ورعايتهم الخاصة! ويدعو هذه المعارضة المعتدلة إلى مواصلة قتال النظام. يعني أنها كانت موجودة وتقاتل النظام، فلماذا لم يكن يعترف بها آنذاك ويدعمها، وجاء اليوم إلى دعوتها إلى مواصلة قتالها النظام؟ إنهم يستخفون بعقول الناس!

في المقلب الآخر عندما بدأ الروس عملياتهم العسكرية في سوريا قصفوا، بل ركّزوا قصفهم على مواقع الجيش السوري الحر، ثم أنكروا وجوده، ثم قالوا:«ليدّلنا الأميركيون على مواقع وجوده»، طلبنا ذلك إليهم ولم يفعلوا، ثم في اجتماع فيينا أقرّوا بوجود الجيش الحر من خلال بند في مشروع خطتهم لحل الأزمة السورية دعوا فيه إلى دمج الجيش الحر وجيش النظام لتكوين الجيش السوري الجديد! إنه أيضاً استخفاف بعقول الناس الذين يدفعون الثمن.

في منطقة أخرى- أفغانستان – غيّر الرئيس الأميركي استراتيجيته. قررّ وقف سحب قواته من البلاد. السبب: «اكتشفنا أن الجيش الأفغاني ليس مهيئاً بعد للإمساك بالأمن»! اليوم اكتشف أوباما ذلك. كأنه لم يكن على الأرض ولا يعرف ما عليها، وما الأوضاع هناك. ولا يتابع التطورات. وفي تقرير للكونجرس حول «أفغانستان ما بعد «طالبان» بتاريخ 17/8/2015، ورد أنه حتى نهاية عام 2014 قدمت الولايات المتحدة نحو مائة مليار دولار منذ سقوط «طالبان» بينها 60% خصصت لتجهيز وتدريب القوات الأفغانية! وفي 2015 بلغت المساعدة 5.7 مليارات حسب التقرير ذاته، ومع ذلك هل عندما سحب القوات الأميركية من العراق كان قد تأكد أن الجيش العراقي أصبح قادراً متمكناً من الإمساك بالأمن وتثبيت الاستقرار ومواجهة كل التحديات؟ ثم اكتشف اليوم أنه جيش ضعيف، وفيه فصائل وهمية وجزء من سلاحه ذهب إلى خصومه وهو سلاح أميركي ولا بدّ من إعادة تكوينه بما يضمن مشاركة الجميع فيه وكذا وكذا وكذا؟ هذه عيّنات من مواقف وتصرفات وقرارات وسياسات الدول الكبرى. من يحاسب أميركا أو روسيا؟ من يحاسب بوتين أو أوباما؟

إنها لعبة الدول الكبرى الخطيرة، التي تذهب بدول وشعوب وأمم صغيرة. وفي هذه اللعبة ليس ثمة عواطف أو أخلاق أو إنسانيات أو معايير ثابتة أو احترام للناس ومشاعرهم وعقولهم ومصالحهم وحيواتهم ومستقبلهم. اللعبة تتجاوز كل ذلك. وهذا ما يجري في سوريا اليوم، فلا يفرحن أحد بهذا أو ذاك وليخرج الجميع من التفكير الضيّق. تفكير العصبيات والنكايات وردّات الفعل. روسيا وأميركا تستخدمان اللعبة ذاتها وتقلبان المعايير وتنقلبان على كل ما هو معروف ومألوف وتتقبلان بعضكما وتتسابقان وتتقاسمان المصالح هنا وهناك على حسابنا!