روسيا والغرب ودمار سوريا

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

دبلوماسي أجنبي اطلع على المحادثات الأميركية الروسية التي جرت خلال الأيام الماضية بشأن الوضع السوري في ظل مقاربتين مختلفتين: الأولى أميركية تصرُّ على حصر الضربات الروسية بـ«داعش» والعمل على حل لا يكون للأسد دور من خلاله في مستقبل سوريا. والثانية روسية تصرُّ على شمولية الضربات لكل أنواع المعارضات على الأرض، والتأكيد على حلٍّ بلا شروط مسبقة. فمستقبل سوريا يقرِّره السوريون، وسيكون للأسد دور أساسي فيه. وفي كل الحالات دعا الأميركيون إلى تنظيم العمليات العسكرية في الجوِّ والتنسيق بين المسؤولين العسكريين في كل من واشنطن وموسكو. الدبلوماسي هذا قال: «عرض الأميركي في نهاية المشاورات وأمام الرفض الروسي المفتوح تسوية تقضي ببقاء الأسد لمدة سنتين فقط ويتنحَّى بعدها بطريقة يتفق عليها وتكون روسيا ضامنة لذلك». روسيا رفضت هذا العرض، الذي كان قد تقدَّم به منذ سنتين تقريباً الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان عندما كان رئيساً للحكومة إلى الإيرانيين ورفض أيضاً من قبلهم.

سألت زميلاً للدبلوماسي المذكور: «ماذا سيفعل الأميركيون؟» فأجاب: «لا أعرف. ولا أبالغ إذا قلت: هم لا يعرفون. إنهم ضائعون. متردِّدون. فاجأتهم الخطوة الروسية. وقد حصل نقاش في واشنطن حول دور المخابرات المركزية وإذا، كانت قد أساءت التقدير أم لا. وتباينت الآراء حول الأمر. فردَّ بوتين منذ أيام قائلاً: «المخابرات الأميركية أقوى جهاز في العالم، لكنها لا تعلم كل شيء ولا يجب أن تعلم». كان يسخر منهم! وأضاف الدبلوماسي: «المؤكد أن الرئيس أوباما لا يريد التدخل المباشر في سوريا، ولن يكرر تجربتي أفغانستان والعراق. ربما يذهب إلى محاولة إغراق موسكو في سوريا كما حصل في أفغانستان، ولكن يترك المعركة لغيره في وجه الجيش الروسي والسوري وحليفهم الإيراني وميليشياته، والمؤكد أن الحركة ستكون بطيئة في بادئ الأمر ولا ننسى أن الباقي من عمر الإدارة الحالية سنة واحدة، وبالتالي ستكون ميتة فعلياً في ظل السياسة التي اعتمدتها وتعتمدها. كل ما جرى حتى الآن أن صواريخ «تاو» أعطيت للمعارضة، أثبتت فاعليتها في صد الدبابات السورية وقد يكون لها أثرها في المعارك على الأرض لمنع الجيش السوري من استعادة مواقع احتلها المعارضون. فالمعركة لا تحسم من الجو وتجربة الضرب من فوق بالطيران أثبتت أنها ليست العنصر الحاسم في كل الحروب». وقال: «أنزل الأميركيون السلاح إلى فصائل معارضة، وقد تأخروا في ذلك. هم قالوا في البداية لا نريد إلا معارضة معتدلة. ذهبوا إلى تدريب قوات في هذا الاتجاه. اكتشفوا فشلهم واعترفوا به وسقطت تجربتهم لماذا؟ بوضوح: لأن المعارضين لا يريدون قتال داعش فقط والانكفاء على قتال النظام. يريدون ضرب النظام أيضاً، وأميركا لا توافق. اليوم، تضطر أميركا إلى اللجوء إلى فصائل معارضة رفضت تقديم الدعم لها. وهي تدعوها إلى مقاتلة داعش! وفي لحظة التدخل الروسي إلى جانب النظام تبدو هذه الخطوة غير فعالة، بل سلبية وسيئة وخطيرة».. واستشهد الدبلوماسي بكلام وزير خارجية بريطانيا الذي قال: «إذا حاولنا العمل مع الأسد فسندفع بالمعارضة إلى أحضان تنظيم داعش، وهذا معاكس تماماً لكل ما نريد». وبكلام وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية «هارلم ديزير»، الذي أكد:«أن العملية الانتقالية السياسية يجب أن تجري من دون بشار الأسد».

مسؤول غربي آخر قال لي: «قبل التدخل الروسي رفض المقاتلون السوريون المعتدلون الذين خضعوا لدورات تدريبية على يد الجيش الأميركي، وكان من المفترض أن يشكلوا نواة جيش المعارضة السورية المعتدلة، أن يوقعوا على عقود عملهم، لأنهم لا يريدون حصر مهمتهم بقتال داعش فقط. فما بالك بالذين لا يريدون إلا قتال النظام؟ وبعد التدخل الروسي وفشل الأميركيين ومع استهداف الروس كل المعارضات، ستستمر هذه القوى على مواقفها وستزداد تطرفاً وتشدداً وسيكون الدور الأبرز فيها لمن هو أكثر تطرفاً أي داعش، وهذه هي إحدى النتائج الخطيرة لما تقوم به موسكو وتتردَّد حياله أميركا»!

سألت: هل يمكن لروسيا أن تغير موقفها؟ أجاب المسؤول: «لا أعتقد. ذهب بعض العرب إليها ولم يوفقوا. روسيا دخلت في لعبة كبيرة. ربما محسوبة لكنها محفوفة بمخاطر» ! قلت: المشكلة إن كل الذين يتحدثون الى موسكو لا يشيرون إلى أوكرانيا. ويجب أن ننتبه إلى أن الانتخابات في «المناطق الانفصالية» قد تم تأجيلها بعد اجتماع ثلاثي ضم بوتين وميركل وهولاند. ورحبت روسيا بالخطوة وكذلك أميركا وأعلن الرئيس الأوكراني أننا أمام هدنة حقيقية وبدأ سحب قوات ومعدات ثقيلة من الجبهات، لكن هولاند وميركل يريدان من أميركا أن ترفع كل العقوبات عن موسكو أو تخففها في مرحلة أولى ولكنها لا تزال ترفض، ولذلك الحل بعيد. والحرب في سوريا طويلة ومدمِّرة والكل يلعب لعبة الوقت. موسكو هنا أطلقت صواريخ من بحر قزوين. سلطت الضوء على صناعاتها الحربية، تريد استقطاب عروض لشراء منتوجها الحربي، وقد تلجأ الى ضربات حساسة في سوريا تؤدي إلى زيادة سعر النفط فترتاح نسبياً الآن!

في النتيجة: «صراع أمم وخراب ودمار وتهجير وآلام كبيرة في سوريا. فقال: «للأسف هذا هو الواقع. انتبهوا أنتم في لبنان»، وللبحث صلة.