لتعاون موسكو مع واشنطن في سورية

زبيغنيو بريجنسكي (الحياة)

لا يخفى على أحد كيف اندلعت الحرب العالمية الأولى: تراكم أعمال عنف فردية أدى الى عمليات عسكرية لا عودة عنها. وافتقرت هذه العمليات الى وجهة استراتيجية شاملة واهداف واضحة. وانتهت الامور الى أربع سنوات من مذابح ارتكبت باسم اهداف طموحة اعلنتها القوى المنتصرة بمفعول رجعي. والوقت لم ينفد بعد للحؤول دون تكرار لمثل هذه الحوادث الاليمة في الشرق الاوسط المشتعل، وفي سورية على وجه التحديد.
وأيدتُ موقف الرئيس أوباما الامتناع عن استخدام القوة في المأساة السورية. وكان اللجوء الى القوة الاميركية في اطاحة بشار الاسد يجافي المنطق في غياب إجماع محلي في سورية وأميركا، على حد سواء.
وتقدمت عجلة المفاوضات النووية العسيرة مع ايران، وفيها تعاونت الولايات المتحدة وروسيا وغيرهما من القوى الرائدة لتذليل العقبات. وإثر هذا الانفراج، حسِب المرء أن المرحلة المقبلة في التعامل مع المشكلة السورية قد تؤدي الى مساعي حل بالتعاون مع قوى وازنة مثل الصين وروسيا. ولكن موسكو اختارت التدخل العسكري من غير تعاون سياسي أو تكتيكي مع أميركا. فشنت هجمات جوية على عناصر سورية رعتها أميركا ودربتها وسلحتها. وهذه الضربات هي عرض لانعدام الكفاءة العسكرية الروسية، وفي أفدح الاحوال، هي مرآة رغبة خطيرة في تسليط الضوء على العجز السياسي الاميركي. وفي الحالين، مستقبل المنطقة وصدقية الاميركيين في أوساط دول الشرق الاوسط، على المحك. وإذ تتسارع وتيرة الحوادث، لا تملك الولايات المتحدة غير خيار واحد: دعم مصالحها في المنطقة ودعوة موسكو الى وقف الاعمال العسكرية التي تؤثر مباشرة في المصالح الاميركية. ولا يطعن أحد في حق روسيا في دعم بشار الاسد. ولكن أي تكرار لما حصل للتو يستدعي رداً أميركياً. والمرابطة البحرية والجوية الروسية في سورية هشة، وبعيدة جغرافياً عن روسيا. وفي الامكان «نزع سلاح» هذه (القوات البحرية والجوية) إذا واصلت استفزاز أميركا. ولكن الخيار الامثل هو اقناع موسكو بالتعامل مع واشنطن في التوصل الى حل واسع لمشكلة اقليمية تتجاوز مصالح دولة واحدة.
وتعاون أميركي – روسي سياسي وعسكري في الشرق الاوسط، ولو كان محدوداً، قد يؤدي الى تطورات جغرافية سياسية ايجابية: اشتراك الصين في احتواء مخاطر توسع انفجار الشرق الاوسط. وتقتضي مصالح بكين الاقتصادية الحؤول دون توسع النزاع في الشرق الاوسط وانتشار الفوضى، وتقتضي كذلك زيادة نفوذها الاقليمي. ولا يسع فرنسا او بريطانيا اداء دور حاسم في الشرق الاوسط بعد اليوم. وعسير على الولايات المتحدة أن تؤدي مثل هذا الدور وحدها. والمنطقة منقسمة سياسياً واتثنياً ومناطقياً، وهي تنزلق الى قاع العنف المتفشي. وهذه الحال تقتضي مساعدة خارجية وليس هيمنة كولونيالية جديدة. وتمس الحاجة الى توسل القوة الاميركية في السعي الى صيغة جديدة للاستقرار الاقليمي.
ولا شك في ان الصين تفضل البقاء على الهامش أي عدم أداء دور بارز. وقد تحسِب ان الدور الثانوي يخدم مصالحها. ولكن الفوضى الاقليمية قد تنتشر الى الشمال الشرقي، وتتفشى عدواها في آسيا الوسطى وشمال شرق آسيا. ولن تنجو كل من الصين وروسيا من ارتدادات تفشي العنف والفوضى. وهذا يلحق الضرر بمصالح أميركا وأصدقائها، ويقوض الاستقرار الاقليمي. لذا، آن أوان التحلي بجرأة استراتيجية.
————————————–

* مستشار الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس جيمي كارتر، عن «فايننشل تايمز» البريطانية،