“رون بن يشاي”: المشاركة الفلسطينية في المواجهات ليست كبيرة

إن الاجراءات التي تتخذها الشرطة في القدس، إلى جانب تحرك الجيش الإسرائيلي في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] تعطي ثمارها وإن لم يكن بالسرعة المرغوبة. فالمنطقة ما تزال تشتعل، لكن ألسنة اللهب ليست عالية. حتى الآن ما يجري ليس ثورة شعبية- بل ما يزال في إطار ارهاب شعبي، فالناس لا يخرجون بأعداد وفيرة إلى الشوارع، فقط عشرات وأحياناً مئات من الفلسطينيين يخرجون للاشتباك مع قوات الأمن في أماكن معينة ومعروفة.

 المؤسسة الأمنية تعرف هذه الأماكن الموجودة خاصة في مناطق خط التماس بين الأحياء أو هي مواقع يهودية بين أحياء وقرى فلسطينية. في أيام الانتفاضة الأولى أطلقت المؤسسة الأمنية ساخرة على هذه الأماكن اسم “ساحة اللعب”، ويبدو أن “ساحات اللعب” هذه سواء في القدس أم في يهودا والسامرة كانت نشيطة جداً في الأيام الأخيرة.

من الملاحظ جرأة أكبر لدى الشباب الفلسطينيين الذي يخوضون المواجهات، لكن لا يوجد استخدام للسلاح الناري من جانبهم. التطور المثير للقلق الذي حدث خلال الـ48 ساعة الأخيرة هو موت شباب يدعي الفلسطينيون أنهم تعرضوا لإطلاق النار عليهم من جنود الجيش الإسرائيلي. مما لا شك فيه أن الشاب الفلسطيني الذي أصيب في طولكرم بنيران الجيش كان من قادة المحرضين. أما في ما يتعلق بالفتى الفلسطيني البالغ من العمر 13 عاماً الذي أصيب في بيت لحم فليس واضحاً حتى الآن ما الذي جرى، لكن يمكن افتراض أنه جرى إطلاق نار في المكان.

 يعتقد الجيش أن الوضع على الأرض حتى الآن تحت السيطرة. صحيح أنه ما يزال هناك رشق للحجارة وللزجاجات الحارقة على الطرقات، لكن بكميات أقل مما كانت عليه قبل يومين أو ثلاثة. وبدأت السلطة الفلسطينية تتحرك لتهدئة المشاعر، بما في ذلك تصريحات تخدم هذا الهدف. كما أن التنسيق بين القوات الإسرائيلية وأجهزة الأمن الفلسطينية يجري كالمعتاد ومن دون أي عرقلة، وهذا من الأسباب التي أدت إلى عدم امتداد الحريق في المنطقة.

 إن الذين يحاولون بكل قواهم التصعيد هم “حماس” والجهاد الإسلامي الفلسطيني، والتنظيمات الغزاوية الأخرى. وفي الحقيقة، فإن أغلبية الشباب الذين يدخلون في مواجهات مع الشرطة والجنود الإسرائيليين في القدس يرددون شعارات هذه التنظيمات. وأيضاً المخربون الذين اعترفوا بقتل الزوجين هانكين سُمح هذا المساء بنشر خبر انتمائهم إلى خلية تابعة لـ”حماس” في نابلس.

 الجديد هو أن الناطق بلسان السلطة الفلسطينية قال بالفم الملآن إن السلطة ليست معنية بانتفاضة ثالثة، وبذلك هو يقف موقفاً مناقضاً تماماً لموقف “حماس” والتنظيمات الإسلامية التي تدعو علناً إلى انتفاضة ثالثة. ومن المحتمل أن يكون الحديث الذي دار بين الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وأبو مازن دفع الأخير إلى عدم الوقوف موقف المتفرج. ويبرز هذا الأمر في تحركات أجهزته وفي تصريحات الناطق بلسانه. وبرغم ذلك تحرص هذه الأجهزة الأمنية على التحرك من وراء الكواليس ومن دون أن تدخل في مواجهة علنية مع الجمهور، فهم يتركون هذه المهمة للجنود الإسرائيليين.

ثمة تطور مقلق يثقل بصورة خاصة على الجيش الإسرائيلي هو أعمال الشغب والعنف التي يقوم بها يهود والتي بدأت عشية يوم السبت واستمرت هذين اليومين. فقد اقتلع مثيرو شغب يهود مئات أشجار الزيتون في أنحاء شتى من الضفة، في مرحلة حساسة للغاية أي في فترة الحصاد، وهذا الأمر يثير غضب سكان القرى الفلسطينية. وبالإضافة إلى ذلك احتل المستوطنون مستوطنة حومش التي أُخليت سنة 2005، وقام يهود نزلوا إلى الطرقات برشق حجارة مما تسبب بإصابة حاكم جنين.

 تثير هذه الأفعال مشكلتين؛ الأولى، تفرض على الجيش تخصيص قوات كبيرة لمنع الاحتكاك بين مثيري الشغب اليهود ومثيري الشغب من الفلسطينيين. أما المشكلة الثانية، فهي أنها تشعل المناطق الفلسطينية وخاصة القرى الموجودة على تماس دائم مع المستوطنات اليهودية في يهودا والسامرة [الضفة الغربية].

إن الاختبار سيكون خلال الأيام المقبلة ولا سيما يوم الجمعة، حينها سيتضح ما إذا كانت عمليات التهدئة التي جرت أيضاً من خلال محادثات مع مسؤولي الوقف [الإسلامي]، والأردن، والسلطة الفلسطينية في ما يتعلق بجبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف] ستعطي ثمارها وما إذا كان التحريض بشأن هذه المسألة سيتراجع.

 من المحتمل أن يتخذ المجلس الوزاري المصغر في اجتماعه هذا المساء [الاثنين الماضي] إجراءات جديدة برغم أن رؤساء المؤسسة الأمنية بمن فيهم الجيش والشاباك يوصون بعدم رفع مستوى العمليات على الأرض إلى أعلى مما هو عليه الآن. والتقدير هو أنه إذا لم يقع قتلى جدد بين الفلسطينيين، فمن الممكن “احتواء” الإرهاب الحالي.

———————————–

(*) مؤسسة الدراسات الفلسطينية