الهزيمة

قصيدة سياسية مهداة إلى روح الشاعر العربي الكبير عمر أبو ريشة ومستوحاة من هذا الزمن العربي الرديء

بقلم العميد المتقاعد أمين أبو عاصي

قُلْ للهزيمة ما بهـــــــــــــــــــا تتنكّرُ         ولهـــــــا استوى في اصغرينا المعبرُ

تجري به مجرى الدمــــــــــاء ِكأنما          حُمَّ القضــــــــــــــــاءُ بنا وحلَّ مقدرُ

لا تستحي من عريهــــــــا مذ أينعتْ       فكأنها في أمـــــــــــــــــــــة ٍلاتبصرُ

من ذا تخـــافُ أخِصْية ًببـــــــلاطِهم          تســـــــطو على دار الحريم ِوتخطرُ

أينَ الأبــــــــــــاة ُوأين فتكُ سيوفِهمْ         ليضيقُ عنهـــــــــــا الغمدُ إذ تـُستنفرُ

حملت لواءَ النصر ِ في زمن ٍ مضى          يخلى لها في النائبـــــــــــــات المنبرُ

حتى إذا هدأ الصليـــــــــلُ تعاظمتْ           للحرفِ منزلــــــــــة ٌ تغيبُ وتحضرُ

عبقت بها الاسفــــــارُحين استـُوثقت       فيه الحضــــــــــارة ُ تـُـبتنى وتـُعمَّرُ(1)

فيها القطـــــــــوفُ الدانياتُ وتحتها           من سلسبيل الخــُــلدِ يجري الكوثرُ(2)

ملأ الزمـــــــان َ أريجُها فإذا الجنى            نفحــــــــاتُ فكر ٍ تستقيها الأعصُرُ

تلك الحضــــــــــارةُ أُعفيتْ آثارُها           من كلِّ رسم ٍ فــــــــاعتراها تصحُّرُ

إذ نام عنها من تفيَّأوا ظِلــَّــــــــــها           ومن اهتدوا بشعاعِهـــا وتحضَّروا

واليومَ قد بــــاعوا الهُدى بضلالة ٍ            فالروضُ جفَّ وغصنــُــه لا يُزهرُ

حتى لــَـبات العقــــــل فينا وصمة ً         والليــــــــلُ عند ” وُلاتِنا ” لا يُقمرُ

(1) الضمير في كلمة ” به ” عائد للحرف

(2) الضمير في كلمة فيها عائد للحضارة

هاموا ” بغرب ٍ ” عاشقينَ خداعهُ            وعلى مراكبـــه الخبيثةِ أبحروا(3)

يجري بهم مجرى الغـوايةِ عابثاً              والركبُ في إثر الغــــــوايةِ يمخرُ

حتى إذا بلغوا المـدى في غــَيِّهم          وافترَّ عن بئس ِالمصــير ِالمنظرُ

استنقذوهُ رحمـــــــــة ًبعروشِهم           “متوسِّلين ” ورأسُـــهم مُتعفــِّرُ(4)

أبدى نواجذه فــــــأفرخَ روعُهم               والذئبُ يبســـــــمُ للقطيع ويمكرُ

هذي يدي نـــــــادى بهم مُتعالياً            تحمي البـلاط َوأهله فاستبشروا

أهلاً نزلــــــــت فسُدْ بنا قالوا له            لك إن صَدقتنا ما تشـــاءُ وتأمرُ

وهو الدخيلُ على شتاتٍ جاهلٌ             بتـُراثهم وكِتابهم مــــــــــا يُؤثرُ

أجرى الـــوقيعة بينهم فتنافروا              وبكلِّ واد ٍغير ذي زرع ٍجروا

طعنــــــاً بماضي أمة ٍ كنا بها                 خيرَ الأنـــام ِ بهَدْي ِ من نستغفرُ

أيــــــام كان الشرقُ مهدَ نُبُؤة ٍ                والوحــــــــيُ بين شعابه يتفجـَّرُ

قد غـُيِّضَ الإيمـــــانُ فيه مثلما                بتنا بدين الأنبيــــــــــــــاءِ نـُعيَّرُ

أَوَ يُشتفى للزهر من قطر ِالندى               فعـلامَ بعدُ على الظلامةِ نبصرُ؟

الاندلس
مهــــلاً فما قـُصُرتْ يميننا إنما                دونَ امتشاق ِالسيف خطـٌّ أحمـرُ

قيدٌ رعاهُ الغاصبون وصــــــانهُ                     “عربٌ” لتاريخ الجدودِ تنكــّروا

ظنـّوا بـأنَّ الشعبَ يَغفرُ جرمَهمْ               كـــــلا أُباة ُ الضيم ِلا لن يغفروا

ما أصـــدقَ التاريخُ إن جئنا به               يروي حكـــــــــاية ذُلـِّهمْ ويُخبِّرُ

ويَقصُّ للأجيــــال كيف تدنـَّست                     أرض القداسةِ واستــُحلَّ المنكرُ

زُفـَّتْ فلسطينٌ إلى جـــــــلادها               فتحللوها والحُمــــــــاة ُ الحُضَّرُ

سُبيتْ معالمُهـــــا فباتَ خيالـُها                طيفاً حزيناً في المـــدامع يسهرُ
(3) الضمير في كلمة هاموا عائد للولادة

(4) الضمير في كلمة استنفذوه عائد للغرب

لم يبقَ في المــقل الأبيـَّةِ دمعة ٌ                غارت مـــــآقيها وجُفَّ المحجرُ

ولغ الصهـــاينُ في دماها بعدما               عنهـــــــــــا نأينا والعزائمُ خُوّرُ

واستبدلــــوا الحقَّ المبينَ بباطل ٍ                   هل عندنا في الحقِّ من يُستنصرُ

غضَّ الولاة ُعن الدخيل عيونـَهم              نَسْج ُ الخيــــــــــــانةِ فيهمُ متجذرُ

ما آمنـــوا بشعوبهم حتى انبرى               بين الشعــــــوبِ وبينهم مُستعمر ُ

نظرَ الغزاة ُ فلم يروا مِن حولهم            إلا قطيعــــــــــــاً يرتعيهِ القـُصَّرُ

فاســـــــــــتأثروا بتـُراثِنا وتـُرابـِنا            وجراحُ “أولى القـُبلتين” تـَقطـَّرُ(5)
صحراء
وإلى العراق تقــاطرتْ أرتالـُهم              تـَصلي العبــــــــــادَ بنارها وتـُدمِّرُ

هبَّ العــــراقُ بشعبه مستبســلا ً              والنصرُ في الشعب العريق ِمؤزَّرُ

ما هالهم ظـُـــــلمُ الغزاة ِوكيدُهم                     فذوو القرابةِ بالمظـــــــــالم أخطرُ

متـــــــــآمران تواءَمَا في ظـُلمهم              ظـُلمٌ يُخضَّبُ بالدمــــــــــاءِ ويُمهرُ

خسئ اللئامُ وإن تعـاظمَ مكرُهم               والله خيرُ المـــــــــاكرينَ إذا دروا

طاغ ٍ تجلببَ بالزعـــــامة غيلة ً              خلعوا عليه قنـــــاعهم وتستــَّـروا(6)

أعجبُ به من أحمق ٍ ما راعــه                    ماذا يُحـــــــــــــــــاكُ لشعبه ويُدبَّرُ

ساقوهُ يخبط ُ فِي مضارب جهلهِ            من حيث شــــــاء الآثمون وقرروا

نالوا به وطراً فلمــــــا استـُنفذتْ              منهُ المــــــــــآربُ أنكروه وأدبروا

هي حكمةِ الأزمان ِ بلْ هو حكمُها          فيمن أذلـــــــوا شعوبهمْ واستكبروا

 

سوريا مدمرة
(5) أولى القبلتين هو المسجد الأقصى

(6) المقصود بكلمة طاغ ٍ الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين

لم ينبُ ســـــيفكَ يا عراقُ فذد به              تسري المكارمُ حيثُ يهوى المِشفرُ

واربــــــــــأ بهِ أن يستجيرَ بغمده             كفُّ الأكـــــــــــارم ِغـمدُه المتخيَّرُ

قد مـــــات فيكَ الموتُ حتى كأنكَ             خمرُ الحيــــاةِ من الردى يُستعصَر ُ

فـــــــــانعمْ بشعب ٍ تصطفيه أمة ٌ             كميـــــــــــاه دجلة َ من عل ٍ تتحدّرُ
وإذ إدلــــهم َّ الخطبُ فينــا وارتقى            للعرش قـــــــــومٌ ليس فيهم مبصرُ

وارتجَّ عرفُ الزهر ِ يستسقي الندى        ” عمرٌ ” تلألأ كـــــالندى يتقطـَّـرُ(7)

وقد اعتلى متن القـــــــوافي فارساً            فكــــــــــــــأنهُ بين الفوارس عنترُ

له في رحـــــابِ الشعر وقفة ُ سيّد ٍ         ألقــــــــــــاً يشعشعُ أو لظىً يَتسعَّرُ

أعظمْ به إذ يُستثـــــــــــــار إباؤُه             فيراعُه عند التظـــــــــــلــّم خنجر ُ

أهــوت به كفُّ المنون كما هوى              نسرٌ توثــَّبَ للعلى أو قســــــــــوَرُ (8)

ربُّ القريض ولم ينل منك الردى             فارجع ، فديتك ، قد دهانا الأخطرُ

إن ينسى أهـــــلُ البغي إذ عرَّيتهم            من كــــــــل ستر فالشعوب تذكــَّرُ

أهديت من عبق الحروف رحيقها             حتى تضــــــــوَّع بالرحيق العنبرُ

وطعنتَ بالسهم الطغاة فلم يصب              إذ ليـــــس فيهم ما يصاب وينحرُ

لم يــــــأبهوا حين استـُبيحَ ترابهم             أو يثــــــــأروا لدماء شعبٍ تهدرُ

يأبى اليراع هوانـَــــــــــهُ بمداده              إن تجري فيهم بالهجـــاء الأسطرُ

هممُ العبيدِ فما لحــــاضرهم غدٌ               وخمــول فكر ٍ مجدب ٍ إن فكـَّروا

ما عابهم جهـــــلٌ وإن دينوا به               كــــــــــــلُّ العيوب بذكرهم تتندرُ

من أين تعــــــلو للعروبة راية ٌ               والحق منهم هـــــــــــارب ٌ متنكرُ

يخشى ذووه نــــــــداءه حتى إذا              دوىَّ النفير تفرّقــــــــوا وتبعثروا

Aksa-palastian

(7) أولى القبلتين هو المسجد الأقصى

(8) أولى القبلتين هو المسجد الأقصى

خافوا الردى إن شايعوه فاحجموا             واستنـــــكفوا عن قوله وتحسَّروا(9)

يتســــــاءلون هل الحقيقة عندنا                      أم إنهــــــــــــــــا عنا تشيحُ وتنفرُ

حتى غدت وكــــــأنها في غربة ٍ             وكأنَّ صـوتَ الحقِّ صـوتٌ منكرُ

ليس الخليج على الغــــــزاة بثائر ٍ            فهل المحيط إذا اســــتـُثير يزمجرُ(10)

ما من سيـــــوفٍ قد أعدَّت للوغى            تهوي ولا حمــــــلت كماة ً ضمّرُ

قمْ يا صــــــلاح الدين قم لبِّ الندا             القدس تصــــــرخ والكرامة تزأرُ

إن يسألوا ” حطين ” تـُخبرهم بأن            ما عاد للغرِّ المـــــــــــلاحم مخبرُ(11)

ذهب الأوائل بالمــــــــــــآثرَ كلها             إنّ المــــــــــــــآثرَ للكرام ِ الجوهرُ

قل كيف ينجو العُربُ من كبواتِهم             ما دام للطــــــــــاغوت فيهم منبر ُ
قسماً رعاةَ الــذلِّ قد طاب الردى             والنصر من جفن الردى يُستقطرُ

سيعيد للأرض الحـــرام رواءها              جيلٌ يجيء به الزمـــان الأخضرُ

جيلُ يبلسم بالكفـــــــــاح جراحنا             إن الكفاح ســـــــــلاحنا المتصدرُ

جيلُ الحجــــــارة بُوركت أيمانُهم             فهم على درب الشهــــادة حُضّرُ(12)

ينقضُّ كالإعصــــار يقتلع العدى              ” وجيوشنا ” عندَ الولاة تعسـكرُ

فكــــــأن فجرَ النصر ِ همْ أنوارُه           وهُمُ لعتم ِالليـــــــــــــل بدرٌ نيِّرُ

تأبى نفوسهم الأبيــــــة أن ترى                      وطنـــــــا ً يباع وسؤددا ً يتدمّرُ

وهم الرجـــــــاء لأمة ٍ حكامُها                عاثوا بها سوءا ًوباعوا واشتروا
   
(9) أولى القبلتين هو المسجد الأقصى

(10) تيمنا بشعار الخليج الثائر والمحيط الهادر

(11) معركة حطين هي المعركة التي انتصر فيها صلاح الدين على الروم

(12) المقصود أطفال الحجارة في فلسطين

فبمثلهم يُؤتى الرجــــــاءُ ثمارَه                وبمثلهم تزهو الديـــــــارُ وتعمرُ

بلــِّــغْ ولاةَ الســـــوءِ إنّ لبغيهم               حينا ً إذا ما طـــالَ سـوف يُقصَّرُ

ما نام فينا الثــــــــأرُ إلا لغفلة ٍ                فالثـــــــــــــأر فينا شيمة ٌ لا تفترُ

نحمي الحمى إذ نـُستجـارُ إنما                يحمي العرينَ إذا استـُـثيرَ غضنفرُ

إني أحيِّ اليوم ذكرى شــــــــاعر ٍ            بشذا قوافيه الزمــــــــان يُعطــَّـرُ

هو في ضمير الشرق بعضُ تراثه            هذا التــــــراث بشعره يُستحضرُ

أكرمْ به إن كنت تكرم أمَّــــــــــة ً           كان الجــــــلال بعزمها يتدثــَّــر ُ

فإذا استعـــــاد السيف غابرَ مجدِه             فهو الذي يُقضى بـــــــــهِ ويُقدَّرُ