الرئيس سليمان والعماد عون: مُناكفات بمفعولٍ رجعي

د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الرئيس العماد ميشال سليمان والرئيس العماد ميشال عون، قائدان مارونيان خرجا من صفوف الجيش اللبناني. تولَّى الأول منصب رئاسة الجمهورية بإجماع القوى السياسية في مؤتمر الدوحة الذي عُقِد في أيار/مايو 2008، على إثر التوتر الكبير الذي حصل في لبنان – أو ما يطلق عليه البعض تسميه “إنقلاب 7 ايار” – أما الثاني فقد تولى رئاسة الحكومة العسكرية الانتقالية في العام 1988، بعد أن اخفق مجلس النواب في إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، في أعقاب إنتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل، وقد إستقال من حكومته الوزراء المسلمون فور توقيع مرسوم تشكيلها من قبل الجميل. وسليمان وعون توليا موقع قيادة الجيش في ظروفٍ مختلفة، وهذا الموقِع له أهميته الاستثنائية، في الوسط الماروني بشكلٍ خاص، وعلى الساحة الوطنية اللبنانية بشكلٍ عام.

في الاضطرابات الأمنية التي قادها حزب الله في مايو/ أيار عام 2008، وقف العماد عون إلى جانب الحزب، وكان موعوداً بالوصول إلى رئاسة الجمهورية، لأن ورقة التفاهم التي تمَّ توقيعها مع السيد حسن نصرالله، كان فيها شبه تسليم من الحزب بأن عون هو مَن يقرِر كل المعطيات في الساحة المسيحية. ولكن تسوية الدوحة التي شاركت فيها سوريا والسعودية وآخرين، فرضت معادلة جديدة قضت على آمال الجنرال عون، وجاءت بالجنرال ميشال سليمان إلى رئاسة الجمهورية، مع وعد بأن عون سيكون الرئيس الحتمي للبلاد بعد إنتهاء ولاية سليمان، من دون أن يُعلن، أو يُعرف، مَن هي الجهة التي التزمت بالوعد.

لم يَكُن التعاون بين الفريقين على ما يرام خلال فترة رئاسة سليمان التي دامت 6 سنوات، على خلفية إعتبار العماد عون (الذي يرأس أكبر كتلة نيابية مسيحية) أن العماد سليمان سرق منه الأمل في الفرصة الاولى، وهناك ما يُشبه “عداوة الكار” بينهما، لأن كلاهما خارج من مؤسسة عسكرية واحدة، برغم الفارق الكبير الذي يُميِّز شخصية كل من الرجُلين فسليمان معروف بطبعة الهاديء الأقرب إلى رجل الدولة المدني، بينما تَغلُب على شخصية عون الحماسة – أو الانفعالية – التي غالباً ما يتمتع بها الزعماء الشعبيين.

أمَّا اليوم فيعتبر العماد عون أن العماد سليمان عطَّل عليه فرصة أُخرى: وهي إجهاضِه للتسوية التي كانت ناضجة لترفيع العميد شامل روكز (صهر العماد عون) إلى رتبة لواء، وبالتالي إبقاء الفرصة مُهيئة لوصول روكوز إلى قيادة الجيش، قبل إحالته على التقاعد، بسبب عامل السن إذا ما بقيَّ برتبة عميد. والرئيس سليمان لم يخف إعتراضه على الترقيات العسكرية، وهو بالتالي ما زال صاحب قرار في هذا الشأن، لكون وزير الدفاع سمير مقبل من المُقرَّبين إليه، بل من فريقه السياسي، وعضو في اللقاء التشاوري الذي يرأسه سليمان، ومقبل هو المرجع الصالح الذي يعود له إقتراح الترقيات العسكرية، أو تمديد خدمة كبار الضباط.

حاول العماد عون توسيط أكثر من طرف سياسي، لكي يُقنِع الرئيس سليمان بعدم الاعتراض على الترقيات العسكرية. والأطراف السياسية التي عملت على هذه الوساطة كانت صاحبة مصلحة حقيقية في نجاحها، لأنها ستؤدي حكماً إلى إنهاء الشلل الذي يُصيب العمل الحكومي، لكون عون يربط المداولات في مجلس الوزراء، بموضوع تعيين قائد جديد للجيش، ولكن سليمان بقيَّ على إصراره في معارضة الترفيعات العسكرية، مُستنداً إلى موقف قائد الجيش العماد جان قهوجي المعارض لهذا الامر، وإلى موقف وزراء حزب الكتائب الثلاثة، الذين لا يوافقون على هذه الترقيات أيضاً.

سليمان وعون، لم يتفقا، ولا يبدو أن المُستقبل يؤشِّر إلى تعاون سياسي بينهما، خصوصاً أن سليمان لا يخفي نيته بالدخول إلى معترك الترشيات النيابية في المستقبل، من خلال تنظيم ما يسميه “لقاء الجمهورية” الذي سيُعلن عن ولادته رسمياً في 6/12/2015. والفريقان يتمتعان بنفوذ ضمن دوائر إنتخابية واحدة. ولكن خلاف الجنرالين هذه المرَّة قد يكون له آثار سياسية كبيرة، لأنه سيساعد في تمديد فترة الشلل الحكومي والتشريعي.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

التوازن السياسي في لبنان

قراءة مختلفة لأحداث الأسبوع اللبناني الطويل

انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه

هل هناك ما هو أبعد من تمثيل نواب «سنة 8 آذار» في الحكومة؟

الرأي العام اللبناني لا يريد التصعيد السياسي

هل انقلبت صفحة التفاؤل.. أم أن التعقيدات غيمة خريف وستنجلي؟

استحقاقات لبنانية داهمة

عن نظرية عدم حصرية تمثيل الطوائف في الحكومة

عن خطورة وخلفيات ما حصل في المطار

لقاء بكركي الذي حرّك السواكن الحكومية

ماذا تقول أوساط معارضة عن الأحجام السياسية؟

مصالح لبنان في سورية ومصالح سورية في لبنان

مواقف في خطاب عيد الجيش

ما مبررات مواقف «الاشتراكي» و«القوات» من تشكيل الحكومة؟

عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية

عن إشكالية حصة الرئيس الوزارية

عوامل التفاؤل والتشاؤم

مرحلة ما بعد الانتخابات والأحلاف السياسية

عن الآثار السياسية لاستبعاد النائب أنطوان سعد

لبنان: الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية