“هآرتس”: لماذا سيصدقنا العرب؟

 يدّعي زميلي البروفسور شلومو أفنيري عن حق أن الفلسطينيين ينظرون إلى إسرائيل بوصفها ظاهرة أمبريالية واستعمارية، وليست حركة وطنية شبيهه بالحركة الوطنية الفلسطينية (في مقاله “ما بين حركتين قوميتين” “هآرتس” 27/9). ولذا فإنهم لا يرفضون فقط احتلالات 1967، بل جوهر شرعية دولة قومية يهودية.

 حتى لو كان هذا صحيحاً، فما تزال هناك مسألة حاسمة هي: ماذا يتوجب علينا؟ هل أعطينا القومية الفلسطينية الاهتمام المطلوب؟ وهل منذ قيام إسرائيل حتى اليوم تعاملنا مع الفلسطينيين كشعب يستحق أن ينال الحقوق عينها التي يطالب بها اليهود لأنفسهم: حقوق الإنسان، والسيادة والحرية والحكم الذاتي؟ ماذا فعلت دولة اليهود كي تقنع الفلسطينيين بأن جميع أهدافها تحققت في 1949؟ الفلسطينيون، بوصفهم كياناً سياسياً، وحتى “حماس” اعترفوا عملياً بإسرائيل “القديمة”، وهم ليسوا مضطرين إلى القبول بحجتنا الواهية بملكيتنا الحصرية لكامل أرض إسرائيل، وإحناء رأسهم أمام إسرائيل الجديدة التابعة للمستوطنين. إن الصهيونية التي كانت حركة إنقاذ لشعب كان معرضاً لخطر الإبادة، أقامت دولة لم تكن قادرة على مقاومة إغراء إطلاق العنان لقوتها والتحول إلى القوة الاستعمارية الأخيرة في الغرب.

 لا أمل في أن تكون إسرائيل بنيامين نتنياهو، الديمغاوجي المنافق والوقح، قادرة على التواصل مع الفلسطينيين وإقناعهم بأنها تسعى إلى التعايش معهم على أساس من المساواة. لكي يثق بنا الفلسطينيون يجب أن نزيل حكم الأبارتهايد في المناطق وننهي الحكم الاستعماري هناك. إن المطالب بتجميد الاستيطان التي ترفعها المعارضة من وقت إلى آخر شعار فارغ، لأن التجميد يخلّد الوضع، ويغلق الباب أمام قيام دولة فلسطينية. وثمة نقطة أساسية: من في الوسط – اليسار مستعد ليأخذ على عاتقه تفكيك المستوطنات كهدف وطني؟

 للفلسطينيين ذاكرة طويلة لا تقل طولاً عن ذاكرة اليهود وحسّ تاريخي، وهم يدركون أنه منذ قيام دولة إسرائيل فإنها تسعى إلى تخليد الدونية العربية. خلال السنوات الأولى للدولة أقيم الحكم العسكري وجرت العمليات الانتقامية التي كانت فائدتها الأمنية تعادل الصفر لكنها أظهرت على الملأ عجز العرب. خلال عملية قادش [حملة سيناء ضد مصر في سنة 1956] برزت للمرة الأولى بعد حرب الاستقلال فرصة جديدة، وقد أظهرت إسرائيل أنها لا تضيع فرصة للسيطرة على مناطق تقع في يدها. أليس ديفيد بن-غوريون هو الذي أعلن عن مملكة إسرائيل الثالثة من المطلة حتى مضيق شلومو [الاسم العبري لمضيق شرم الشيخ]؟ من حسن حظنا جاء الإنذار الأميركي- الروسي واضطر بن- غوريون إلى الانكفاء من دون أن يرف له جفن.

في أيار/مايو 1967، لم تكن إسرائيل ترغب بالحرب، لكن بعد الانتصار لم تكن هناك قوة تقاوم الإغراء: أُعلنت الأراضي المحتلة أراضيَ محررة تابعة للوطن ومفتوحة أمام الاستيطان. واعتبرت شرم الشيخ رصيداً استراتيجياً. فماذا كان على العرب أن يفهموا من هذا كله؟

 بعد الانسحاب من سيناء، وفي أعقاب 2500 قتيل سقطوا في حرب يوم الغفران [حرب تشرين/ أكتوبر 1973] لم تحصل إسرائيل مناحيم بيغن مقابل الانسحاب من الصحراء على السلام مع مصر فقط وإنما أيضاً على حرية العمل في الضفة. واقتنع العرب بأنه يمكن الحصول من إسرائيل على سلوك عقلاني فقط بعد [تدفيعها] الكثير من الدماء والدموع. ومن سوء حظنا الكبير أنه بعد حربين على لبنان والعمليات العسكرية ضد غزة، فإن الوضع في هذه المرحلة لا يزال كما كان.

—————————————

(*) مؤسسة الدراسات الفلسطينية