“يسرائيل هَيوم”: ضمان إسرائيل مصالحها في سورية من خلال التفاهم مع الروس

هجمات القوات الروسية في سورية، وتوقيع اتفاقيات شراء كبيرة للسلاح بين إيران وروسيا والتنسيق الرباعي الروسي مع إيران والعراق وسورية في محاربة داعش، كلها خطوات تشير إلى تغيّر جديد في الشرق الأوسط، فالربيع العربي وتفكك بعض الدول في المنطقة ودخول تنظيمات وقبائل محلها هو علامة على نهاية مرحلة وبدء أخرى.

 تستغل روسيا وإيران مؤشرات الضعف التي تلاحظانها في العالم وتحاولان توسيع نفوذهما وسيطرتهما في منطقة الهلال الخصيب من خلال التعاون في ما بينهما. الروس يوفّرون المظلة السياسية المهمة للمجتمع الدولي، والقدرات العسكرية المتقدمة، وبخاصة في الدفاع الجوي والاستخبارات والقوة الجوية الحديثة، والإيرانيون يقدمون بالإضافة إلى المال وتقديم المشورة على الأرض، حزب الله من خلال مساهمته بقوة قتالية كبيرة مدربة ومسلحة جيداً وملتزمة. وفي مناطق معينة استطاع مقاتلو حزب الله أن يرجحوا الكفة ومنعوا هزيمة الجيش السوري وإخفاقات كثيرة للأسد.

 لكن إلى أين يقودنا هذا كله إذا لم تقف في وجه هذا التحالف قوة تلجمها؟ في العراق سيفرض الشيعة الطائفة الأكثر عدداً سيطرتهم المطلقة وسوف يبعدون عن الحكم السنة الذي يتجمعون في مناطق بغداد وشمال غرب العاصمة، كما يعيش جزء منهم في مناطق صحراوية واسعة تخضع لنظام عشائري تقليدي. والسنة الذين سيشعرون بالاهمال والتهميش سيدعمون القوة السنية الجدية في المنطقة أي داعش، والقتال الدائر في هذه المناطق سيشهد تحولاً مع استعداد قوات محلية كثيرة للانضمام إلى التنظيمات المتطرفة لعدم وجود بديل.

 في سورية ستبدأ معارك “حياة أو موت” بين السنة والعلويين، أي بين نظام بشار الأسد ومختلف تنظيمات المتمردين. والدعم الذي تلقاه نظام بشار الأسد من خلال التحالف الإيراني- الروسي، سيواجه برد مضاد من جانب المتمردين الذين سيزيدون من حدة قتالهم.

وأفترض أنه لو كان هناك حل ممكن للتهدئة يقوم على تقسيم سورية عملياً إلى مناطق نفوذ مقابل رأس بشار الأسد، لكان الإيرانيون والروس مستعدين لدفع هذا الثمن. فبالنسبة إلى هاتين الدولتين الهدوء واستمرار السلطة الحالية أهم بكثير من الشخص الذي على رأس هذه السلطة. لكن لا وجود لمثل هذا الخيار. فالمتمردون يريدون إنهاء سلطة العلويين وليس سلطة الأسد فقط، والعلويون والروس والإيرانيون لن يوافقوا على ذلك.

الجيس الروسي

 بالنسبة للإيرانيين فإن أي حل من غير العلويين معناه نهاية حلمهم بمنظومة شيعية تمتد على مدى الهلال الخصيب من بغداد إلى بيروت، تتزعمه طهران للمرة الأولى في التاريخ.

 بالنسبة للروس، فإن انهيار حكم الأسد معناه تكرار الخطأ الذي ارتُكب في ليبيا والذي كانت له نتائج كارثية، فقد تحولت ليبيا إلى مخزن للسلاح وللتنظيمات المتطرفة على مختلف انواعها وإلى بوابة لعبور جموع المهاجرين من أفريقيا إلى أوروبا.

 لكن يجب أن نتذكر أن تحرك إيران وروسيا المحلي ليس منفصلاً عما يحدث في العالم، وهناك ثلاث ظواهر أساسية تعطيه زخماً؛ الظاهرة الأولى، عدم وجود أي هيئة دولية يجب أخذها في الحسبان، ففي إمكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن ينتقد إسرائيل كما يريد، لا أحد في روسيا وإيران ينظر إليه بجدية.

 ثانياً؛ أوروبا ضعيفة وتواجه من دون نجاح ملايين المهاجرين وهي بالتأكيد لا تريد أن تقف في مواجهة روسيا وإيران من أجل انقاذ السنة الذين لا يجمعهم قاسم مشترك مع أوروبا باستثناء المزيد من اللاجئين.

 ثالثاً؛ لم تعد الولايات المتحدة ما كانت عليه، فالرئيس [الأميركي] يقول بوضوح إنه ليس معنياً بدفع ثمن زيادة التدخل الأميركي. وهو يقبل بالعدوانية الروسية والإيرانية كما تجلت من خلال انتشارهما العسكري في سورية، وقيامهما بدورهما في محاربة المتمردين ضد النظام وقتل مدنيين. وهو يعلن بصراحة أن الدولتين الغازيتين هما جزء من الحل وليس من المشكلة.

 هل ستحاول الدول السنية التي حاولت في الماضي مساعدة المتمردين، أن تغيّر الواقع المرير لوضع حلفائهم؟ هل ستهب السعودية ودول الخليج وقطر الغنية من أجل لجم التحرك الشيعي- الروسي؟ من الصعب معرفة ذلك.

 إنما مع ذلك، يجب أن يكون واضحاً لهم أن العرب السنة قد يخسرون الهلال الخصيب للشيعة بزعامة إيران. والمقصود تغيّر تاريخي يجب أن يقرروا كيف سيواجهونه.

ليس هناك ضرورة لتغيير سياسة إسرائيل بصورة جذرية. لقد امتنعت إسرائيل حتى الآن عن أن تكون جزءاً من الصراع الداخلي السوري، فالطرفان المتقاتلان في سورية يكرهان إسرائيل، وكل وحد منهما يحلم بتدميرها في مرحلة من المراحل. وليس هناك سبب كي توظف إسرائيل موارد لمصلحة طرف ضد آخر.

يتعين على إسرائيل المحافظة على مصلحتين أساسيتين: الأولى مواصلة بذل كل الجهود لمنع انتقال سلاح كاسر للتوازن إلى حزب الله سواء كان مصدره إيران أو سورية؛ والثانية الحؤول دون بناء بنية تحتية لمهاجمة إسرائيل خاصة في هضبة الجولان أو في أماكن أخرى.

 كما أنه من الممنوع أن يمس الوجود الروسي الكثيف بحرية عمل إسرائيل في المحافظة على هاتين المصلحتين. ويجب أن يكون هذا مضمون التنسيق الإسرائيلي- الروسي، وعدم التساؤل عما إذا كانت إسرائيل قادرة على الهجوم عند الضرورة بل طرح ذلك كأمر واقع.

 يجب أن تكون الخطوط الحمراء الإسرائيلية واضحة، وعلى إسرائيل ألا تخاف العمل وفقاً لها. تعرف روسيا مصالح إسرائيل، وتفهم مسؤوليتها في العمل على تحقيقها. صحيح أن هذا يعقده وجود القوات الروسية العاملة على أرض سورية، لكنه ضروري.

———————————

(*) مؤسسة الدراسات الفلسطينية