هل تتحمل أوضاع البلاد والعباد مغامرة اسقاط التسوية والقفز في المجهول؟

مرة جديدة تتعرقل المساعي التي يقوم بها عقلاء هذا الوطن لإنقاذ ما يمكن انقاذه على صعيد الوضع اللبناني الهش الذي لا يزال خاضعا لمزاجية وأهواء و رفاهية بعض القوى السياسية التي تمارس لعبة ازدواجية المعايير الخطيرة في مقاربة وطرح الأمور وذلك في السياق الذي يعطل الحلول ويمنع التسويات الممكنة كحاجة ملحة للحفاظ على أمن واستقرار البلاد وإبعاد كأس الشلل المطبق على آخر معاقل المؤسسات الدستورية القائمة في الدولة اللبنانية والمتمثلة بالحكومة التي يعني تعطيلها ادخال البلاد في نفق الشلل الذي يشرع الأبواب أمام شتى مخاطر الفوضى بكل عواقبها الوخيمة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية على المواطن اللبناني الذي من حقه على دولته وجود حكومة فاعلة ومنتجة وقادرة على تسيير شؤونه وأوضاعه التي لا تحتمل مزيدا من المغامرات العبثية التي تأخذا البلاد والعباد نحو مجهول قاتم.

وبحسب أوساط مطلعة أن من يعرقل مسار التسوية التي قادها كل من الرئيس نبيه بري ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط يريد عن سابق تصور وتصميم اخذ الحكومة بعد 15 تشرين الأول موعد إحالة العميد شامل روكز على التقاعد إلى وضعية تصريف الأعمال ما لم يقدم الرئيس سلام استقالته فعلياً. الأمر الذي سيضع الحكومة في وضعية العجز الكاملة التي تجعلها غير قادرة عن الإطلاع بأبسط مسؤولياتها الوطنية وهذا أمر خطير جدا، خصوصا أن هناك قضايا حياتية عاجلة وملحة تحتاج إلى قرارات حكومية في مجلس الوزراء لحلها كأزمة النفايات التي لا تزال قنبلة موقوتة تحتاج إلى قرار حكومي صارم وحازم للإنطلاق بتنفيذها بمواكبة الهيئات البيئية للحراك المدني التي شاركت وكان لها دور أساسي في اقرار خطة معالجة النفايات التي توصلت إليها اللجنة الفنية برئاسة وزير الزراعة أكرم شهيب.

مضيفة بأن ما شهدته الأروقة السياسية والدبلوماسية من مشاورات ومباحثات خلال الساعات الماضية حملت في طياتها مؤشرات عديدة تحذر من تعرض التسوية التي كادت تصل إلى خواتيمها لحملة ضغط مشبوهة من قوى سياسية وحزبية تستهدف نسف ما تم التوصل إليه، وبالتالي اعادة الأمور الداخلية إلى المربع الأول أي ترك البلد فريسة التجاذبات والأجندات المجهولة الأهداف. محذرة بأن لبنان سيكون مقبل على مرحلة شديدة الخطورة في حال تبدل الأولويات الداخلية والخارجية على النحو الذي يقود إلى اسقاط هذه التسوية التي ترزح تحت وطأة ما شهدته الساعات الماضية من حملات متبادلة تكاد تطيح ليس فقط بهذه التسوية وحسب بل أيضا بطاولة الحوار الوطني التي تلتئم برعاية الرئيس نبيه بري في ساحة النجمة ومن ورائها حتما الإطاحة بالحكومة السلامية .

وبحسب الأوساط الواسعة الإطلاع عينها فإن المصلحة الوطنية للبنان وشعبه في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة على كل المستويات تقتضي من الجميع تقديم التنازلات المطلوبة لإنضاج وإتمام هذه التسوية التي تشكل الفرصة الأخيرة للقوى المحلية لاستدراك سيناريو “خراب البصرة” فوق رؤوس الجميع. مؤكدة بأن سقوط التسوية ومن ورائها الحوار القائم سيجر ورائه تدهور دراماتيكي للأوضاع اللبنانية الداخلية التي تبقى مفتوحة على كل احتمالات التفجير والانهيار خصوصا أن لبنان القابع على رصيف انتظار التسويات الإقليمية سيكون متأثرا بما يجري في سوريا من تصعيد عسكري خطير بعد الدخول الروسي على خط الأزمة السورية.

مشددة بأن ما سمعه رئيس الحكومة في أروقة كواليس الأمم المتحدة كان واضحا لناحية أن المنطقة تشهد متغيرات متسارعة في المشهد السوري الذي سيفرض بطبيعة الحال تغيير في المعادلة الإقليمية وتسوياتها التي ستأتي وفقا لموازين القوى الجديدة التي ستفرضها المتغيرات في سوريا التي سيكون لها تأثير وتفاعل على جميع الدول المحيطة بسوريا والتي يأتي في مقدمتها لبنان الذي يجب الحفاظ على الحد الأدنى من أمنه واستقراره وسلمه الأهلي في هذه الفترة الانتقالية المشتعلة والمتفجرة التي تمر بها كل المنطقة. وتتابع بأن فرص حصول تسويات قريبة في المنطقة يبقى احتمالا قائما على الرغم سوداوية المشهد الذي يرخي بتداعياته المأساوية على أكثر من ساحة عربية في الوقت الحالي، إلا أن هذا الأمر لا يعني بأنه سيبقى ثابتا ومستمرا بشكل دائم، لذلك هناك واجب وطني على جميع القوى السياسية اللبنانية عدم السير في الخيارات والطروحات التي تتناقض مع التوجه الاقليمي والدولي الحريص على الاستقرار الداخلي لوطن الأرز، وهذا الأمر يتطلب من كافة الأطراف الحفاظ على الحوار أو على أي آلية أخرى من شأنها أن تساهم بشكل فاعل وحاسم على تهدئة الأمور الداخلية وتخفيف حدة التشنجات والتوترات الطائفية والمذهبية والمناطقية المستعرة لتقطيع هذه المرحلة الإنتفالية الشديدة الخطورة من خلال الحفاظ على حالة الستاتيكو القائمة ليكون لبنان في لحظة التسوية الإقليمية والدولية الكبرى في المنطقة حاضرا ومستعدا لملاقاة هذه التسوية بأقل الأضرار على وحدته وعيشه الوطني المشترك.

الأوساط أشارت بأن الوفد اللبناني الرسمي سمع أيضاً في أروقة الأمم المتحدة كلاما واضحا لناحية أن المجتمع الدولي لن يتخلى عن لبنان، وهو حريص على حث جميع الأطراف المحلية والإقليمية على وجوب تسهيل عمل الحكومة اللبنانية والمؤسسات الدستورية وعلى دعم الاستقرار في لبنان وأن كانت التجاذبات الإقليمية القائمة لا تسمح في ظل التطورات العسكرية والسياسية في المنطقة عموما وفي الملف السوري تحديدا في انهاء الفراغ الرئاسي الذي يبقى مرتبطا بشكل عضوي بمجرى التطورات الدولية – الإقليمية وانعكاسها على ما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا التي ترخي بأثقالها على أوضاع لبنان ليس فقط من ناحية تدفق مئات الآلاف من النازحين السوريين الذين يرهقون الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية في لبنان، بل أيضا من ناحية ابقاء الوضع السياسي متخبطا في أزماته التي لا أفاق لحلها من دورن ظهور بوادر ايجابية في الملف السوري من شأنها أن تسمح بحصول اتفاق محلي وإقليمي دولي حول الاستحقاق الرئاسي وبقية الملفات اللبنانية.

________

(*) الافتتاحية – هشام يحيى