لبنان بلد التسويات!

لبنان هو بلد التسويات. هكذا كتبت معظم الدراسات والكتب التي تناولت واقع وأزمات هذا البلد الصغير والمعقد الذي غالباً ما سقط ضحية الإنقسام السياسي نتيجة القراءات المختلفة، إن لم تكن المتناقضة، لدوره الإقليمي وهويته السياسية. وغنيٌ عن القول أن هذا الإنقسام غذّته حكومات ودول وقوى إقليمية كان من مصلحتها دائماً إستمالة أطراف لبنانيين الى جانبها ظناً منها أنها تستطيع قلب الطاولة على الأفرقاء اللبنانيين الآخرين عندما تحين لحظتها السياسية المناسبة.

والأطرف، ولعله من الأفضل القول الأحزن، أن تلك القوى الإقليمية ذاتها هي التي تقود اللبنانيين الى التسوية، في لحظة تقاطع دولي- إقليمي ما، يتيح للمواطنين متنفساً من الإستقرار والطمأنينة. طبعاً، هذا لا يعني أن اللبنانيين هم جميعاً من القديسين وأنهم لا يستطعون أن يتولوا شؤونهم بذاتهم لو توفرت لديهم الإرادة السياسية بذلك بدل أن يكونوا أدوات بيد هذا الفريق أو ذاك!

ليس هناك عيب في التسويات، بل على العكس، التسويات السياسية تنم عن نضج ووعي وتحمل للمسؤولية الوطنية، وتعكس فهماً وإستيعاباً لطبيعة التركيبة القائمة في البلد والتي لا بد من خلالها من مراعاة مختلف المكونات والشرائح السياسية. ولكن، في كل مرة، كان اللبنانيون ينتظرون الخارج ليصنع لهم تسويتهم، بدل أن يبادروا هم للقيام بها.

الدوحة 2008

ليس الهدف من هذا الكلام تبسيط الوضع الداخلي أو تسطيحه، فحالة الإنكسار الوطني نتيجة طغيان مستويات الولاء السياسي لخارج الحدود ليست جديدة على اللبنانيين الذين إعتادوا كل أنواع التدخل الأجنبي ومن مختلف الإتجاهات، بحسب الأوضاع الإقليمية وصعود أو أفول دور هذا اللاعب الإقليمي أو ذاك.

ولكن لعله من المفيد فتح النقاش، ولو كان نظرياً على الأقل، عن الأسباب التي كانت تقف دائماً خلف فشل محاولات الحوار الوطني داخل لبنان ونجاح تلك الحوارات في الخارج في تأمين حقبات من الإستقرار ولو مرحلياً!

فالحوار الوطني الذي أطلقه الرئيس نبيه بري سنة 2006، على سبيل المثال، نجح في التوصل الى مجموعة من التفاهمات النظرية الهامة حول عدد من القضايا المحورية. ولكن إرادة التنفيذ بقيت معلقة لعدد من العوامل الداخلية والخارجية التي فعلت فعلها في تعطيل ترجمة تلك التفاهمات السياسية المهمة.

taef

من الضروري جداً أن يبدأ اللبنانيون إدارة شؤونهم الذاتية من مكان ما إن لم يكن من التفاهم حول سلاح حزب الله والخطة الدفاعية والمحكمة الدولية والحرب السورية وصولاً الى حرب اليمن، فلعلهم يباشرون التفاهم “تقنياً” حول ملفات “تقنية” كالكهرباء والنفايات والسدود والانترنت والدين العام وعجز الخزينة، وتنمية القطاعات السياحية والزراعية والصناعية وإصلاح الإدارة ومكافحة الفساد وسواها من القضايا التي إذا ما تمت مقاربتها من حيث عناصر تكوينها التقني وليس إنطلاقاً من خلفيات سياسية أو عقائدية من هنا أو هناك، يمكن عندئذٍ تحقيق الكثير من المنجزات التي من شأنها أن تؤدي الى إنفراج إقتصادي وإستقرار إجتماعي وذلك يردم تلك الهوة السحيقة بين المواطن والدولة.

هذا الأمر ليس مستحيلاً! المهم أن نباشر هذه التجربة (النفايات مثلاً) في مكانٍ ما لننتقل بعد ذلك لتعميمها على سائر القطاعات.

—————————————–

(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة

Facebook: Rami Rayess II

Twitter: @RamiRayess