علم فلسطين والمسجد الأقصى

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

عاد «المرابطون» و «المرابطات» في المسجد الأقصى مع عودة جنود الإرهاب الإسرائيلي إلى اقتحام ساحات المسجد ومحاولة طرد المصلين منه وإدخال المستوطنين إليه، المسألة حصلت منذ أسابيع وتتكرر دائماً، لكن منذ سنة تقريباً وعد الإرهابي بنيامين نتنياهو في اجتماع مع ملك الأردن حضره وزير الخارجية الأميركي جون كيري بإبقاء الأوضاع على ما هي عليه. بمعنى، احترام إشراف المملكة على المسجد وعدم إحداث أي تغييرات ميدانية، تسمح لليهود بالصلاة فيه في خطوة تقسيمية تهدف إسرائيل إلى تحقيقها منذ زمن بعيد. اليوم، وكالعادة كذب نتنياهو، وتجاوز وعده، عاد المستوطنون إلى باحة المسجد الأقصى، حصلت مواجهات، طرد الحراّس الأردنيون، تم الاعتداء على المسجد، وقعت أضرار مادية في داخله وخارجه حتى أن البعض أكد أن هذا الاعتداء هو الأخطر منذ اعتداء عـام 1969 وإحراق المسجد. التوقيت كان واضحاً ودقيقاً. فالعملية نفذت عن سابق تصور وتصميم، جاءت بعد ساعات من إعلان الأمم المتحدة – بالتصويت – الموافقة على رفع علم دولة فلسطين إلى جانب أعلام الدول الأخرى! خطوة أثارت إسرائيل التي صوتت بالتأكيد ضد القرار وإلى جانبها أميركا وعدد من الدول وامتناع عدد آخر. للقرار رمزيته المهمة، وهو يأتي بعد قرار اعتبار فلسـطين «دولة مراقبة»، رغم كل الضغوطات التي تمارس ضد الفلسطينيين، والواقع الفلسطيني نفسه المأزوم، والواقع العربي السيئ الخطير الكارثي. رغم كل ذلك حقق الفلسطينيون هذين الإنجازين لأنهم أصحاب حقّ والحق لا يموت ولن يموت، ولأن ثمة إرادة فلسطينية.

المهم، إن هذا حدث بعد ساعات من القرار، وبعد أيام من عودة الحرارة إلى الاتصالات الأميركية – الإسرائيلية الأمنية والاستخباراتية والسياسية وإعلان الرئيس أوباما أنه سيستقبل الإرهابي نتنياهو الشهر المقبل بعد قطيعة بينهما سببها الاتفاق النووي مع ايران. وبالتأكيد بعد تأمين نتنياهو الأصوات الضرورية لتمريره في الكونجرس وتيقـّن إسرائيل من ذلك. ويضاف إلى ذلك قرار البرلمان الأوروبي بوسم منتجات المستوطنات اليهودية الاستعمارية بعلامات تميـّزها عن بقية المنتجات الإسرائيلية في جميع البلدان الأوروبية وشبكات التوزيع والمحال التجارية، والذي يلتزم الاتحاد الأوروبي بتضمين كل الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل بنداً واضحاً يقول: «إن هذه الاتفاقيات لا تسري على الأراضي الفلسطينية المحتلة انطلاقاً من روح التمييز بين إسرائيل والأراضي المحتلة عام 67». نتنياهو اعتبر القرار ليس ظلماً فحسب، بل تحريفاً للعدالة والمنطق، فجذور الصراع ليست الأراضي، وأساسه ليس المستوطنات. لدينا ذاكرة تاريخية حول ما حدث عندما وسمت أوروبا المنتجات اليهودية في زمن النازية، وقال: «مئات الألوف من اللاجئين السوريين يغزون أوروبا، وأوروبا لا هم لها سوى مطاردة إسرائيل»! هذا هو بيت القصيد في جانب من جوانب المعركة الإسرائيلية ومحاولات ابتزاز أوروبا وأميركا والعالم، واستغلال الكارثة السورية وتعاطي الغرب معها ولجوء عدد كبير من السوريين إلى أوروبا وغرق عدد منهم في البحار!

رفع العلم الفلسطيني «وهم» هذا ما قاله نتنياهو. وقرار الاتحاد الأوروبي لا بد من إسقاطه، ودول أوروبية تسعى إلى إسرائيل للاستفادة من خبراتها في بناء جدران الفصل العنصري لمنع تدفق «اللاجئين» السوريين إليها. والاتفاق النووي الإيراني يجب أن يستثمر – بعد عدم التمكن من إسقاطه – إلى أقصى الحدود في الضغط على طهران، وفي تعزيز موقع ودور وسلطة ونفوذ إسرائيل في المنطقة. والهمّ الأول لإسـرائيل: أرض فلسطين، وإقامة الدولة اليهودية عليها!

نتنياهو، بموقفه من اقتحام المسجد الأقصى والقضايا التي ذكرنا، يريد دفع الأمور إلى حرب دينية في المنطقة! ومثل هذه الحرب بالتأكيد لن تبقى نارها في حدود دول المنطقة فقط، بل ستصل إلى كل مكان، وهو في ردّه على موجة الاستنكار العارمة لما حصل في المسجد الحرام قال: «من واجبنا ونحن قادرون على التحرك ضد مثيري الشغب لإتاحة حرية الصلاة في هذا المكان المقدس. سنتحرك بحزم ضد رماة الحجارة وزجاجات المولوتوف». هو لم يحدد المصلين فهو يصرّ على اليهود. وحدّد أسباب المشكلة بـ«حماة» المسجد وليـس بـ«مقتحميه»، ووزير الأمن الداخلي «جلعاد أردان» قال: «حان الوقت لتنظيم صلوات اليهود في جبل البيت – باحات المسجد»، وطالب مجدداً بسنّ قانون لفرض الاعتقال على المرابطين والمرابطات في الأقصى الذين يتصدّون للمستعمرين.

إنها جولة من سلسلة جولات استهداف الأرض والإرهابيون مصرّون على مشروعهم. ماذا بإمكان الأردن أن يفعل؟ إنه في وضع صعب. ماذا بإمكان العرب أن يفعلوا؟ إنهم مأزومون مشغولون بأنفسهم ! ومع ذلك لن يتوقف الصراع ولن يستكين الفلسطينيون!