إسرائيل وإيران..«ضغط للضبط»

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

يحاول أوباما وقبل التصويت على الاتفاق النووي مع إيران تهدئة إسرائيل واستمالتها وإرسال الإشارات الإيجابية عبر المنظمات اليهودية في أميركا وموفدي إدارته الى تل أبيب. هو يؤكد التزامه «المقدس» تجاه «الدولة اليهودية»، والاستعداد لبحث سبل تطوير العلاقات بين البلدين الحليفين وتقديم كل الضمانات والتطمينات والحاجات الأمنية لتبقى إسرائيل متفوقة والقوة الأكبر في المنطقة. وهو قال منذ أيام:«إذا كان خلاف مع إسرائيل والمسؤولين فيها، فهو خلاف داخل العائلة الواحدة! وفي الخلاف العائلي كل شيء سينتهي على خير»! وأوفد نائب وزير الخارجية لشؤون الإرهاب والمكلف بالموضوع الإيراني «آدام زوبين» للبحث في كيفية مواجهة النشاط الإيراني لدعم المنظمات الإرهابية!

أما رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو فقد أعلن في مدينة فلورنسا الإيطالية وخلال زيارته الرسمية لإيطاليا، أنه لا يعارض برنامجاً نووياً مدنياً يستخدم في إيران للأغراض السلمية، لكنه يعارض البرنامج النووي العسكري وقال: «إن الإتفاق النووي بين الدول الكبرى وإيران يتيح لطهران توسيع بنية تحتية هائلة والاحتفاظ بها، وهي لا تحتاجها بتاتاً لأغراض مدنية، لكنها ضرورية جداً لإنتاج أسلحة نووية»! إنها بداية الخروج من دائرة التحدي المفتوح لأوباما والاستعداد للدخول في المرحلة الجديدة التي ستعيشها المنطقة بعد اتفاق فيينا. وقد سبق وأشرنا أكثر من مرة إلى أن الإرهابي نتنياهو لا يعارض الاتفاق في المبدأ، ويعرف أنه سيقّر وسيمرّ. لكنه يريد ثمنه غالياً من جهة، وتأكيد موافقته على أي أمر في المنطقة قبل إقراره من جهة ثانية، وابتزاز طهران والعالم! ورغم التصريحات المتتالية لأوباما ومساعديه حول الالتزام بالدعم المطلق لإسرائيل و«الدولة اليهودية»مع ما يعنيه تكرار هذه الكلمة من قبل أوباما، وبتوفير كل عناصر الحماية لها، فإنه يريد أكثر ليبرّر ما يقوم به في فلسطين. ولذلك ففي الزيارة ذاتها إلى إيطاليا استغل الموضوع النووي ورفع العقوبات عن إيران ليقول: «إن طهران أخطر من داعش»! ويحاول توجيه أنظار العالم نحو الإرهاب الإيراني، وهو لا يتوقف عن الحديث عن الإرهاب «السُني»، ليؤكد أن ما يقوم به من إجراءات لحماية إسرائيل أمر مشروع وضروري. ولدى سؤاله عن تأثير المقاطعة العربية والدولية لإسرئيل من قبل مسؤولي المنظمات اليهودية في إيطاليا قال: «العالم يؤمن بالتكنولوجيا الإسرائيلية لأن العلوم والتكنولوجيا أقوى من جميع المقاطعات. نريد أن نقدم التكنولوجيا الإسرائيلية إلى العالم أجمع، ولكننا نشاهد كفاحاً يخاض بين قوى التقدم والحداثة والقوى المظلمة، التي تسعى إلى إعادتنا إلى الوراء. هذا هو كفاح الحرية والعبودية بين نور النهار وظلام الليل. إننا نحارب ليس من أجل الحفاظ على أسلوب الحياة المشترك لنا وحسب، بل على الحقيقة، لأننا نحارب الأكاذيب التي تروّج ضدنا»! وأضاف: «إن حضارتنا المشتركة مهددة. فالوحشية التي يمارسها تنظيم «داعش» تلفت انتباه العالم وبحق. لكنني أعتقد أن تهديداً أكثر خطورة عدة أضعاف يكمن في دولة إسلامية أخرى وهي إيران خاصة في ضوء سعيها إلى امتلاك الأسلحة النووية».

هذا الإرهابي يريد استغلال كل شيء وفي كل مكان ليبرّر العبودية التي يعيش في ظلها الفلسطينيون، والمجازر التي ترتكب بحقهم، وعمليات القتل المتعمد والتهجير كأن هذه الممارسات التي يراها العالم كله في نور النهار وظلام الليل إذ لم يعد ثمة شيء مخفي، هي ممارسات من أجل الحرية! ماذا يقول نتنياهو للرئيس الاسرائيلي «رؤوبين رفلين»، الذي طالب الحكومة بمحاربة الإرهاب اليهودي لأن «عصابات اليمين المتطرف تأخذ القانون بيدها بالاعتداء على العرب داخل المناطق الفلسطينية وفي إسرائيل، ومن يتابع نشاطهم يكتشف أنهم صاروا يتطاولون على قوات الجيش والأمن والشرطة وعلى اليهود الذين يعارضونهم»! وذكـّر بما فعله بن جوريون مؤسس الدولة عندما دعا إلى تفكيك تلك التنظيمات!

أميركا ماضية في تنفيذ اتفاقها مع إيران. وفي التزامها «المقدس» بـ «الدولة اليهودية»، وفي العمل على استثمار هذا الاتفاق وتطوير العلاقات بعد قطيعة طويلة، وقد بدأ فتح السفارات الغربية في طهران. لكن أزمة الثقة لا تزال قائمة. المسألة تحتاج إلى وقت ولو كانت الرغبة لدى الطرفين قائمة لبناء شراكة في مواجهة الإرهاب – «السني» – «داعش» وأخواته! وأميركا تذكـّر طهران بدعمها نشاطات إرهابية، وسوف تصادر بعض أموالها المجمدة لتنفيذ قرارات قضائية أميركية داخلية، تقضي بالتعويض على عائلات من قتل من الأميركيين، في عمليات «إرهابية» مولتها ودعمتها إيران، وإسرائيل تستمر في الضغط والابتزاز للأسباب التي ذكرنا.

سبق أن كتبت أن ثمة توجهاً أميركياً لتكريس معادلة:«إيران منضبطة وإسرائيل مستقرة» بعد توقيع الاتفاق مع طهران. ما يجري الآن من قبل إسرائيل وأميركا وغيرهما هو ضغط للضبط في هذا الاتجاه! ستكون فصول طويلة ومكلفة في أكثر من مكان.