حوار ساحة النجمة2: ما لا يُدرَك كله يُدرَك جله

رانية غانم – الأنباء

لم ينطلق رئيس مجلس النواب نبيه بري في مبادرته الحوارية من فراغ، ولا تحت وطأة الحراك الشعبي الذي يشهده وسط بيروت الذي يرفع شعار “اسقاط النظام” وشعارات أخرى رديفة وغير رديفة. وانما كان يخطط لها منذ اشهر محدداً الذكرى السنوية تغييب الامام موسى الصدر موعدا لإطلاقها، خصوصا ان صاحب الذكرى كان داعية حوار وصاحب شعار “لبنان الوطن النهائي لجميع ابنائه”.

ويكشف مصدر نيابي ان بري الحريص الدائم على التنسيق والتشاور مع رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط في سبل اخراج البلاد من أزمتها، كان تلقى منذ بداية السنة دعوات كثيرة الى اطلاق مبادرة لإنهاء الازمة اللبنانية التي بلغت حد حصول التعطيل الشامل لكل مؤسساتها، خصوصا انه إشتهر بالمبادرات الحوارية وغير الحوارية منذ زمن طويل، وهذه الدعوات كانت من مسؤولين وشخصيات ووفود عربية واجنبية زارت لبنان والتقته وهالها الضيم الذي يعاني منه وهو يتعاظم أكثر فأكثر نتيجة إستمرار الشغور في موقع رئاسة الجمهورية.

ويقول المصدر نفسه ان بري يعرف ان جدول الاعمال الذي حدده لحوار ساحة النجمة2 الذي سيبدأ في 9 ايلول الجاري لا يُدرَك كله وإنما يُدرَك جُلّه، وهو مشهور دوما بترداد مقولة “ما لايدرك كله يدرك جلّه”. وجلّ هذا الجدول هو الاتفاق على انتخاب رئيس جمهورية الذي جعله البند الاول في برنامج عمل المتحاورين، لأنهم الاتفاق على رئيس الجمهورية الجديد سيختصر بقية البنود، فعلّة العلل التي يعاني منها البلد هي انه جسم بلا رأس، ولأنه كذلك يعيش التعطيل في مجلسه النيابي والشلل في حكومته والتراجع في اقتصاده ونموه وفرار المستثمرين وهشاشة الامن وهجرة ابنائه ادمغة وخبرات واختصاصات في كل المجالات.

ويؤكد المصدر ان المتحاورين اذا اتفقوا على إسم الرئيس الجديد على رغم ما يساورهم من قلق على ما يمكن ان يكون عليه موقف رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون، فإن بري سيبادر بلا ابطاء الى دعوة مجلس النواب الى جلسة لانتخابه لينطلق المتحاورون بعدها الى الحوار في بقية بنود جدول اعمالهم وهي: عمل مجلس النواب، عمل الحكومة، قانون الانتخاب، قانون استعادة الجنسية للمغتربين، دعم الجيش اللبناني.

dialogue_table

ويكشف المصدر ان بري سيكون لديه مقال في كل بند من هذه البنود، بحيث انه سيطرح افكارا يعتقد انها ستساعد المتحاورين على الاتفاق عليها، ويرى ان بندي المجلس والحكومة سيتفق عليهما سريعا بمجرد الاتفاق على رئيس الجمهورية، فالتشريع المعطل سيعود تلقائيا بزوال ذريعة مقاطعيه وهي انتخاب رئيس الجمهورية قبل اي تشريع. اما الحكومة فستصبح حكومة تصريف اعمال لأن الدستور ينص على انها تصبح مستقيلة عند انتخاب رئيس الجمهورية وتصرف الاعمال في انتظار تأليف الحكومة الجديدة.

واما بند دعم الجيش اللبناني والقوى الامنية فلا خلاف عليه في الاساس وسيتم إقراره بلا نقاش طويل، وقد ادرجه بري في جدول الاعمال لكي يكون اقراره حافزا قويا اضافيا للدول المانحة لتقديم مزيد من الدعم للجيش اسلحة متطورة وعتادا واستعجال تقديم ما هو مقرر له سواء من خلال الهبة السعودية او غيرها، ليستكمل معركته ضد الارهاب الذي يهدد لبنان مثلما يهدد كل دول المنطقة وحتى الدول المانحة نفسها عربية كانت ام أجنبية.

ويتوقع المصدر في حال الاتفاق على بند رئاسة الجمهورية ان يطول البحث في بند قانون الانتخاب النيابي نتيجة المواقف والطروحات المتناقضة في شأنه، ولكن النقاش قد يبدأ من الطرح الذي تقاربت وجهات النظر حوله في آخر اجتماعات اللجنة النيابية الفرعية وهي الدمج بين النظامين الاكثري والنسبي. وفي هذا المجال ينقل المصدر النيابي عن بري قوله ان قانون الانتخاب سيتم التوصل اليه في حال اتفق المتحاورون على أمرين فيه: النسبية وعدد الدوائر الانتخابية.

ويتوقع المصدر ان يطول النقاش ايضاً في قانون استعادة الجنسية للمغتربين لأنه موضوع معقد، إذ لا يمكن التوصل الى صيغة واضحة في شأنه، علما ان طارحيه يدركون ضمنا صعوبة الاتفاق عليه، خصوصا ان بعضهم طرحه على سبيل المزايدة السياسية على خصومه في الساحة الواحدة.

ويستخلص المصدر من كل هذه المعطيات ان الهدف الاول والاساسي من الحوار سيكون الاتفاق على انتخاب رئيس جمهورية جديد، فإذا حصل هذا الامر بلا معوقات كثيرة ستنفتح الآفاق امام معالجة بقية البنود الحوارية، اما اذا تعذر فقد يفشل الحوار برمته، او يترك هذا الامر جانباً ويبدأ البحث في خيارات بديلة توصل الى انهاء الشغور الرئاسي، قد يكون منها الذهاب الى انتخابات نيابية تنهي عصر المجلس الحالي الممدد لنفسه، سواء بموجب قانون انتخابي جديد، او بقانون الستين النافذ، لأنه اذا ظل افق الازمة مسدوداً لا بد من إحداث خرق ما في جدارها يؤسس لإنهائها ووقف مسيرة البلاد نحو التعطيل الشامل لمؤسساتها الدستورية.