في اتجاه انتخاب رئيس

الياس الديري (النهار)

عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرُ لكم. وعسى أن تكرهوا ورشة الزبالة وما فرَّخت من شَوشرات مُمَسرحة وممجوجة أحياناً وهي خيرُ لكم.

وربما كانت، من حيث لا يدري “المُمسرِحون”، هي المفتاح السحري في مسلسل “فَتحْ الأبواب بلا أسباب” المطلوب من الشاطر نبيه برّي لا من الشاطر حسن، تمهيداً للوصول إلى طاولة التشاور والتحاور حيث الكنز الرئاسي، وكنز انتشال لبنان من جُبّ الأفاعي.
الصور، والأصوات، والمطالب، والاحتجاجات، كان يمكنها أن توجّه الأنظار والاهتمامات كلّها صوب الفساد والفاسدين، وصوب أكَلَة الجبنة وصيّادي الغنائم، فهل فعلت؟
حين بدا الرئيس برّي خلال الأسبوع الفائت كالنائم على بنت الكبَّة في لعبة السبعة ونصف، قيل إن في أجواء عين التينة “شيئاً رئاسيّاً” في شكل من الأشكال، وإلاّ لما كان الرجل الذي يزن الكلام بميزان ذَهَب الأربع والعشرين قيراطاً قد جاهر بكل هذا التفاؤل، وهذا الارتياح، وهذا الاستعداد لطاولة حوار جديد… يدور حتماً في فلك الاستحقاق الرئاسي، أو يصبّ في خانته.
وعلى رغم المناخات التأزيميَّة التصعيديَّة التي أشاعتها جولات الاحتجاج حول الزبالة وموضوعها الذي لا يزال مبهماً في الكثير من فصوله حتى الساعة، بقي برّي مواظباً ومتابعاً جهوده الصامتة في سبيل “الهدف الكبير”: الإنقاذ قبل فوات الأوان.
وهذا الأمر تحديداً حظي باهتمام مساعد وزير الخارجيَّة الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي أمَّ العاصمة اللبنانية في هذا الوقت المتأرجح بين مَنْ “يعلمون” ومَن لا “يعلمون”، ليُرسل إلى اللبنانيين إشارة مشجّعة ومميّزة.
وخصوصاً حين نوَّه بمبادرة رئيس المجلس الحواريَّة، والتي يرى أن نتائجها الإيجابيَّة ستصبُّ في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية… مع التأكيد “أن طهران تدعم بكل قوّة استكمال آليّات العمل السياسي في لبنان”.
بالطبع، كان لهذا الكلام الإيراني المناسب والمريح والمطمئن “وقْع خاص”، ونزل على اللبنانيين برداً وسلاماً، في الوقت الذي كان قُدامى التظاهريين وقُدامى الحزبيين، إلى التنظيمات الغارقة في سبات عميق، يحاولون إرجاع الشيخ إلى صباه.
في بلد كلبنان لا تزال الحريات تنعم أو ترفُل بقسط وافر من المساحات والنفوذ، كان في الإمكان القيام بخطوات احتجاجيَّة، معبِّرة ومدروسة، وتتحلّى بشيء من المنهجيَّة المطلبيَّة التي تحظى بإجماع شعبي بعيداً من الدعسات الناقصة.
في كل حال، ما حصل قد حصل. وليس سيّئاً أن يُعرب الناس عن سخطهم واعتراضاتهم، كيفما تيسَّرت لهم الظروف، وكيفما كانت الوسيلة. إنما كان مفضّلاً حتماً تفادي كل ما أساء إلى خطوة اختلط فيها الحابل بالنابل.
يبقى الاستحقاق الرئاسي موّالنا، مثلما يبقى الاستقرار هاجسنا، وتبقى الحريَّة سيدتنا.