في مطالب عون .. “المسيحية”

صلاح تقي الدين (الأنباء)

لا بد أن يتوقف المرء عند الشعارات الشعبوية الرنانة التي يطلقها رئيس تكتل “التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون، ويقيسها بميزان “الجوهرجي” والتدقيق بها لكي ينتهي به الأمر إما مؤيدّاً لطروحاته ومعجباً بها، وإما ناقداً لها بإيجابية تجعله يبتعد عنها وعن مطلقها ويصبح عون في نظره من طبقة “المتسلقين” و”الزحفاطونيين” الذين تركوا بصمات جلية وواضحة على الحياة السياسية في لبنان منذ تأسيسه.

لم يفوّت عون مناسبة منذ انخراطه الانقلابي في الحياة العامة في العام 1988، إلا ويعيد التذكير بالحقوق “المسلوبة” للمسيحيين، ويطرح شعارات يوكل إلى مساعديه تسويقها وتصب بمعظمها في خانة التهجّم على “الطائفية” وزعماء الطوائف “الشريكة” في الوطن، تتهمهم بسلب هذه الحقوق ومصادرتها، وما أشبه البارحة باليوم.

بدأ بمهاجمة وثيقة الوفاق الوطني “الطائف” عندما توافق اللبنانيون، جميع اللبنانيين على طي مرحلة أليمة من الحرب التي دمّرت البشر والحجر، بحجة أنه لا يوافق على انتزاع الصلاحيات “المارونية” التي يتمتع بها رئيس الجمهورية وتجييرها لصالح “السنة” الممثلين برئاسة مجلس الوزراء، علماً أنه صحيح أن بعض هذه الصلاحيات أوكلت إلى مجلس الوزراء “مجتمعاً”، إلا أنها بالنسبة لعون كانت تعدّياً “سنياً” على “الموارنة”، غير أنه في باطن المسألة، كان يوجه سهامه إلى باقي اللبنانيين الذين لم يتوافقوا على انتخابه في حينها رئيساً للجمهورية.

ولا يغيب عن بال اللبنانيين أن من بين القرارات التي اتخذها عون عندما كان رئيساً للحكومة الانتقالية “العسكرية”، قرار حلّ مجلس النواب، وهو بذلك كان يسعى إلى  إيقاع البلاد في الفراغ الكامل، بسبب شغور كرسي الرئاسة بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل، والإطاحة بمجلس النواب، لكي تخلو له الساحة كرئيس للحكومة فيتولى ترجمة “أحلامه” الأزلية المستمرة بالوصول إلى كرسي الرئاسة ولو بطريقة انقلابية، غير أن أحلامه “أطاحت” بها إرادة إقليمية ودولية، وتوافق وطني، فانتهى به الأمر لاجئاً في السفارة الفرنسية في بعبدا، بدلاً من رئيس على كرسي بعبدا.

وعاد الجنرال “مظفراً” بعد مرحلة النفي بتسوية أسقطت عنه الملاحقات المالية ومنحته عفواً مشروطاً من سلطة الوصاية، ليعود ويكرّر المطالبة بالحقوق “المهدورة” للمسيحيين، وشكّلت عودته “تسونامي” على ما وصفها رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط، انضوى تحت أمواجها فريق كبير من “المسيحيين المهدورة حقوقهم”، ووقع وثيقة تفاهم مع الشريك “الشيعي” في الوطن الممثل بـ “حزب الله”، عالج من خلالها على ما قال في حينه، بعض النقاط التي تهم “المسيحيين” مثل تأمين الأحكام المخففة على المتهمين بالتعامل مع العدو الاسرائيلي في جيش “انطوان لحد”، وفوزه بأصوات هذا الشريك بعدد كبير من النواب، مكّنه من زعم ترؤسه “أكبر كتلة مسيحية” في مجلس النواب.

ولأن قانون الانتخابات الذي قبل به “على مضض” كما ظل يردّد على مسامع أنصاره، لم يكن عادلاً بالنسبة للمسيحيين الذين يصلون إلى مجلس النواب بأصوات المسلمين (ما يحسب على السنة والدروز لا يحسب على الشيعة)، قبل بـ “المشورة الهمايونية” التي أقنعته بوجوب تسويق قانون انتخابات “طائفي” يعزّز الحضور المسيحي ويأتي بنواب “صناعة مسيحية خالصة”، فراح يطالب بتطبيق ما عرف باسم قانون “اللقاء الارثوذكسي” بحجة أنه الأفضل تمثيلاً والأكثر صحة بالنسبة للمسيحيين والمسلمين على السواء.

وسحب هذا المشروع من التداول بعدما لم يلق حتى القبول من جانب المسيحيين أخصامه السابقين وأصحاب النوايا الحميدة المشتركة معه حالياً، غير أنه تذّرع بعدم إقرار قانون حديث وجديد للانتخابات، ليمارس ما يبرع به تعطيلاً في مجلس النواب ومجلس الوزراء، والهدف دائماً حشر اللبنانيين لانتخابه رئيساً للجمهورية.

وعاود التاريخ نفسه، فوجد لبنان نفسه من دون رئيس للجمهورية، لكن بوجود “ممثلين” عن عون في حكومة المصلحة الوطنية، التي ما دأب رئيسها ينادي في مستهل كل جلسة تعقدها بضرورة الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، من دون أن تلقى نداءاته سمعاً، لكن عون ومن خلفه يصرون على انتخابه هو رئيساً أو انتخاب أحد الموارنة الأقطاب الأقوياء رئيساً.

وهل ينسى اللبنانيون أن عون اقترح يوماً أن يصار إلى إجراء استفتاء شعبي بين المسيحيين لاختيار مرشحين فقط ليتنافسا على منصب الرئاسة في مجلس النواب؟ والحجة أيضاً وايضاً، استعداة الحقوق المسيحية من “مغتصبيها”.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، وعقب المؤتمر الصحافي الذي عقده عون وجدّد خلالها اقتراحه بأن ينتخب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة، هو بكل بساطة: كيف يحصّل عون الحقوق المسيحية “المهدورة” من خلال هذا الطرح؟.

أن ينتخب اللبنانيون، كل اللبنانيين رئيسهم، فهذا يعني حسابياً وبكل بساطة أن 70% على الأقل من غير المسيحيين سيوصلون الرئيس الذي يريدونه، أكان عون أم غيره. افتراضاً أن عون يتسلّح بدعم “حزب الله” وتكليفه الشرعي لمؤيديه، فهل هذا العدد من اللبنانيين كاف لايصاله إلى بعبدا؟ هل نسي أن السنة لا يقلّون عدّداً عن الشيعة، إن لم يزيدوا قليلا؟ وهل أن الدروز وباقي المسيحيين يؤيدون وصوله إلى كرسي الرئاسة؟ وقبل ذلك كلّه، هل تسقط مقولة الحقوق المسيحية، بانتخاب عون رئيساً بأصوات غير المسيحيين؟

مفارقات عجيبة قاسمها المشترك واحد: حقوق المسيحيين محصورة بميشال عون .. وأصهاره.