الديكتاتوريات ولدت الفوضى وليس الثورات!
رامي الريس (مجلة الخليج)
30 أغسطس 2015
يحصل الكثير من النقاش السياسي في الأوساط الأكاديمية والعلمية ومراكز الأبحاث والدراسات (وما أكثرها!) حيال ما آلت إليه الثورات العربية لا سيما إزاء الواقع المستجد على مستوى العالم العربي والتدهور غير المسبوق على الكثير من المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والميدانية بلغ حد سقوط الحدود الجغرافية بين الدول “القومية” التي شاركت في صناعتها تلك الإتفاقية الشهيرة المسماة “سايكس – بيكو” التي ولدت أثناء الحرب العالمية الأولى.
وتصب بعض التحليلات في إطار تحميل الثورات العربية مسؤولية الفوضى العارمة التي تعيشها المنطقة العربية التي أخذت في العديد من جوانبها شكل الصراعات الطائفية والمذهبية الحادة. ولكن هذه القراءة غير صحيحة وغير دقيقة لا بل غير منطقية لا سيما أنها تتغاضى عن الحقبة التي سبقت الثورات التي كانت سبباً في إندلاعها وهي الحقبة التي اتسمت بسيطرة الأنظمة الديكتاتورية والقمعية على عدد من البلدان وعلى مدى عقود متواصلة غيّرت خلالها طبيعة التكوين الإجتماعي والسياسي لتلك البلدان من خلال الإقصاء التدريجي والمنهجي لكل النخب السياسية والفكرية والثقافية وإفراغ المجتمعات من تلك الكفاءات والطاقات.
هذا التفريغ المنهجي أدّى عملياً إلى تحويل تلك المجتمعات إلى مجرّد منظومة مضطرة قسراً للموافقة والقبول والمبايعة لكل ما تقوم به السلطة تحت خطر التصفية الجسدية التي غالباً ما “أبدعت” تلك الأنظمة بإيجاد أشكال جديدة لها.
من ناحية أخرى، هناك من يغفل أيضاً حقيقة هامة لا يمكن إنكارها وهي أن صعود الحركات المتطرفة في العديد من المواقع لم يكن الثورات الشعبية السلمية والمناداة بالديمقراطية إنما الديكتاتوريات التي تلاعبت بالنيران من خلال تقوية الحركات المتطرفة لتحول دون مشاركة أي من مكونات المجتمع في السلطة والحكم.
وتقاطعت معظم الأنظمة الديكتاتورية في التهويل بالتطرف كبديل عن سقوطها، حتى أن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح لم يتوان عن التحالف مع الحوثيين بعد خروجه من الحكم بحثاً عن وسيلة للعودة اليه. أما الرئيس السوري بشار الأسد فهو دمر بلاده وجرها إلى الحرب الأهلية ليحافظ على السلطة.
من هنا، يمكن القول إن الثورات ليست هي التي سقطت بل حروب الأنظمة ضد شعوبها هي التي أوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه.
لقد عبّر الكاتب الفرنسي جان بيار فيليو عن هذه المآزق والإشكاليات بصورة واضحة في كتابه الأخير مقدماً نظريات جديرة بالإطلاع.
من هنا، الخيارات كلها مفتوحة!