أيادٍ خفية تدفع لبنان نحو الفوضى!

د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

بصرف النظر عن أحقية بعض المطالب التي حملها المعترضون على الإخفاق الحكومي في معالجة ملف النفايات. ومهما كانت الوجهة التي ستسير فيها الأمور بعد التحركات التي حصلت في بيروت وسادها شغبٌ مُخيف، تتساءل أوساط سياسية مراقبة عن الخفايا التي تقف وراء جزء من هذه التحركات، والتي وصلت إلى حد إثارة الفوضى، بعد أن إنخرط في موجة الاعتراض خليط غريب عجيب من القوى السياسية والحزبية، وبعض من المجموعات المعروفة بصداقاتها مع سفارات أجنبية، ومع شركات تجارية لها مصالح مالية مرتبطة بملف النفايات، مما أجهض التحرك، وأضاع الفرصة على أصحاب النوايا الحسنة من الناشطين، وخصوصاً من طلاب الجامعات، الذين ليس لديهم هدف، سوى إصلاح الاعوجاج في الدولة، وتصويب انحرافات أغلبية من المسؤولين.

الأوساط المحايدة ذاتها تتساءل: لماذا لم تتحرَّك هذه المجموعات إعتراضاً على الكارثة التي يعاني منها المواطنون من جراء إنقطاع التيار الكهربائي؟ ولماذا لم تواكب أغلبية هذه المجموعات – التي ظهرت فجأةً – حملة سلامة الغذاء التي كانت بمثابة الثورة على الفساد الذي كان يُعشعش في القطاع الصحي على مدى سنوات؟ والحملة إنجازٌ يُسجل لحكومة الرئيس تمام سلام برمتها وليس لوزير الصحة فقط.

والأسئلة تتزايد على خلفية إندفاعة الشغب التي حصلت في وسط بيروت للمطالبة بإسقاط الحكومة. فلو يذهب المتظاهرون إلى أمام منازل النواب الذين يقاطعون جلسات إنتخاب رئيس الجمهورية، لإختصروا الطريق، لأن إنتخاب رئيس جديد يؤدي فوراً إلى إسقاط الحكومة؟ ولماذا لا يذهب هؤلاء النشطاء أيضاً إلى التظاهر أمام منازل الذين يمتنعون عن توقيع المراسيم الضرورية المُتعلقة بحياة المواطنين، والذين يُعطلون سير العمل الحكومي، وبالتالي تعطيل خطة الحل النهائي لمسألة النفايات؛ علماً أن فترة السماح التي أُعطيت للحكومة من قبل القيادات السياسية والفعاليات البلدية المؤثرة حول مطمر الناعمة، تم إستهلاكها من خلال إفشال جلسات الحكومة منذ بداية العام 2015 حتى 17 تموز/يونيو.

وتسترسل الأوساط السياسية المُحايدة في التساؤلات؛ قائلةً: ما هو الهدف المخفي وراء مهاجمة السرايا الحكومية، وإستطراداً، وسط بيروت؟ علماً أن الرئيس تمام سلام أبدى كل تجاوب مع المطالب المُحقة، وطلب من لجنة من المعتصمين مقابلته، لكنهم رفضوا، مما أوحى كأن بعض التحركات هي بمثابة إستكمال لما قامت به المواكب السيارة بداية الشهر. وبعض القائمين بالتحركات يحملون إمتعاضاً قديماً من شركة “سوليدير”. علماً أن الضائقة التي يشكو منها اللبنانيين، ناتجة عن تراكم إهمال وتعطيل لمؤسسات الدولة منذ سنوات، كما أن جزءً منها ناتجٌ عن الضغوطات الأمنية والإقتصادية من جراء الأحداث الحاصلة في سوريا والعراق، وتدخُلات بعض الأطراف اللبنانيين في هذه الأحداث.

وإستغربت الأوساط محاولات كسر هيبة الجيش وقوى الأمن الداخلي، وإستفزاز عناصرهم وسط بيروت، من خلال محاولة سحب البنادق الحربية منهم، أو صفعهم، وبالتالي إجبارهم على الرد على هذه التحرشات، وإستغلال الأمر لرفع الصوت، والقول أن هناك تضييق على الحريات العامة، علماً أن المعايير الأوروبية أو الأميركية لحقوق الإنسان، لا توافق أبداً على إلحاق الضرر بالقوى المُكلفة حفظ الأمن – حيث سقط من قوى الأمن أكثر من 96 جريحاً وسط بيروت – من جراء الضربات التي أصابتهم من بعض المتظاهرين.

وكسر هيبة القوات العسكرية الشرعية، ليست أبداً في مصلحة المُجتمع المدني الذي سيصبح فريسة المُتطرفين من كل الأطراف، على شاكلة “داعش” أو الميليشيات المُسلَّحة الأُخرى”كسرايا المقاومة” فيما لو قوِّضت قدرة القوى الشرعية في ضبط الأمور.

قد يكون مُبكراً الحُكم النهائي على تفاصيل ما جرى وسط بيروت، لكن المؤكَّد أن هناك أيادٍ خفية تعمل على إسقاط الدولة، وليس فقط إسقاط الحكومة، ولهؤلاء أهداف شخصية، أو عقائدية، تتعارض مع مصالح الأغلبية الساحقة من اللبنانيين. كما أن المؤكد أيضاً أن هناك مطالب شعبية مُحقة يجب تلبيتها قبل فوات الأوان. وساعتئذٍ لن تغفر الناس للذين يزايدون في رمي الكرة في ملعب غيرهم، وهم السبب الرئيسي في “بلاوي” البلاد.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

التوازن السياسي في لبنان

قراءة مختلفة لأحداث الأسبوع اللبناني الطويل

انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه

هل هناك ما هو أبعد من تمثيل نواب «سنة 8 آذار» في الحكومة؟

الرأي العام اللبناني لا يريد التصعيد السياسي

هل انقلبت صفحة التفاؤل.. أم أن التعقيدات غيمة خريف وستنجلي؟

استحقاقات لبنانية داهمة

عن نظرية عدم حصرية تمثيل الطوائف في الحكومة

عن خطورة وخلفيات ما حصل في المطار

لقاء بكركي الذي حرّك السواكن الحكومية

ماذا تقول أوساط معارضة عن الأحجام السياسية؟

مصالح لبنان في سورية ومصالح سورية في لبنان

مواقف في خطاب عيد الجيش

ما مبررات مواقف «الاشتراكي» و«القوات» من تشكيل الحكومة؟

عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية

عن إشكالية حصة الرئيس الوزارية

عوامل التفاؤل والتشاؤم

مرحلة ما بعد الانتخابات والأحلاف السياسية

عن الآثار السياسية لاستبعاد النائب أنطوان سعد

لبنان: الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية