هل ستنفّذ إدارة أوباما العقوبات الصارمة المسموح بها بموجب الاتفاق مع إيران؟

في 19 آب/أغسطس، وفي خطوة تهدف إلى معالجة المخاوف التي أعرب عنها بعض الأعضاء المترددين في الكونغرس الأمريكي [حول الاتفاق النووي الموقّع بين إيران ودول «مجموعة الخمسة زائد واحد»]، بعث الرئيس باراك أوباما رسالة إلى النائب جيرولد نادلر (ديمقراطي من ولاية نيويورك) حدّد فيها بعض الخطوات التي ستتّخذها إدارته بعد تنفيذ الاتفاق النووي لمواصلة الضغط على إيران. ومن جملة التوضيحات الأخرى التي بوسع الإدارة الأمريكية إصدارها للغاية نفسها هي تلك المتعلقة بضغط العقوبات الذي ستمارسه واشنطن لمنع إيران من إقامة علاقات تجارية طبيعية مع دول أخرى.

وفي الواقع، وبموجب الاتفاق النووي، احتفظت واشنطن ببعض الحقوق للمحافظة على القيود الشديدة المفروضة على التجارة الإيرانية مع الشركات الأوروبية والآسيوية. ومع ذلك، ليس من الواضح بأيّ حالٍ من الأحوال فيما إذا كانت إدارة أوباما ستلجأ إلى الاستفادة بقوة من هذه الحقوق. فالعقوبات ليست تلقائية بتاتاً: ولمجرّد تمتع الحكومة الأمريكية بالصلاحية لمنع بعض المعاملات، فلا يعني هذا أنّها ستستخدمها بشكلٍ نشِط، بما في ذلك إنفاذها بصرامة. وعلى الأقل، كان بعض المترددين بشأن الاتفاق النووي سيشعر بمزيد من راحة البال لو برزت أدلّةٌ مقنعة على أنّ الإدارة الأمريكية تخطّط لمواصلة عرقلة التجارة الإيرانية العادية بطريقة صارمة.

وتنقسم الحواجز المحتملة إلى عدّة فئات: معاقبة المصارف الأجنبية المشارِكة في التجارة الإيرانية، ودعم مصادرة الأصول الإيرانية، وتسليط الضوء على المخاطر الناجمة عن الممارسات المالية المضلِّلة الإيرانية، والحفاظ على الضغوط التنظيمية.

مواصلة العقوبات الأمريكية على المصارف الأجنبية المشارِكة في التجارة الإيرانية

إن قانون “العقوبات الشاملة ضد إيران والمحاسبة والتجريد من الممتلكات” لعام 2010 يحظّر على المصارف الأمريكية في الوقت الحاضر، فتح مراسلة أو حساباتِ مدفوعات لأيّ مؤسسة مالية أجنبية تتعارض وأحكام القانون أو الحفاظ على هذه الحسابات والمراسلات، الأمر الذي لا يغلق عملياً باب النظام المصرفي في الولايات المتحدة أمام هذه المؤسسات فحسب، بل يغلق أيضاً باب جميع المعاملات بالدولار الأمريكي. وقد شكّل هذا الأمر عائقاً جدياً في وجه التجارة الإيرانية العادية. ونتيجةً لذلك واجهت شركات آسيوية، من بين شركات أخرى، بعض التعقيدات في ترتيب الدفع.

وفي الفقرة ب.4.1.1 من الملحق الثاني من «خطة العمل المشتركة الشاملة»، تتعهّد واشنطن بـ “وقف تطبيق” عقوباتٍ معيّنة، لكنّ ذلك ينطبق فقط على الباب 104 (“سي”)(2)(“إي”)(2)(“آي”)، وهو حكمٌ صغير في قانون “العقوبات الشاملة ضد إيران والمحاسبة والتجريد من الممتلكات”. وليس هناك شيء يُذكر في «خطة العمل المشتركة» عن باقي أحكام قانون “العقوبات الشاملة”. وبالتحديد، إن الأجزاء الأخرى من الباب 104(“سي”)(2) من قانون “العقوبات الشاملة”، تصف مجموعة واسعة من الأنشطة التي يمكن أن تبرّر العقوبات الأمريكية على مؤسسة مالية أجنبية. ومن جملة هذه الأنشطة: أن “تسهّل [المؤسسة] جهود حكومة إيران (بما فيها جهود «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني أو أيّ من وكلائه أو الجماعات التي تدور في فلكه)… لتقديم الدعم للجماعات المُصنّفة كمنظّمات إرهابية أجنبية”؛ “تشارك في غسل الأموال” لهذا الغرض؛ أو “تسهّل جهود البنك المركزي الإيراني أو أيّ مؤسسة مالية إيرانية أخرى” لهذا الغرض؛ أو “تقدّم خدمات مالية كبيرة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» أو أيّ من وكلائه أو مؤسساته الفرعية الذين لهم ممتلكات أو مصالح في ممتلكات محجوزة بموجب قانون «سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية»”، أو لـ “مؤسسة مالية لها ممتلكات أو مصالح في ممتلكات محجوزة بموجب «قانون سلطات الطوارئ» بخصوص… دعم إيران للإرهاب الدولي”.

ومن المحتمل أن تضطلع قائمة الأنشطة، التي تُخضِع المصارف الأجنبية إلى العقوبات الثانوية لقانون “العقوبات الشاملة ضد إيران والمحاسبة والتجريد من الممتلكات” الآنف ذكره، بتأثير كبير. فالكثير من “الوكلاء أو المؤسسات الفرعية” المرتبطة بـ «الحرس الثوري» الإيراني، مثل شركة “خاتم الأنبياء” – أكبر شركات البناء الإيرانية، فضلاً عن صناديق التقاعد والاتحادات الائتمانية التابعة لـ «الحرس الثوري»، هي بمثابة جهات اقتصادية فاعلة رئيسية، بل يمكن القول أيضاً أنّ أيّ تعامل معها يُشكّل تسهيلاً للجهود المبذولة لدعم المنظّمات الإرهابية. وكما قال وزير الخزانة الأمريكي في ذلك الحين تيموثي غايتنر في عام 2011، عندما وُضع “القطاع المصرفي الإيراني بأكمله – بما فيه البنك المركزي الإيراني – في خانة التهديدات”، بموجب الباب 311 من «قانون باتريوت الأمريكي لعام 2001 بشأن دعم وسائل رصد ومكافحة الإرهاب» (قانون «باتريوت آكت»): “إذا كنتَ مؤسسةً مالية وشاركتَ في أيّ معاملة تشمل البنك المركزي الإيراني أو أيّ مصرف إيراني آخر يعمل داخل إيران أو خارجها، فإنّك تواجه خطراً يتمثّل بدعم أنشطة إيران غير المشروعة. ويتضمّن ذلك سعيها للحصول على أسلحة نووية ودعمها للإرهاب وجهودها الرامية إلى خداع المؤسسات المالية المسؤولة والتهرّب من العقوبات. إن كلّ معاملة مالية مع إيران، كما أياً منها، تشكّل خطراً جسيماً يتمثّل بدعم تلك الأنشطة”. وتشير هذه العبارة إلى أنّ أحكام قانون “العقوبات الشاملة” يمكن أن تُثار بسهولة إذا ما تعامل أحد المصارف الأجنبية مع مصرف إيراني.

أمّا «خطة العمل المشتركة الشاملة»، فهي أقلّ وضوحاً حول أي من العقوبات تبقى قائمة. على سبيل المثال، يقدّم الملحق 2.7.2 قائمة طويلة من الأنشطة التي يمكن أن تقوم بها المصارف بعد تنفيذ الخطة، لكنّ الحاشية 14 تنصّ على أنّ “رفع العقوبات الموضّح في هذا الباب… لا يخلّ بالعقوبات التي يمكن تطبيقها في إطار الأحكام القانونية باستنثناء تلك الواردة في الباب 4”. بعبارة أخرى، لا تزال أحكام قانون “العقوبات الشاملة” سارية المفعول. وفي الواقع، يُقدّم الملحق 2 من المرفق 3 من «خطة العمل المشتركة» قائمة طويلة من المؤسسات الإيرانية التي لم تعد خاضعة لعقوبات بموجب أحكامٍ مختلفة. ومع ذلك، تختلف هذه القائمة عن أيّ قرار حول ما إذا كانت أحكام قانون “العقوبات الشاملة” لا تزال تنطبق على هذه المؤسسات. أي أن هذه الأخيرة قد تبقى خاضعة لعقوبات واسعة النطاق على الرغم من أنّها لن تُعاقب على أنشطة الانتشار.

مليارات [الدولارات] في أحكام قضائية

هناك حاجز آخر يمنع إيران من استئناف التجارة الخارجية الطبيعية مع أوروبا وآسيا يمكن أن يتمثّل بالإجراءات القانونية الصارمة التي خطّط لها المحامون والمدّعون الأمريكيون الخاصّون، والتي تهدف إلى مصادرة الأصول الإيرانية المرتبطة بأحكام المحاكم الأمريكية ضدّ إيران وأدواتها لمساندة الهجمات الإرهابية ضدّ أمريكيين محدّدين. (الإفصاح التام: كاتب هذه السطور شاهدٌ خبير في كثيرٍ من هذه القضايا). ويصل مجموع هذه الأحكام إلى 46 مليار دولار. وتنظر المحكمة العليا الأمريكية في قضية تتضمّن مبلغ قدره نحو مليار دولار يعبر خلال المصارف الأمريكية في طريقه إلى مصارف غير أمريكية، ويتّجه [في النهاية] إلى البنك المركزي الإيراني. وقد تمّ تجميد هذه الأموال، وحكمت محكمة الاستنئاف الثانية في نيويورك بجواز مصادرتها. ويصمّم المحامون والمدّعون المعنيون للغاية، على متابعة أيّ أموال إيرانية يمكن تخليصها عبر مصارف مقرّها في نيويورك، الأمر الذي يمكن أن يُعقّد استخدام الدولار الأمريكي في التجارة الإيرانية.

وقد سهّلت إدارة أوباما القضية في نيويورك إلى حد كبير بفعل المعلومات التي وفّرتها للمحامين الذين يسعون لمصادرة الأموال. وإذا تعاونت هذه الإدارة أو المقبلة بشكل مماثل مع المحامين الذين يسعون إلى إنفاذ الأحكام القضائية الأمريكية، فما يزال من الممكن للمؤسسات المالية الأجنبية التي تتعامل مع إيران أن تواجه إجراءات قانونية صارمة. وليست هناك فقرة في «خطة العمل المشتركة الشاملة» تحول دون اللجوء إلى هذا الاحتمال.

تسليط الضوء على الممارسات الخادعة التي تتبعها إيران

كما ذُكر أعلاه، تم تصنيف كافة المؤسسات المالية الإيرانية منذ عام 2011 بموجب الباب 311 من قانون «باتريوت آكت» بوصفها مؤسسات “يتمثّل القلق الرئيسي منها في غسل الأموال”، مما يتطلّب من المؤسسات المالية التي مقرّها في الولايات المتحدة – بما فيها المؤسسات المملوكة من قبل الأجانب – اتخاذ بعض “الإجراءات الخاصة”. وهذا التصنيف هو حول غسل الأموال وليس الانتشار، وبالتالي ليس هناك ما يدل على أنّ تصنيف غسل الأموال سيسقط [في المستقبل].

لدى المؤسسات المالية الإيرانية تاريخ حافل بالانخراط في ممارسات مالية مضلّلة متعدّدة تنتهك المعايير الدولية. ومنذ عام 2007، أصدرت “فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية” – منظمة دولية مؤلفة من 34 عضواً تمّ تأسيسها في عام 1989 لوضع معايير لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب – تحذيراتٍ من الممارسات الإيرانية. وفي آخر “بيان عام” لها في 26 حزيران/يونيو، دعت الفرقة “أعضاءها وسلطات قضائية أخرى إلى تطبيق تدابير مضادة لحماية النظام المالي الدولي من المخاطر المستمرّة والكبيرة، الناجمة عن غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والصادرة عن” إيران وكوريا الشمالية. أما المصارف الأجنبية التي تتجاهل “فرقة العمل”، فقد تجد نفسها خاضعة للتدقيق المالي الأمريكي.

استمرار الضغوط التنظيمية

إذا رغبت المؤسسات المالية الأجنبية في معرفة أيّ أنشطة على وجه التحديد يمكن الانخراط فيها مع المصارف الإيرانية وأيّ منها لا يمكن الانخراط فيها، من المستبعد أن تعطي وزارة الخزانة الأمريكية إجابة شافية. فمن الناحية التاريخية لم ترغب وزارة الخزانة في إصدار ضمانات ملزمة قانوناً تسمح بالمضي قدماً بأنشطة معيّنة، وفضّلت الاحتفاظ بحقّ اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المصارف في حال ألقت معلوماتٌ جديدة الضوء على معاملاتٍ محدّدة، أو إذا قرّرت الوزارة تغيير موقفها تجاه هذه المعاملات. وعلى الرغم من إصدارها أحياناً ما يُسمّيه البعض بـ “رسائل التطمين”، إلّا أنّ اللغة الغامضة وغير الملزمة لا توفّر سوى القليل من التطمين. ونظراً إلى أنّ المصارف الكبرى، مثل مصرف “بي أن بي باريبا” الفرنسي، دفعت المليارات بشكل غرامات عن أنشطة اعتقدت أنّ المنظّمين الأمريكيين لم يعترضوا عليها آنذاك، لكنهم عادوا واعتبروها لاحقاً بمثابة انتهاكات، فقد تتردّد مصارف كثيرة في التصرّف بناءً على رسائل التطمين من هذا النوع، حتى لو تمّ إصدارها.

هذا هو سرد الوقائع من وجهة نظر الحكومة الفدرالية فقط. وقد واجه مصرف “ستاندرد تشارترد” البريطاني تهديداً خطيراً طال رخصته المصرفية من قبل “قسم الخدمات المالية” في نيويورك بسبب انتهاكات أحكام العقوبات. وفي بعض الأحيان، يبدو أنّ “قسم الخدمات المالية” استطاب له اتخاذ موقف أكثر صرامة من وزارة الخزانة الأمريكية. ولا يمكن للمصارف أن تتأكّد من الإجراءات التي سيتّخذها “قسم الخدمات المالية” بشأن المعاملات المتّصلة بإيران. لكن من المؤكّد أنّ الفقرة 25 من «خطة العمل المشتركة الشاملة» تنصّ على الآتي: “إذا منع قانونٌ ما على مستوى الولاية أو المستوى المحلي في الولايات المتحدة تنفيذ رفع العقوبات على النحو المحدّد في «خطة العمل المشتركة»، ستتّخذ الولايات المتحدة الخطوات اللازمة، مع الأخذ بعين الاعتبار جميع الصلاحيات المتاحة بغية تحقيق هذا التنفيذ”. إلا أن هذه العبارة لا تشمل سوى “رفع العقوبات على النحو المحدّد في «خطة العمل المشتركة»”، وليس الإجراءات المبينة على الأسس الأخرى المذكورة أعلاه كالمخاوف المتمثّلة بغسل الأموال والإرهاب.

وبعد مواجهة غرامات وصلت قيمتها إلى عشرات مليارات الدولارات بفعل انتهاكات أحكام العقوبات أو إجراءات تتضمّن سوء التعامل مع الرهون العقارية وتلاعب بأسعار الفائدة وأسعار الصرف الأجنبي، اعتمدت مصارف دولية كبرى كثيرة مبادرات “تخفّف المخاطر” لحماية نفسها. وقد أدّى نهج تخفيف المخاطر إلى تخلي العديد من المصارف الكبرى عن بعض الأسواق المربحة. وفي هذا الصدد، قد يعتبر البعض أن إيران هي سوق هامشي في أحسن الأحوال، خصوصاً إذا أبدت واشنطن إرادة قوية بالذهاب إلى أقصى حدٍ مسموح به بموجب «خطة العمل المشتركة الشاملة». ويقيناً، يكاد يكون من المؤكد أنّ إيران ستجد مصارف أصغر حجماً تكون أقلّ انكشافاً أمام المنظّمين الأمريكيين وتكون مستعدّة للمخاطرة، كالمصارف الأوكرانية والتونسية الي تتعامل مع التجارة المسموح بها حديثاً مع إيران بموجب الاتفاق النووي المؤقت. إلا أن هذه المصارف الأصغر حجماً ستواجه تحديات خطيرة في التعامل مع أحجام التمويل التجاري التي ترغب بها إيران، وهي بالتأكيد عاجزة عن توفير التمويل الطويل الأجل الذي تأمل به إيران.

ما هو حجم الضغط الذي ستواجهه طهران؟

لعلّ أهم العوائق التي ستواجه إيران فيما يتعلق بجذب المزيد من الشركات الأجنبية يتمثّل في بيئة الأعمال التجارية الفقيرة في البلاد، بما فيها الفساد المستشري والنظام القانوني المختل والتغييرات المتكرّرة في السياسة وخطوط المسؤولية الضبابية التي يمكن أن تُخضِع الشركات لمطالب تتقدّم بها جهات حكومية كثيرة. وعلى الرغم من أنّ هذه المشاكل مهمة لا سيما كونها معوّقات أمام الاستثمار، إلّا أنّها ستؤثّر في التجارة أيضاً.

وبالتالي، يمكن أن تبقى العقوبات الأمريكية حاجزاً كبيراً أمام التجارة الإيرانية الطبيعية مع أيّ دولة على الرغم من الاتفاق النووي إذا نَحَتِ الإدارة الأمريكية إلى هذا التوجّه. إن بعض الحواجز، التي تعترض إيران في طريقها نحو التجارة الخارجية الطبيعية بعد تنفيذ الاتفاق، قد نال اهتماماً كبيراً، وخصوصاً (1) احتمال أن يُعاد العمل فجأةً بعقوبات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في حال نشبت خلافات حول التنفيذ و(2) استمرار المنع المفروض على جميع أشكال التجارة المباشرة تقريباً مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن إمكانية اعتماد عقوبات أمريكية مستمرة أخرى على الأجانب الذين يتاجرون مع إيران لم تحظَ باهتمام كبير، على الرغم من أنّ الاستثناء الوحيد هو تحليل مفصّل في مذكّرة السياسات لتايلر كوليس من “المجلس الوطني الإيراني الأمريكي”، الذي هو مؤيّدٌ قوي للاتفاق النووي.

وتنصّ الفقرة 26 من «خطة العمل المشتركة الشاملة»على الآتي: “تبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها وفق مبدأ حسن النية من أجل استدامة «خطة العمل المشتركة» ومنع التدخّل مع مراعاة المصلحة التامة لإيران من رفع العقوبات، كما هو وارد في المرفق 2”. ولا تشير هذه الجملة المُصاغة بعناية سوى إلى بذل واشنطن قصارى جهدها فيما يتعلّق برفع العقوبات المحدّدة في المرفق 2. لكنّ تعهدات واشنطن برفع العقوبات الواردة في المرفق 2 لا تشمل مختلف القضايا المذكورة أعلاه، ومن بينها العقوبات الثانوية على المصارف الأجنبية بسبب غسل الأموال الإيرانية ودعم طهران للإرهاب.

لقد قدمت إدارة أوباما القليل من التفسير العلني القيّم عن خططها بشأن العقوبات بعد مرحلة التنفيذ على المصارف التي تتعامل مع إيران. ويشير صمت فريق أوباما في وجه التقارير المكثّفة – التي تتحدّث عن اختفاء هذه العقوبات – إلى أنّ العقوبات ربما لن تُفرَض بصرامة. ومن شأن الانتقادات حول مقدار مكافأة أوباما لإيران أن تبدو أقلّ مصداقية إذا أعلنت الإدارة الأمريكية عن خططها للحفاظ على هذه العقوبات وخاصّة إذا أمّنت [الحصول على] بيانات من الحكومات الأوروبية تقرّ فيها بأن هذا هو هدف واشنطن الذي يتّسق تماماً مع «خطة العمل المشتركة الشاملة».

وعلى العكس من ذلك، ألمح وزير الخزانة الأمريكي جاكوب ليو ضمناً إلى أنّ واشنطن لم تحصل على التزامات أوروبية فيما يتعلّق بالعقوبات الثانوية المستمرّة وهي لا تنوي فرضها. وفي إحدى مقالات الرأي في صحيفة “نيويورك تايمز” في عددها من 13 آب/أغسطس، كتب الوزير: “إنّ فرض عقوبات ثانوية قوية ضدّ أولئك الذين يرفضون اتّباع قيادتنا [أي أن يسيروا في خُطانا]… من شأنه أن يشكّل كارثة… إذا عزلناهم عن الدولار الأمريكي ونظامنا المالي، فإنّنا سنتسبّب بنزيف مالي واسع النطاق، ليس فقط في الدول الشريكة معنا بل في الولايات المتحدة أيضاً”. وجاءت كلمات ليو في أعقاب نمط التحذيرات التي لوّح بها وزراء الخزانة من عواقب وخيمة على الاقتصاد الأمريكي والنظام المالي الدولي بأسره إذا تمّ تشديد العقوبات. وفي عام 2006، توقّع وزير الخزانة هنري بولسون أنّ العقوبات على البنك المركزي الإيراني ستسبب قيام فوضى في الأسواق العالمية والاقتصاد الأمريكي. وعندما تجاهل مجلس الشيوخ الأمريكي – المكون من 100 عضو في تصويت كانت نتيجته 100 عضو مؤيد من دون أيّ معارض – تحذيرات وزير الخزانة تيموثي غايتنر في عام 2010 من فرض عقوبات شاملة على البنك المركزي الإيراني، التي كان الهدف من تصنيفها في قانون «باتريوت آكت» هو تجنّبها، كانت النتيجة – وفقاً لإدارة أوباما – دفع إيران إلى العودة إلى المفاوضات وتقديم تنازلات. ومن جانبه، كان الفرع التنفيذي [أي الإدارة الأمريكية] قد اتّبع نمطه الخاصّ المتمثل بإطلاق تحذيرات من عواقب العقوبات ليعود ويثني عليها، بعد سنِّها، مُحاججاً بأنّها مفتاح لتحقيق أهدافه. ولعلّ تحذيرات وزير الخزانة هذه المرة تأتي في الوقت الذي تكون فيه المخاطر قائمة بالفعل، أو ربما غير قائمة.

وحتى لو لم يفعل فريق أوباما أيّ شيء يُذكر من أجل الإبقاء على الضغط على المؤسسات المالية الأجنبية، يمكن أن تقرّر الإدارة الأمريكية المقبلة أن تكون أكثر فعاليةً، إذ يمكن اتخاذ خطوات كثيرة في إطار «خطة العمل المشتركة الشاملة»، ذلك أنّ واشنطن اكتفت بأن تتعهّد باتخاذ خطوات متواضعة للغاية. إنّ فشل إدارة أوباما في توضيح معنى مختلَفِ الأحكام – التي تبدو في الظاهر أنّها توفّر تخفيفاً كبيراً للعقوبات لكن عند التمعّن فيها تُشير إلى أن ذلك قد لا يكون صحيحاً – قد غذّى شكوك المنتقدين حول ما يُخطّط فريق أوباما فعله.

 ———————————

(*) پاتريك كلاوسون / معهد واشنطن